بالرغم من إعلان الجيش التايلاندى عدم رغبته فى التدخل فى الأزمة السياسية التى تعصف بالبلاد منذ ستة أشهر، إلا أنه فى النهاية اضطر للتدخل بعد أن بدا واضحا أن كل محاولات الخروج من الأزمة لن تؤدى إلا لمزيد من الانقسام بين « القمصان الحمر» وهم مؤيدو رئيسة الوزراء المعزولة ينجلوك شيناواترا وشقيقها تاكسين شيناواترا رئيس الحكومة الأسبق المقيم فى المنفى الاختيارى وبين المعارضين لهما المعروفين ب«القمصان الصفراء»، مما يؤثر سلبا على اقتصاد البلاد ويهدد بانزلاقها إلى الفوضى، وهو ما بدا جليا بعد حكم المحكمة الدستورية بإقالة شيناوترا وتسعة من وزرائها فى السابع من مايو، بعد إدانتها بإساءة استخدام السلطة حينما نقلت بطريقة غير قانونية رئيس الأمن القومى فى حكومتها من منصبه بهدف انتفاع أحد أقاربها من التنقلات الوظيفية المرتبطة بالقرار. وجاء إعلان الجيش التايلاندى الأحكام العرفية فى البلاد بهدف «إعادة السلام والأمن العام»، حسبما قال فى بيانه عبر التليفزيون الرسمى الذى سيطر عليه، مؤكدا أن ذلك ليس انقلابا، مشيرًا إلى أنه كان عليه التحرك لفرض الأمن والاستقرار، داعيا كافة الأطراف إلى الحوار من أجل البحث عن مخرج من الأزمة التى تشهدها البلاد. وتصاعدت الأزمة السياسية بتايلاند بعد عزل ينجلوك شيناواترا بالرغم من أن المحتجين المناوئين للحكومة كانوا يسعون منذ نوفمبر الماضى إلى إجبار ينجلوك على ترك منصبها، إلا أن ما حدث أن الحكم أثار احتجاجات المؤيدين للحكومة والحزب الحاكم بويا تاى «من أجل تايلند» الذى يتمتع بشعبية كبيرة فى المناطق الريفية، حيث إنهم يرون أن القضية كيدية وخرجوا إلى الشوارع فى استعراض للقوة ودفاعا عن الديمقراطية، فى حين أن الحكم لم يخفف من احتجاجات المعارضين بقيادة سوثيب ثاوجسوبان حيث إنهم يرفضون وزير التجارة نيواتومرونج بونسونج بيسان الذى ينتمى للحزب الحاكم والذى عينه مجلس الوزراء رئيسا للوزراء بالوكالة لحين إجراء الانتخابات التشريعية فى 20 يوليو المقبل، ويطالبون مجلس الشيوخ بإجبار ما تبقى من حكومة شيناواترا على الاستقالة وتشكيل حكومة جديدة بقيادة رئيس وزراء «محايد» يشرف على الإصلاحات الدستورية التى يطالبون بها من أجل تخفيض صلاحيات رئيس الوزراء، بهدف الحد من النفوذ السياسى لعائلة «شيناواترا» حال عودتها إلى السلطة من خلال الانتخابات. كما تطالب المعارضة بتأجيل الانتخابات وتشكيل «مجلس للشعب» غير منتخب يكلف بتشريع الإصلاحات. ومع رفض رئيس الوزراء المؤقت العرض الذى تقدم به نواب فى البرلمان للاستقالة من منصبه، فإن بانكوك قد تتحول إلى مكان للمواجهة بين متظاهرى المعارضة الذين ينتمون إلى الطبقة المتوسطة المؤيدين للمؤسسة الملكية، ومؤيدى الحكومة الموالين لينجلوك وشقيقها تاكسين خاصة أن القمصان الحمر هددوا بالقيام بأعمال عنف إذا تم تغيير رئيس الوزراء. وفى حين ترى الحكومة وأنصارها فى إجراء الانتخابات التشريعية المقررة فى 20 يوليو المقبل أفضل وسيلة للخروج من الأزمة، يستبعد المراقبون إمكانية إجرائها فى الموعد المحدد حيث من المتوقع أن تلقى نفس مصير انتخابات فبراير الماضى فى ظل تهديد المعارضة بمقاطعة أى انتخابات قبل إدخال التغييرات المطلوبة على النظام الانتخابى. وبالنسبة لسيناريو الانقلاب العسكرى الذى تألفه تايلاند حيث شهدت العديد من الانقلابات العسكرية منذ عام 1932، والذى طرح نفسه بقوة بعد فرض الأحكام العرفية ووقف بث عشر محطات تليفزيونية بدعوى انحيازها لأحد طرفى الأزمة، فإن المراقبين يستبعدون فى الوقت الراهن حدوث انقلاب مثل الذى حدث عام 2006، حيث إن الجيش يعلم أن الانقلاب العسكرى لا يحظى بقبول شعبى وسيعود عليه بالضرر لمدة طويلة، علما بأن الأزمة السياسية الحالية تعد أحدث جولة فى الصراع الدائر منذ عشر سنوات بين المؤسسة الملكية وأنصار رئيس الوزراء الأسبق تاكسين شيناواترا الذى أطاح به الجيش فى انقلاب عام 2006. وكانت الأزمة الراهنة قد تفجرت فى نوفمبر الماضى إثر اقتراح حكومة شيناواترا مشروع قانون للعفو السياسى رأى الكثيرون من خصومها أنه يهدف إلى إسقاط الأحكام القضائية الصادرة ضد شقيقها، مما يفتح المجال لعودته للبلاد. وإضافة إلى مقتل 28 شخصا على الأقل وإصابة المئات فى أعمال العنف المرتبطة بالاحتجاجات، أضرت الأزمة بنمو ثانى أكبر اقتصاد فى جنوب شرق آسيا بفعل هروب السياح والمستثمرين الأجانب حيث انكمش اقتصاد تايلاند بنسبة 2.1% فى الفترة بين يناير ومارس مقارنة بالربع الأخير من عام 2013، وفقا لبيانات أذاعتها وكالة التخطيط الحكومى. وخفضت الحكومة توقعاتها بالنسبة للنمو لعام 2014 إلى ما بين 1.5 و2.5% فى مقابل توقعات سابقة تراوحت بين 3 و4%.