«يا رسول الله إنى أحبك أكثر من أهلى وولدى والناس أجمعين إلا نفسى التى بين جنبى» اعتراف صريح قاله عمر رضى الله عنه فى حواره مع النبى ( صلى الله عليه وسلم ) إنه يفضله على العالمين إلا نفسه.. فكثير منا أحيانا لا يصل حتى إلى هذه الدرجة من مقولة سيدنا عمر لأنهم يحبون أنفسهم أكثر من أبنائهم وآبائهم.. ولكن عندما أخبره نبينا ( صلى الله عليه وسلم ): «لم يكتمل إيمانك يا عمر» إلى أن قال: «والله لأنت أحب إلى من نفسى» فقال: «الآن يا عمر». وبالمقارنة لموقف سيدنا عمر نجد الكل يهلل ويتشدق بحبه لرسوله الكريم.. وقد نثق فى شعورهم.. ولكن لكل قول فعل ولكل حقيقة برهان فقال تعالى: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ).. إذًا فالطاعة والتمسك بسُنّته خير دليل على حبه كما قال المولى عز وجل: (مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ). ثم نسمع من يقول نحب رسولنا ونراه يغش المسلمين ويضرهم بالقول والفعل.. فإنه كذاب وليس من المسلمين وتبرأ رسولنا منه.. فقد أثبت بالبرهان أنها مجرد كلمة قالها وتناثرت فى الهواء وتغافل أن من واجبات المحب أن يتجنب الذنوب ويلزم الطاعة.. فالمحب الصادق لرسوله يشتد حزنه وألمه إذا تجرأ بفعل ذنب صغير لأنه أنقص من إيمانه وشوه طاعته.. ولنعرف من يحب رسوله من نشاهده يلازم العمل الصالح ويخالق الناس بخُلق حسن ويصاحب أهل الخير ويبغض أهل الكفر والفسوق ويبارز أعداء الله.. فهنا نقول قد أطاع الله ورسوله ووجب له حبهما.. وقال رسولنا عن المولى عز وجل فى حديثه القدسى: «إن الله تعالى إذا أحب عبدًا دعا جبريل فقال إنى أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادى فى السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول فى الأرض وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل فيقول إنى أبغض فلانا فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادى فى أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضه أهل السماء ثم توضع له البغضاء فى الأرض».. فلنسارع إلى دعوة مولانا لاقتناء أغلى جائزة فى الدارين وهى حبه ورضاه.. فكان الصحابة إذا أمر رسولنا أمرًا لا يترددون فى تنفيذه مهما كانت العوائق والصعوبات فيبادرون بالطاعة فى العُسر واليسر.. فهؤلاء قدموا حب الله ورسوله والطاعة على حب الدنيا وفتن المال والنساء والأبناء.. ولم ينس الصحابة والتابعون والصالحون قول نبيهم أنهم يحشرون مع من يحبون.. ودائمًا يستحضرون مزاحمتهم للنبى عند جنة الفردوس. وهنا نسأل أنفسنا.. لماذا نتباطأ فى حب الرسول ونتلكأ فى طاعته ونحن نعلم أن النتيجة النجاة من غضب الله والفوز بالجنة؟ وذلك لعدم استخدام عقولنا ولم نتدبر القرآن ولا سُنّة نبينا.. بل يفوتنا أيضًا أن بالحب والطاعة تصير حياتنا فى الدنيا بلا خوف أو اكتئاب، ومع استشعار المحب بالأمان والاطمئنان لأنه على يقين بأن الأمور بيد الله وقد أحسن توكله على الله وبالتالى نجح فى تحقيق هدفه الأسمى فى الدنيا وأعزه الله. ولكن إذا غلبت عليه الدنيا وزاد فى المعاصى وترك طاعة رسوله.. بعدت المسافة بينه وبين حبيبه حتى يتركه يتخبط مع أهوائه ويتحول إلى منبوذ بغيض شقى. ** والحب الصادق يقود أيضًا إلى حقيقة الإيمان لأنه الطريق إلى عالم اليقين والوسيلة السريعة والسهلة لنبذ المعاصى.. فعندما يقر الإيمان فى القلب يتأكد أن الموت المصير المحتوم وأنه يأتى بغتة فيخاف من عذاب الجحيم فيلازم ذكر الله وطاعة رسوله ويزيد من الاستغفار والدعاء فى السراء والضراء ويستشعر مراقبة الله حيثما كان.. فيتجنب المفاسد ويسعى لتحقيق التوازن الذاتى ليذوق حلاوة الإيمان.. وترتفع درجات الإيمان كلما تفاعل مع الناس وشعر بآلامهم وأحزانهم وسعى فى قضاء حوائجهم وأعان المظلوم على استرداد حقه. وقد بشر المولى مثل هؤلاء فى قوله تعالى ( لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ).