هو على بن العباس بن جريج، يونانى الأصل فارسى الأم، كان أحد كبار الشعراء فى القرن الثالث الهجرى، حيث العصر العباسى الثانى. وصف بأنه كان ضئيلا نحيفا دميم الوجه، أصلع الرأس حتى إنه اضطر ألا يخلع العمامة أبدا، فقد كان الصلع يشمل معظم رأسه وهو ما كان كثير التندر به.. وقد قال فى ذلك: شغفت بالخرد الحسان وما يصلح وجهى إلا لذى ورع كى يعبد الله فى الفلاة ولا يشهد فيها مساجد الجمع تعرض طوال حياته للكثير من الكوارث والنكبات، فجاءت أشعاره انعكاسا لما مر به، فقد ترك له والده ضياعا كثيرة باع منها الكثير بسبب إسرافه فى اللهو وشرب الخمر، واحترق البعض منها، كما أتى الجراد على زرعه، واغتصبت داره.. واختطف الموت عائلته.. أمه ثم ابنه، ثم زوجته الثانية وأولاده منها. تلك الأحداث أصابته بالتشاؤم والتطيَّر، وانعزل وعاش مرهوبا خائفا، وتجنبه الخلفاء والوزراء إلا قليلا منهم بسبب سرعة تقلب مزاجه وحدة طباعه. ومع ذلك كان شاعرا مجيدا برع فى الوصف والهجاء والرثاء، وكانت أشعاره مبدعة فى الحركة والتشخيص والوصف، واعتنى بالموسيقى والقافية. ومن طرائف ما يروى عنه.. أن معاصريه عرفوا شدة تطيَّره، فكانوا يقتصون لأنفسهم من هجائه لهم بأن يقرعوا عليه بابه فى الصباح، فيسأل من الطارق؟.. فيتلقى إجابة مثل: مُرَّة بن حنظلة، أو حرب بن مقاتل، وغير ذلك من الأسماء التى تدفعه للتشاؤم، فلا يفتح بابه ولا يخرج من منزله. وكانت بينه وبين الشاعر الكبير البحترى منافسة ممتدة وكانا يتبادلان الهجاء.. ومما قاله فى البحترى: البحترى ذنوب الوجه تعرفه وما رأينا ذنوب الوجه ذا أدب أنى يقول من الأقوال أثقبها من راح يحمل وجها سابغ الذنب وقد حاول الاتصال بالخلفاء العباسيين والتقرب منهم ومدحهم، كما فعل مع الخليفة المعتضد، حيث هنأه بزواجه من الأميرة المصرية قطر الندى بنت خماروية: يا سيد العرب الذى زفت له باليمن والبركات سيدة العجم أسعد بها كسعودها بك إنها ظفرت بما فوق المطالب والهمم ظفرت بملء ناظريها بهجة وضميرها نبلا وكفيها كرم شمس الضحى زفت إلى بدر الدجى فتكشفت بهما عن الدنيا الظّلم ولكن تشيعه وما اشتهر عنه من سوء الطبع وحدة المزاج لم يقربه من قصر الخليفة، ولذلك لم يكن يتردد فى مهاجمة الجميع بما فيهم الخلفاء: قد بلينا فى دهرنا بملوك أدباء علمَّتهم شعراء إن أجدنا فى مدحهم حسدونا فحرمنا منهم ثواب الثناء أو أسأنا فى مدحهم أنَّبونا وهجو شعرنا أشد الهجاء لقد كان ابن الرومى شاعرا غريب الأطوار يمدح فيحسن مديحه، وإذا تغيرت الظروف أو تأخرت العطايا انقلب هاجيا شديد الهجاء، وها هو ذا يمدح آل وهب أصدقاءه القدامى حين تولوا الوزارة، وخاصة أبو القاسم بن عبيد الله بن سليمان.. والذى كان يعطف على الشاعر قبل تولى أبيه الوزارة.. فيقول فيه مالم يقُله شاعر فى ممدوح آخر.. حيث جمع فيه كل المحاسن فى قطعة شعرية جميلة: إذا أبو قاسم جادت يداه لنا لم يحمد الأجودان: البحر والمطر وإن مضى رأيه أو حد عزمته تأخر الماضيان: السيف والقدر وإن أضاءت لنا أضواء غرته تضاءل النيّران: الشمس والقمر ينال بالظن ما يعيى العيان به والشاهدان عليه: العين والأثر ولكن الوزير عبد الله وابنه القاسم يملان من طلباته ولا يستجيبان لإلحاحه، فيشد عليهم قوسه ويرميهم بسهامه: تسميتم فعينا ملوكا وأنتم عبيد لما تحوى بطون المزاود لكم نعمة أضحت بضيق صدوركم مبرأة من كل مثن وحامد فإن هى زالت عنكم فزوالها يجدد إنعاما على كل ماجد لقد برع شاعرنا فى الهجاء وخاصة فىاستغلال العيوب الجسدية فيمن يهجوهم، فقد كان يصور العيوب الجسدية تصويرا مضحكا، كما يفعل رسامو الكاريكاتير، وقد كان يسكن أمامه جار أحدب كان يتطيَّر منه كثيرا.. فهجاه مصورا عورته.. كمن يتقى صفعة بتجميع قفاه إلى ظهره: قصرت أخادعه وطال قذالة فكأنه متربص أن يصفعا وكأنما صفعت قفاه مرة وأحسن ثانية لها فتجمعا هذا مع أنه يمكنه أن يقول النقيض تماما عندما يرضى عن أحد أو يطمع فى جائزته.. حيث وصف أحد معاصريه باللوذعى والألمعى وهى معان جديدة فى المديح: لوذعى له فؤاد ذكى ماله فى ذكائه من ضريب ألمعى يرى بأول ظن آخر الأمر من وراء مغيب لقد كان ابن الرومى يعلم تماما أنه يكذب.. مثله مثل بقية الشعراء، حيث يقولون مالا يفعلون.. بل يقولون أيضا ما لا يفعل الأمراء، وقد عبَّر عن ذلك.. مستوحيا ما وصف القرآن به الشعراء: يقولون مالا يفعلون سبة من الله مسبوب بها الشعراء وما ذاك فيهم وحده بل زيادة يقولون مالا يفعل الأمراء لقد كان ابن الرومى سيىء الحظ.. ضحية ظروفه ولكنه جنى على نفسه بهجائه الشديد لأصدقائه قبل أعدائه، فقد روى أن القاسم ابن عبيد الله بن وهب صديقه القديم أطعمه حلوى مسمومة، فلما أكلها شعر بالمغص فقام يجرى فسأله الوزير: أين تذهب فأجابه إلى الموضع الذى أرسلتنى إليه، فقال له: سلم على والدى، فقال له: ما طريقى إلى النار!