تحدثت إلى مسئول فى أحد فنادق القاهرة الشهيرة «فقال لى: رغم الأزمة التى شهدتها مصر على مدى السنوات الماضية.. إلا أن إدارة الفندق رفضت فصل أى عامل أو موظف.. بل إنها لم تخفض رواتب نحو 1200 فرد يعملون فى هذا الفندق الشهير.. والأهم من ذلك أن الشركة العالمية ومالك الفندق ظلا يتحملان رواتب العمال ويسددونها لهم رغم خسائر الفندق الذى تراجعت إشغالاته بنحو 80% !. هذا الموقف المشهود لإدارة الفندق «الأجنبى» يضعنا فى مأزق حاد إذا قارناه مع الوضع الصعب الذى يشهده البؤساء والغلابة الذين يحتاجون إلى كل «مليم» للإنفاق على أسرهم.. ولمواجهة نار الأسعار التى نكتوى بها جميعًا. علمًا بأن هؤلاء البؤساء يقفون على خط النار الأول! ويجب أن نتحدث بموضوعية وصراحة عن الدعم.. هذه القضية الحساسة التى رفضت كل الحكومات والأنظمة السابقة الخوض فيها أو المساس بها.. خشية ردود الفعل الشعبية الغاضبة بعد تجارب مريرة سابقة.. ومنها ما حدث خلال السبعينيات عندما نشبت أزمة زيادة أسعار الخبز. ولعلها المرة الأولى التى تقترب فيها حكومة مصرية من هذه القضية الشائكة.. وهذا مؤشر على طريقة التفكير والتعامل الرسمى خلال المرحلة القادمة.. فلم يعد هناك وقت نضيعه فى ظل هذه الأزمات الطاحنة والوضع الخطير الذى يشهده الاقتصاد، كما أن قراءة ملامح المرحلة القادمة تؤكد أنه لا مجال «للدلع» أو الفوضى أو التسيب.. فالكل يجب أن يعمل بمنتهى الجدية لإنقاذ سفينة الوطن.. دون كلل أو ملل.. وهذا هو المطلوب من الجميع دون استثناء.. من رئيس الجمهورية.. وحتى رئيس الفراشين. ويجب أن نعلم جميعًا أننا يجب أن نعتمد على سواعدنا وعلى إنتاج أيادينا وأن نأكل من عرق جبيننا.. فالمساعدات المشكورة التى قدمتها الدول الشقيقة والصديقة لن تستمر إلى الأبد.. وهى ليست نهرًا متدفقًا لا يتوقف، بل إنها تأتى فى إطار التكافل العربى المتواصل بين أبناء أمتنا.. فما قدمناه بالأمس يعود إلينا اليوم. وعندما نعود إلى قضية الدعم الشائكة نلاحظ أنه رغم التركيز على خفض دعم الطاقة بنسبة 22% وزيادة أسعار الكهرباء للشرائح العليا.. فقد تم بالمقابل تعزيز شبكات الأمان الاجتماعى لتخفيف آثار ارتفاع الأسعار على الفقراء وهذه مسألة حيوية فهؤلاء البؤساء لن يتحملوا أعباءً إضافية ترهق كواهلهم التى انحنت وتكاد تنكسر، وقد استغل الكثير من التجار إعلان الميزانية بزيادة الأسعار قبل حلول يوليو القادم وهذا الموعد يتزامن مع شهر رمضان، وبعده العيد، ثم المدارس.. ووسط هذا كله لهيب الحرارة الذى يزيد الأوضاع اشتعالا. وإذا تركنا التجار لتحكيم ضمائرهم فلن يتحقق الردع المطلوب ولن يتراجعوا عن إشهار أسلحة الأسعار للأسف الشديد وبمنطق السوق الحر لن تستطيع الحكومة فرض تسعيرة جبرية.. هكذا أثبتت كل المواقف والتجارب السابقة وتطبيقًا للمثل الشائع «لا يفل الحديد إلا الحديد»، فالمطلوب الإسراع بإقامة أسواق شبه الجملة وافتتاحها للمواطنين خلال الأيام القادمة بهدف تحقيق قدر من التوازن فى الأسعار، خاصة اللحوم التى تكاد تلامس عتبة المائة جنيه للكيلو! علمًا بأن معاش الكثير من البؤساء قد لا يشترى ثلاثة كيلو جرامات لحومًا.. بهذا السعر الحارق.. الخارق! مطلوب أيضًا من المواطن الترشيد والرشد فى التعامل مع قضية الغذاء، نعم الغذاء مسألة حيوية.. ولكننا لن نموت من الجوع إذا قررنا تقليل حجم المشتريات الغذائية ولو بنسبة 10%.. فهذه النسبة تعادل نحو 25 مليار جنيه من فاتورة المواد الغذائية المستوردة وربما يكون شهر رمضان فرصة حقيقية لتحقيق هذا الهدف، فالصيام معناه تقليل كمية الغذاء.. وليس العكس كما نفعل جهلًا أو سفهًا بسبب العادات السيئة التى غرسها الإعلام فى عقول الشعب! ويجب أن تدرك الحكومة أن نحو 35% من الشعب يعيش تحت خط الفقر ويحصلون على ما يعادل الدولار يوميًا.. هذا الدولار يكاد يقارب الآن الثمانية جنيهات! بل إن نحو خُمس سكان مصر على وشك السقوط فى هذه الهاوية الخطيرة! هذا الواقع الأليم نشهده جميعًا.. ونلاحظه من خلال تفشى البطالة التى وصلت إلى نحو 13.5% وهذه كارثة أخرى، فالمشكلة لا تكمن فى القدرة على توفير فرص عمل لابنى أو ابنك.. بل فى جيش العاطلين الذى لا يجد فرصة عمل أو طاقة أمل.. وهذه هى الطامة الكبرى، فمع البطالة والفراغ وانتشار وسائل اللهو واللعب يضيع هؤلاء الشباب ويصبحوا ضحايا مجتمع أساء إليهم مرتين.. مرة عندما لم يحسن رعايتهم.. وأخرى عندما تركهم فريسة لكل المخاطر.. وأولها البطالة والعنف والتطرف. وعلى رئيس الوزراء وكافة الوزراء أن يضعوا أنفسهم مكان المواطن الغلبان الذى لا يحصل إلا على بضع مئات من الجنيهات وأن يضعوا أنفسهم مكان من لا يجدون قوت يومهم.. بل إننا ندعو الحكومة بأسرها إلى مراجعة مأساة المواصلات العامة واستغلال أصحاب وسائل النقل لظروف الناس، كما أننى أدعو وزيرى الصحة والتعليم العالى إلى متابعة مآسى المستشفيات الحكومية والجامعية، فبعض المستشفيات تحولت إلى مقالب للقمامة ولا توجد بها رعاية على الإطلاق.. بل ربما أصبحت مصدرًا للأمراض.. وكما يقولون «الداخل إليها مفقود.. والخارج منها مولود».! ولقد عشت الأسبوع الماضى مأساة أسرة كاملة تعرضت لحادث مرورى أليم وهى عائدة من الإسكندرية.. وفصول الكارثة بدأت بعد الحادث مباشرة.. حيث لم تتوافر أية خدمات صحية طارئة وعاجلة على الطريق.. وعندما وصل المصابون إلى المستشفيات الحكومية والجامعية ذاقوا الأمرين من أجل الحصول على العلاج المطلوب.. بل إن أحد هؤلاء المصابين كان يتلقى التنفس الصناعى عن طريق «بالون يدوى»!! وذات المشهد عشته قبل عشر سنوات فى أحد المستشفيات.. وكأن الزمن يتجمد دون تغيير أو تقدم يذكر.. وكأنه لم تكن هناك ثورة ولم يتم إقرار حق العلاج فى كل الدساتير! وإلى وزيرى التعليم.. أقول إن أبناءنا هم أغلى ما لدينا وفلذات أكبادنا.. ونحن نعلم أن هناك استراتيجية متكاملة لتطوير التعليم ولكنها بحاجة إلى تمويل وتنفيذ فعلى بمشاركة كل الأطراف.. بدءًا من الحكومة ومروراً بالمُدرس.. وانتهاءً بالطالب، فنحن نتطلع إلى تعليم يعيد أمجاد العلماء المصريين الذين حملوا مشاعل المعرفة إلى أرجاء الكون ونحلم بأن تلحق جامعاتنا – أو بعضها – بترتيب ضمن أفضل خمسمائة جامعة عالمية. ويجب أن ندرك أن أحد أسباب أزمة الجامعات يعود إلى الانشغال عن العلم بالسياسة وإلى عدم بناء منظومة تعليمية متكاملة وفاعلة.. وللأسف الشديد فقد تحولت كثير من الجامعات إلى منتديات للسياسة والترفيه والتسلية! بل إن كثيرًا من الجامعات الخاصة تحولت إلى «مراكز تجارية» هدفها تحصيل أكبر قدر من الأموال والأرباح.. وليس بناء إنسان راشد وناجح يشارك فى صناعة مستقبله ومستقبل بلاده. أما أصحاب المعاشات فهم مأساة أخرى وكبرى.. لأنهم بذلوا أغلى ما لديهم على مدى عشرات السنين وحصَّلت منهم الدولة مئات المليارات ثم ضاعت بالاقتراض الحكومى وفى الاستثمار غير الآمن فى البورصة! إن هذه الشريحة الكبيرة والغالية علينا جميعًا بحاجة إلى رعاية أفضل واهتمام لائق، بل لا نبالغ إذا قلنا إن فاتورة علاجهم تتزايد وتتضاعف وربما تفوق طاقاتهم ومعاشهم المحدود! *** هذه صرخات البؤساء.. نرفعها للرئيس الجديد وللحكومة بكل أعضائها.. وهى قضايا عاجلة تستحق الاهتمام البالغ.. ولا تحتمل أى تأخير.. هؤلاء هم البؤساء الذين أعايش آلامهم.. وأحلم بآمالهم.. وأعتز بالانتماء إليهم!