قد تنتهى أسطورة «داعش» قريبًا، بعد أن اقتنع قادة أمريكا وأوروبا بضرورة التحرك لمواجهة التهديد الإرهابى الذى ضرب سورياوالعراق ولبنان، وأصبح تهديدًا للولايات المتحدة وأوروبا، فالرئيس الأمريكى أوباما يقول إن «داعش» سرطان يجب استئصاله ولا يشكل خطرًا على العراق وشعبه فحسب بل قد يهدد مصالح الأمريكيين. وبعد ثلاثة أسابيع من الغارات الجوية فى العراق ضد مواقع «داعش» أكد الرئيس الأمريكى باراك أوباما أنه يعمل على خطة عسكرية ودبلوماسية فى آن واحد للتغلب على «داعش»، موضحًا أن الأمر لن يكون سريعًا ولا سهًلا. واقترح الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند مؤتمرًا حول الأمن فى العراق ومحاربة «داعش» معتبرًا أن الوضع الدولى اليوم هو «الأخطر» منذ عام 2001. التحالف الدولى يمثل تنظيم «داعش» تهديدًا واضحًا على مجموعة كبيرة من الدول، من بينها الولاياتالمتحدة، وتتطلب مواجهته تشكيل تحالف عالمى يستخدم الأدوات السياسية والاقتصادية والقانونية والاستخباراته دعمًا للقوة العسكرية. ودعا جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى إلى هذا التحالف العالمى من أجل مكافحة «برنامج الإبادة» الذى ينفذه داعش فى سورياوالعراق. وكان كيرى قد أكد خلال مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» أهمية وجود رد موحد بقيادة الولاياتالمتحدة وأوسع تحالف ممكن بين الأمم. وقد اجتمع كيرى ووزير الدفاع تشاك هاجل مع وزراء الدفاع الأوربيين فى قمة «حلف شمال الأطلسى» التى انعقدت فى ويلز الخميس والجمعة الماضيين، وركزت على الحصول على أكبر مساعدة ممكنة للتحاف الدولى. ويوضح كيرى خلال مقاله أن الولاياتالمتحدة ستتولى رئاسة مجلس الأمن خلال سبتمبر الحالى، وسنستغل هذه الفرصة فى مواصلة تدشين تحالف واسع وسنلقى الضوء على المخاطر التى يمثلها المقاتلون الإرهابيون الأجانب، بما فى ذلك الذين انضموا إلى «داعش»، وأثناء جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، سيقود الرئيس أوباما اجتماع قمة لمجلس الأمن من أجل وضع خطة للتعامل مع هذا التهديد. وخلال هذه المعركة فثمة دور لكل الدول، سيقدم بعضها مساعدة عسكرية مباشرة أو غير مباشرة، والبعض الآخر سيوفر المساعدات الإنسانية المطلوبة بصورة ملحة لملايين النازحين والضحايا، وستساعد دول أخرى فى إعادة الاستقرار لاقتصادات المنطقة وإعادة الثقة المفقودة بين دول الجوار. كان قرار أوباما بإبطاء سياسته تجاه «داعش» مفاجئًا لكثيرين فى واشنطن لأن كبار مستشاريه للأمن القومى كانوا قد تحدثوا عن القيام بعمل سريع، لكن حذر الرئيس يعكس مبدأه الثابت كما أوضح لبعض مساعديه وهو «لايفعل أشياء غبية» لتفادى أعمال يمكن أن تكون لها عواقب خطيرة غير متوقعة وتؤثر سلبًا فى المصالح الأمريكية. ويريد أوباما أن تكون أى استراتيجية ضد «داعش» شاملة بمشاركة من بعض الأطراف الإقليمية وحكومة وحدة فى بغداد تضمد الجراح بين الشيعة والسنة والأكراد، ولم يبد أوباما رغبة تذكر فى تدخل الولاياتالمتحدة فى الحرب الأهلية السورية. ويوجد الآن تخوف من احتمال أن يؤدى شن الولاياتالمتحدة هجمات جوية ضد «داعش» فى سوريا إلى تعزيز موقف الأسد، وهو ما لاتريده أمريكا، وأى خطوة من هذا النوع قد يتعين أن يصاحبها دعم من قوات المعارضة السورية المعتدلة التى تعارض كلًا من الأسد و «داعش». ويقول ويل مكانتس خبير شئون الشرق الأوسط فى معهد «تروكنجز» إنه سيكون لزامًا على أوباما اتخاذ قرار صعب، وأعتقد أنه لايوجد مخرج هذه المرة، فإما يتعين عليه اتخاذ قرار بملاحقة «داعش» وتسليح المعارضين فى سوريا أو عليه أن يتخذ قرارًا أنه بإمكاننا التعايش مع الأسد. وكان جوش إرنست المتحدث باسم البيت الأبيض قد أكد أن الولاياتالمتحدة ترغب فى التنسيق مع الدول السنية فى المنطقة لاسيما السعودية لبناء تحالف دولى ضد تنظيم «داعش» موضحًا أن الرئيس أوباما يسعى لإقامة تحالف سنى مع دول المنطقة ومع القبائل السنية فى العراق على غرار «الصحوة» وبمساعدة الأممالمتحدة. ولن يجد التحالف الدولى صعوبة فى العثور على شركاء من الدول السنية الرئيسية فى المنطقة، موقف مجلس التعاون الخليجى واضح، والموقف السعودى أكثر وضوحًا وعكسه تحذيرات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لدى استقباله عددًا من السفراء، وندد بممارسات الإرهابيين ولفت إلى أن خطرهم مرشح للامتداد سريعًا إلى أوروبا وأمريكا، إن لم تتم محاربته. الإشكالية السورية الحرب الحقيقية على «داعش» لابد أن تشمل ملاذه الأمن فى سوريا. إن «الجيش الحر» لم يعد قادرًا على مواجهة «داعش» الذى التهم كثيرًًا من مواقعه. إن جيش الأسد هو القوة القادرة على المشاركة فى الحرب ضد «داعش»، ولكن هل سيأتى التحالف الدولى لإنقاذ نظام بشار الأسد، وهل سيتقبل الأسد بحلول سياسية كان يرفضها دائمًا ليحظى بدعم التحالف الدولى الجديد..؟ إن الأمر يتطلب شن غارات جوية ضد «داعش» فى سوريا وهو الاحتمال الذى لم يتقرر بعد، ولكن سوريا لن تستقر بالضربات الجوية وحدها، فلابد من تجديد الجهود الدبلوماسية من خلال الاتفاق بين القوى الخارجية ثم بين الأطراف المتحاربة، حول الصورة التى ستبدو عليها سوريا فى المستقبل. إن صياغة الترتيبات السياسية المستقيلية فى سوريا، قد تبدو بعيدة المنال اليوم، لكنها قد تكون الوسيلة الأفضل لمساعدة المعارضة المعتدلة المحاصرة فى سوريًا، ولاينبغى أبدًا أن يكون بشار الأسد جزءًا من المستقبل. إن مهمة القضاء على «داعش» ليست مستحيلة، لكنها ليست سهلة، ويبدو أن العالم قد اقتنع أخيرًا بضرورة اقتلاع «داعش»، وفى حالة نجاح خطة التحالف الدولى سيتغير بشكل ملحوظ المشهد السياسى على مستوى العراقوسوريا ولبنان.