ليس هناك خلاف على أن جماعة الإخوان هى المسئولة عن التفجيرات المحدودة التى شهدتها بعض محطات مترو الأنفاق مؤخرًا. الأسباب كثيرة أهمها أن أجهزة الأمن قامت بإلقاء القبض على بعض منفذى التفجيرات التى تعرضت لها مصر وتبين انتماؤهم لجماعة الإخوان. هناك أيضًا وقائع أخرى لانفجارات وقعت داخل بعض الشقق السكنية وتبين أن أصحابها ينتمون لجماعة الإخوان وأن الانفجارات وقعت أثناء قيامهم بتجهيز المتفجرات. ثم مَن غير الإخوان له مصلحة فى وقوع الانفجارات لإقناع العالم بأن مصر غير مستقرة. لكن كل ذلك لا ينفى أن انفجارات المترو تختلف تمامًا عن كل ما سبقها من تفجيرات.. وهو ما يستوجب أن نتوقف ونتأمل.. ونحاول أن نصل إلى الأسباب. وأظننا جميعًا نعرف أن كل التفجيرات السابقة كانت تستهدف رجال الشرطة والجيش بالدرجة الأولى.. صحيح أن بعض هذه التفجيرات أصابت مواطنين مدنيين. لكن اختيار أماكن التفجيرات وأسلوبها وتوقيتها كل ذلك يؤكد أن المدنيين ليسوا هم هدف هذه التفجيرات وأنهم مجرد ضحايا غير مقصودين ولا مستهدفين. ثم إن الغالبية العظمى من ضحايا التفجيرات كانوا من رجال الجيش والشرطة وهو ما يؤكد أنهم المستهدفون. أما بالنسبة لتفجيرات مترو الأنفاق التى وقعت مؤخرًا فأظنها المرة الأولى التى يستهدف فيها منفذو التفجيرات.. - والذين اتفقنا أنهم من الإخوان - يستهدفون المواطنين المدنيين.. صحيح أن التفجيرات كانت محدودة وأنها تنتمى «للعب العيال» أكثر منها تفجيرات ومتفجرات.. وصحيح أن الإصابات كانت بسيطة ومحدودة.. لكن فى النهاية لم تستهدف هذه التفجيرات رجال الشرطة أو الجيش. وإنما استهدفت للمرة الأولى المدنيين.. ومن ثم فإنه يمكن التعامل معها على أنها نقلة نوعية فى عمليات التفجير التى تقوم بها جماعة الإخوان. مرة أخرى.. لابد أن نتوقف ونتأمل.. ونحاول أن نصل إلى الأسباب! *** يمكن القول بأن جماعة الإخوان منيت بهزائم فادحة وخسرت رهانات كثيرة.. فى الخارج والداخل. فإذا بدأنا بالخارج فإن جماعة الإخوان خسرت معركة الجنائية الدولية التى كانت تعوِّل عليها كثيرًا للوصول إلى إدانة عالمية للنظام المصرى الحالى. والحقيقة أن الجماعة حاولت تعويض هذه الخسارة تحديدًا عن طريق اللجوء للمحكمة الأفريقية.. وأعلنت بالفعل أن المحكمة الأفريقية قبلت الدعوى المرفوعة من جماعة الإخوان ضد النظام المصرى.. لكن الجماعة نفسها تعرف أن احتمالات إدانة النظام المصرى ضعيفة جدًا.. ثم إن هناك اقتراحًا مطروحًا على القمة الأفريقية المقامة حاليًا يتضمن منع المحكمة الأفريقية من نظر أية دعوى مرفوعة ضد رؤساء الدول الأفريقية وكبار المسئولين فيها إذا ما كانوا فى السلطة.. وأغلب الظن أنه سيتم إقرار هذا الاقتراح وهو ما يعنى أن قرار المحكمة الأفريقية بقبول الدعوى المرفوعة من جماعة الإخوان سيصبح وكأنه لم يكن! والأهم من ذلك كله أن جماعة الإخوان خسرت معركة تجميد عضوية مصر فى الاتحاد الأفريقى الذى أعاد مصر لعضويته والذى دعا الرئيس عبد الفتاح السيسى لحضور القمة الأفريقية.. والذى رحب بحضوره بحفاوة ملحوظة.. وكلنا يعلم كم كان الإخوان يستثمرون مسألة تجميد عضوية مصر فى الاتحاد الأفريقى ويسوِّقون لها على اعتبار أنها رفض دولى كبير على مستوى القارة الأفريقية لما يزعمون أنه انقلاب. ثم الاعتراف العالمى بالانتخابات الرئاسية وبالرئيس السيسى والذى تمكن ترجمته إلى اعتراف بثورة 30 يونيو.. وأظن أن الإخوان أصيبوا بخيبة أمل كبيرة وصدمة قاسية لردود فعل الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى تجاه الانتخابات الرئاسية المصرية وتجاه الرئيس السيسى نفسه.. تكفى زيارة وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى الذى وصف الانتخابات الرئاسية بأنها حدث تاريخى. كل هذه الضربات وكل هذه الصفعات كانت على مستوى الخارج.. ولم يكن الداخل أقل حظا! *** كان رهان الإخوان أنهم قادرون باستمرار مظاهراتهم على اكتساب عناصر جديدة لا تنتمى لجماعة الإخوان أو لتيار الإسلام السياسى.. لكنهم لم يستطيعوا.. بل إن مظاهراتهم نفسها بدأت تتقلص بشكل واضح وأصبحوا يعتمدون بدرجة أكبر على السيدات والفتيات والأطفال.. أحيانًا لحفظ ماء الوجه! ولعل الذين يتابعون هذه المظاهرات المحدودة جدًا والتى لا تنقلها إلا قناة الجزيرة.. أو فى بعض الأحيان تشارك فى تنظيمها.. لعل الذين يتابعون هذه المظاهرات يلاحظون أن هتافات المتظاهرين بدأت تتغير بشكل ملحوظ فى الآونة الأخيرة.. حيث يهتفون ضد الذين خرجوا يوم 30 يونيو والذين فوّضوا السيسى والذين انتخبوه والذين يؤيدونه.. أى أنهم أصبحوا يهتفون ضد الشعب وليس الجيش والشرطة فقط. فى نفس الوقت بدأت الحكومة تتخذ إجراءات أكثر جدية لتجفيف منابع الإرهاب وتمويل المظاهرات الإخوانية ومظاهر العنف. أما الطامة الكبرى فهى بوادر الانشقاق التى بدأت تظهر أعراضه على ما يطلق على نفسه اسم تحالف دعم الشرعية. شباب الإخوان غاضبون من القيادات التى تركز جهودها فى ابتكار أسماء لمسيرات ومظاهرات الإخوان.. والغضب الأكبر من القيادات الهاربة والمستقرة فى قطر وتركيا والتى تكافح (الانقلاب) من وراء تلال الأرز واللحم (!!!) ثم يأتى عبود الزمر عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية ليفجر قنبلة فى هذا التحالف بتصريحات تثير غضب الإخوان.. تصريحات تعلن نهاية «ولاية» مرسى وتطالب الإخوان بمراجعة أخطائهم ومواقفهم.. صحيح أن بعض قيادات الجماعة الإسلامية سارعت برفضها لتصريحات عبود الزمر والإشارة إلى أنه مجرد رأى شخصى لواحد من أعضاء الجماعة وليس رأى الجماعة.. لكن الصحيح أيضًا أن هناك من أيّد تصريحات عبود الزمر ووصفها بأنها الصيحة الأخيرة لإنقاذ الجماعة الإسلامية من مصيرها المحتوم وهو الدفن فى مزبلة التاريخ.. مثل وليد البرش مؤسس تمرد الجماعة الإسلامية. وفى كل الأحوال انشقاق التحالف قادم لا محالة! *** كل هذه الخسائر وكل هذه المصائب.. وكل هذه الصفعات وكل هذه الضربات تقود الإخوان إلى طريق واحد.. طريق اليأس والإحباط والحماقة. وأول ما يفكر فيه اليائس والمحبط خاصة إذا كان أحمق.. أول ما يفكر فيه هو الانتقام متصورًا أنه يهدم المعبد على رأسه ورأس الآخرين.. لكنه لا يدرك ولا يريد أن يدرك أنه وحده يدفع الثمن!