هو مسلم بن الوليد من أبناء الأنصار الذين استوطنوا بالكوفة فى العراق فى العصر العباسى، كان شاعرا مجيدا ومداحا محسنا، أغلب شعره فى هارون الرشيد وابنه المأمون ووزيره الفضل بن سهل وقائد جيوشه يزيد بن مزيد الشيبانى، وقد تولى مسئولية البريد فى أصفهان، وكذلك أراضيها وحدائقها، لقب بصريع الغوانى لقوله: وما العيش إلا أن تروح من الصبا وتغدو صريع الكأس والأعين النجل وقيل أيضا إن رجلا سأله: لماذا تدعى صريع الغوانى، فأجابه بالأبيات الثلاث الآتية: إن ورد الخدود والأعين النجل وما فى الثغور من أقحوان وأسوداد الصدغين فى أوضح الخد وما فى الصدور من رمان تركتنى لدى الغوانى صريعا فلهذا أدعى «صريع الغوانى» على أية حال.. فقد أجمعت كتب السيرة وكذلك ديوانه أنه كان مولعا بالخمر يهوى مطاردة النساء ويفتنه جمالهن، حتى أن معاصريه اتهموه بالكذب وأنه هو الذى يروج عن نفسه تلك الصفة، فرد عليهم قائلا: وقائل: لست بالمحب ولو كنت محبا هزلت مذ زمن فقلت: روحى مكاتم جسدى حبى والحب فيه مختزن وقد يكون صحيحا أن الشعراء يقولون مالا يفعلون، ولنا أسوة فى شاعر الغزل الأول عمرو بن أبى ربيعة، وكذلك مجنون ليلى وكثير عزة وذى الرمة وغيرهم، ولكنهم فى النهاية امتعونا بشعرهم.. الغزل الجميل.. وهكذا مسلم (صريع الغوانى) لقد ترك لنا فى ديوانه أشعارا جميلة فى الغزل وفنون الشعر الأخرى، ومما قاله: أحب التى صدت وقالت لتربها: دعيه! الثريا منه أقرب من وصلى! أماتت وأحيت مهجتى فهى عندها معلقة بين المواعيد والمطل وهو هنا يقول إن دلال المرأة يثيره جدا، خاصة عندما تراهن صديقتها بأن نجوم السماء أقرب إليه منى! ومع ذلك فوصلها أو بعدها.. كان يحييه ويميته.. فقد أسرت قلبه عندها! ولكنى توقفت عند أحد أبياته فى غاية القوة.. وأراد به الفخر، إلا أنه استخدم لفظى «النكاح» و«الطلاق» وكأنه يتحدث عن امرأة، مع أنه يتحدث عن الحرب التى مهرها السيوف والحراب، ولا ينتهى منها إلا بعد أن يميت كل أعدائه!..حيث قال: إذا ما نكحنا الحرب بالبيض والقنا جعلنا المنايا عند ذاك طلاقها هذا هو صريع الغوانى الذى يخاطب إحدى الجاريات وهى تسقيهم الخمر، حيث كأسها كشف عما به وأطلعتها على سره: أديرى على الراح ساقية الخمر ولا تسألينى وأسألى الكأس عن أمرى كأنك بى قد أظهرت مضمر الحشا لك الكأس، حتى أطلعتك على سرى وهو أيضا الشاعر السياسى الذى يتشيع لقومه الأنصار ويهاجم قريش التى أدعت أن لها الفضل فى كل شىء! فيقول: أخبرونا من الأعز أألمن صور حتى أعتلى أم الأنصار؟ فلنا العز قبل عز «قريش» وقريش تلك الدهر تجار وإذا كان شاعرنا قد تفوق فى شعر الغزل والخمر، فإنه تميز أيضا فى المدح.. فقد قال فى قائد جيوش العباسيين: وكأنك ليث الغاب فى إقدامه يوما رأك تريده فحكاكا إن الرفاق أتتك تلتمس الغنى والبحر لو يجد السبيل أتاكا أو كما قال.. فى أحد الولاة يمدحه لكرمه وكثرة عطاياه: فتى كرم يعطى وإن قل ماله ولا يتقى طلابه بالتعلل يقول فيعلوا قوله وهو منصف ويمنع محمودا، وإن يعط يجزل ولقد كان مسلم بن الوليد الملقب بصريع الغوانى هو أول من أدخل ما يسمى بالبديع فى الشعر، وسار على نهجه الشعراء، ومنهم أبو تمام والبحترى وغيرهما، ولذلك عندما توفاه الله، نعاه ابنه «خارجه» وكأنه كان طبيب الشعر والشعراء.. حيث قال: تعطلت الأشعار من بعد مسلم وصارت دعاويها إلى كل معجم إذا مرضت أشعار قوم فإنه يجيئك منها بالصحيح المسلّم رحم الله شاعرنا.. فقد أمتعنا بشعره.. ومما قاله هذان البيتان اللذين يمثلان حكمة بالغة: والدهر أخذ ما أعطى مكدَّر ما أصفى ومفسد ما أهوى له بيد فلا يغرنك من دهر عطيته فليس يترك ما أعطى على أحد ونختم بتلك الأبيات الجميلة: أنا المقر بذنب لست صاحبه إن كان ذنب الإقرار مغتفرا أحببت من حبها من كان يشبهها حى لقد صرت أهوى الشمس والقمرا وما ضمنت لها سرا فأكتمه إلا حفظت عليه الدمع والبصرا