إذا سمعت شخصا يقول «أنا لست إخوانيا ولكننى أؤيد الشرعية وأطالب بحكم مدنى وأدعو الجيش للعودة إلى ثكناته والتفرغ لمهمته المقدسة فى حماية الحدود.. إذا سمعته يقول ذلك فاعلم وأنت مغمض العينين أنه إخوانى من شعر رأسه إلى أخمص قدميه! نفس القاعدة فى الحقيقة تنطبق أيضا على الكيانات التى تزعم أنها كيانات مستقلة غير إخوانية وهى فى الحقيقة تذوب عشقا فى الإخوان وتدور فى فلك الجماعة وتدافع عنها ربما أكثر مما تدافع هى عن نفسها! هل تذكرون جبهة الضمير؟! ظهر هذا الاسم - جبهة الضمير - فى شهر فبراير من عام 2013 وقبل أربعة شهور من قيام ثورة 30 يونيو.. وكان أعضاء هذه الجبهة يزعمون أنهم يقفون على الحياد بين جماعة الإخوان ومعارضيهم.. وكان هذا الزعم هو مجرد أكذوبة من الأكاذيب التى اعتادت عليها جماعة الإخوان.. فلم تكن هذه الجبهة فى حقيقتها إلا جبهة من اختراع الجماعة بهدف أن تتصدى لجبهة الإنقاذ التى كان واضحا أن وجودها ونشاطها واستمرارها يهدد جماعة الإخوان ويهدد حكمهم ورئيسهم! وكيف لا تكون كذلك وهى تضم أسماء مثل محمد سليم العوا ومحمد البلتاجى وحلمى الجزار وعصام سلطان وسيف عبدالفتاح ومحمد محسوب ووليد شرابى ووائل قنديل ومحمد الجوادى وغيرهم. هل يختلف اثنان على أن هذه القائمة من الأسماء إما أنها من الجماعة أو تدور فى فلك الجماعة أو تذوب فيها عشقا؟!.. وهل يختلف اثنان على أن هذه الأكذوبة الإخوانية فشلت بامتياز ولم تنجح لا فى التصدى لجبهة الإنقاذ ولا فى حماية حكم الإخوان ورئيسهم! هكذا كانت أكذوبة جبهة الضمير.. وهكذا ستكون كل أكذوبة إخوانية أخرى من نفس النوعية.. مثل جماعة بروكسل.. التى هبطت علينا فجأة من السماء! *** فجأة أعلن عدد من الشخصيات التى لا يختلف أحد على ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين.. فجأة أعلنوا ما أطلقوا عليه اسم «وثيقة بروكسل».. على سبيل المثال فإن الدكتور محمد محسوب والدكتور أيمن نور من بين هذه الشخصيات.. ولا أظن أن هناك خلافا على توجهاتهما وانتماءاتهما! نترك الأشخاص وندخل فى الموضوع فنجد أن وثيقة بروكسل هى صيغة جديدة اخترعها الإخوان.. هذه المرة من شخصيات لا تنتمى للإخوان رسميا وإن كانت بالطبع تنتمى لإخوان الإخوان!.. أما هدفها.. وكما يبدو من الظاهر فهو الدعوة إلى المصالحة القائمة على عدد من المبادئ.. عشرة مبادئ على وجه التحديد.. أما الباطن فيتلخص فى أن الوثيقة هى محاولة إخوانية تستبق الانتخابات الرئاسية وتهدف إلى تجاوز مرحلة ما بعد 30 يونيو وبحيث يكون لجماعة الإخوان دور فى ترتيبات الوضع الجديد! هذه هى حقيقة الاختراع الإخوانى الجديد وهذا هو الهدف منه! وليس خافيا أن اختيار بروكسل للإعلان عن هذه الوثيقة مقصود وليس مصادفة.. فالعاصمة البلجيكية بروكسل هى مقر الاتحاد الأوروبى وهى أيضا مقر حلف الناتو ومن ثم فإن الهدف من اختيارها هو التأثير فى الرأى العام الأوروبى وإيهامه بأن هناك قوى سياسية مدنية أخرى غير الإخوان تعارض ثورة 30 يونيو والنظام الحالى.. وتريد عمل مصالحة شاملة دعت إليها النظام ودعت إليها كذلك جماعة الإخوان.. وهى بالطبع تنتظر أن يلعب الاتحاد الأوروبى دورا فى الضغط على النظام لإتمام هذه المصالحة! ولكى تكتمل للكذبة حبكتها فقد تعمدت الجماعة ألا تتضمن المبادئ العشرة لوثيقة بروكسل أى ذكر للشرعية ولعودة الرئيس المعزول مرسى للإيهام بأن هناك قوى سياسية مدنية لا تنتمى لجماعة الإخوان ولا لما يطلق عليه اسم تحالف دعم الشرعية.. هى التى تقود عملية المصالحة. وتتفنن الجماعة فى حبك الكذبة الجديدة فتزعم أنها تدرس الوثيقة الجديدة قبل أن تعلن موافقتها على بنودها العشرة.. والتى لا تتضمن عودة مرسى! لكن السحر ينقلب على الساحر.. فبعد أن أعلنت الجماعة موافقتها على الوثيقة والتى خلت من أى ذكر للرئيس المعزول أبدى شباب الجماعة غضبا عارما وأعلنت الأحزاب والقوى السياسية الداعمة للشرعية والمتحالفة مع الإخوان.. أعلنت معارضتها للوثيقة أو بمعنى أدق.. موافقة جماعة الإخوان على وثيقة تتنازل مبادئها عن الرئيس المعزول! كان واضحا أن الجماعة أحدثت شرخا عميقا فى جدار تحالف دعم الشرعية! *** عبرت قوى إسلامية سياسية عن غضبها من وثيقة بروكسل وموافقة الإخوان عليها.. وقالت هذه القوى التى يطلق عليها اسم حلفاء الإخوان.. قالت إن الجماعة باعتهم وفككت التحالف معهم لتدخل فى تحالف آخر يضم قوى ليبرالية بخطاب وخلفيات ومنطلقات سياسية مختلفة. فى نفس الوقت أعلنت قواعد تنظيم الإخوان غضبها من تنازل قيادات الجماعة عن الشرعية والرئيس المعزول مرسى. ولم تجد قيادات الجماعة أمامها إلا التراجع فأصدرت بيانا رسميا أعلنت فيه تمسكها بعودة الرئيس المعزول! هل توافق جماعة بروكسل على إضافة بند عودة الرئيس المعزول إلى مبادئها العشرة.. إذا فعلت فإنها تفقد صفتها كقوى مدنية محايدة.. وإذا لم تفعل فإنها ستحظى برفض جماعة الإخوان.. وفى الحالتين سيكون الفشل هو المصير! *** صحيح أن جماعة الإخوان تراجعت عن تنازلها عن عودة الرئيس المعزول لكن الجماعات الإسلامية المتحالفة معها أدركت أن الجماعة مستعدة لأن تبيع مبادئها من أجل مصالحها. وهذا هو أول مسمار فى نعش تحالف دعم الشرعية!