فى هضبة الجولان المحتلة الآن ما يقرب من 18 ألف عربى منهم حوالى 16500 ينتمون للطائفة الدرزية ويتركزون فى أربع قرى هى: مجدل شمس وبقعاتا ومسعدة وعين قنية.. ويضاف إلى هذه القرى قرية خامسة اسمها (الغجر) تقع بجوار الحدود اللبنانية وينتمى سكانها - حوالى 1500- إلى الطائفة العلوية، وهؤلاء السكان فقط هم الذين بقوا فى أماكنهم بعد حرب يونيو 67 التى قام الجيش الإسرائيلى خلالها بطرد غالبية السكان السوريين من هضبة الجولان. وفى أثناء الحرب أيضًا انتقل سكان القرى الدرزية - بقعاتا ومسعدة وعين قنية وسحيتا - إلى مجدل شمس، غير أن السلطات الإسرائيلية سمحت لهم بالعودة إلى بيوتهم بعد الحرب فيماعدا سكان (سحيتا) التى تم تدميرها خلال الحرب، لكن الإسرائيليين سمحوا لسكان هذه القرية بالسكن فى قرية مسعدة. هذه الحقائق تثير سؤالاً مهمًا للغاية: لماذا سمحت السلطات الإسرائيلية للدروز بالذات بالبقاء فى قراهم فى الوقت الذى قامت فيه بطرد معظم السكان الآخرين؟ يقول الدكتور ثائر أبو صالح، مدير كلية مستقبل (عتيد) فى هضبة الجولان: هناك عدة أسباب وراء ذلك مثل تمسك الدروز بأراضيهم نظرًا لكونهم فلاحين مزارعين، وخبرتهم السابقة فى الثورة على الفرنسيين عام 1925، عندما أحرق الفرنسيون قراهم بقوا لاجئين، ثم هناك أيضًا العلاقة الطيبة بين الدروز الذين يعيشون فى دولة إسرائيل وبين سلطات ومواطنى إسرائيل، لكن السبب الرئيسى - فى رأى الدكتور أبوصالح - كان مختلفًا تمامًا ويكمن فى مخطط إسرائيلى لإقامة دولة درزية فى المنطقة، وهذا المخطط هو الذى رسم صورة المسلك الإسرائيلى تجاه السكان.. وكانت محاولة تطبيق هذا المخطط بمثابة بداية احتكاك دروز الجولان بحكومة إسرائيل ممثلة فى الحكام العسكريين للمنطقة. ويؤكد الدكتور أبو صالح أن طرد سكان الجولان فى حرب يونيو 1967 كان بهدف إقامة دولة درزية فى المنطقة، ويضيف أن النية كانت تتجه أولًا إلى إقناع الزعماء السياسيين لدروز الهضبة بتأييد هذا المخطط ثم بمعاونتهم يتم أيضًا إقناع زعماء الدروز فى لبنان (كمال جنبلاط) وفى سوريا (سلطان وحسن الأطرش)، وبعد تحقيق هذا الهدف، تبادر إسرائيل - بالتنسيق مع الدروز - بعملية عسكرية فى جنوبسوريا بهدف احتلال منطقة جبل الدروز، وتقوم فى نفس الوقت بعملية مشابهة فى جنوبلبنان بهدف احتلال جبال الشوف. وبذلك، يكون هناك تواصل إقليمى من جنوبسوريا عبر هضبة الجولان وجبل الشيخ، وحتى جبال الشوف ويقوم زعماء الدروز فى هذه المنطقة بإعلان دولتهم المستقلة التى تعترف بها إسرائيل على الفور وتؤيدها وتدعمها حتى تصبح موالية لها. وفى نفس الوقت يتم نقل الدروز سكان إسرائيل إلى منطقة هضبة الجولان ليحلوا محل السكان الذين طردتهم، ومن المفهوم طبعًا أن الجيش الدرزى لهذه الدولة الجديدة سوف ينوب عن إسرائيل فى التصدى للجيوش العربية سواء من الشرق أو من الشمال! ويكشف الدكتور ثائر أبو صالح لأول مرة فى مقاله عن الشخصية الدرزية المهمة التى تتمتع باحترام أبناء الطائفة سواء فى سوريا أو لبنان، والتى حاول الإسرائيليون استقطابها وتكليفها للقيام بهذه المهمة وهى شخصية كمال كنج أبو صالح، المثقف الدرزى الذى كان عضوا فى البرلمان السورى والذى يعتبر من أبرز الزعماء السياسيين بين أبناء الطائفة الدرزية. ويؤكد الباحث أن زعماء إسرائيليين كثيرين قاموا بزيارة كمال كنج فى منزله، ومن بينهم موشيه ديان ودافيد إليعازر ويجئال آلون وآخرون. وفى النهاية عرضوا عليه مخططهم فذهل لسماع تفاصيل الخطة الإسرائيلية ورأى فيها خطرًا محدقًا بالدروز جميعًا من ناحية، وتهديدًا لوحدة سورياولبنان من ناحية أخرى. ولذلك، قرر تسريب تفاصيل الخطة الإسرائيلية للجانب العربى بهدف إحباطها. لكنه، لكى يحصل على كامل المعلومات والتفاصيل الخاصة بالتنفيذ، أعرب عن موافقته - على ما يبدو - على العرض الإسرائيلى، وطلب التشاور مع زعماء الدروز فى سورياولبنان. ومن أجل ذلك، سمحت له السلطات الإسرائيلية بالسفر إلى روما برفقة ضابط مخابرات إسرائيلى كان اسمه (يعقوب) وأثناء زيارته لروما فى أواخر الستينات، نجح فى الاتصال بالمخابرات اللبنانية والسورية بمعاونة أحد الأقرباء وهو محام درزى لبنانى، كان يعمل ضابطا بالمخابرات السورية فى السابق. وبالإضافة إلى ذلك، نجح أيضًا فى توصيل معلومة المخطط الإسرائيلى إلى الرئيس المصرى الراحل جمال عبد الناصر فقامت مصر - على حد قول الباحث بتنسيق - رد فعلها مع العراق وتم بالفعل رفع درجة الاستعداد على الجبهة العراقية للتصدى لأى هجوم إسرائيلى على جنوبسوريا. وعندئذ فقط أدركت القيادة الإسرائيلية أن تفاصيل المخطط وصلت إلى الجانب العربى، وأن كمال كنج خدع ضابط المخابرات الإسرائيلى الذى كان برفقته. وبعد عودة كمال كنج إلى منزله، اتضح للإسرائيليين بعد مراقبته أنه اعتاد زيارة سوريا سرًا ومقابلة شقيقه الذى كان ضابطًا كبيرًا فى الجيش السورى، وكذلك مقابلة حكمت الشهابى، رئيس المخابرات السورية فى ذلك الوقت، فتم القبض عليه وتقديمه للمحاكمة العسكرية فى القنيطرة حيث صدر الحكم ضده بالسجن 23 عامًا، لكن بعد مرور سنتين تم إطلاق سراحه ضمن صفقة لتبادل الأسرى بين سوريا وإسرائيل وعاد إلى منزله فى هضبة الجولان ليرأس مع آخرين المعسكر القومى الذى بدأ يتبلور بعد 1967. ويخلص الباحث فى ضوء ما طرحه إلى نسف الصورة الخاطئة الموجودة داخل المجتمع الإسرائيلى فيما يتعلق بالطائفة الدرزية، حيث يرى الإسرائيليون أن الهدف الوحيد للدروز هو البقاء، وأنهم من أجل ذلك مستعدون لمساندة أية سلطة تضمن لهم وجودهم، ويؤكد الباحث خطأ هذه النظرة حتى من الناحية التاريخية: ففى فترة صلاح الدين الأيوبى قام الدروز بتأييده ومساندته فى حربه ضد الصليبيين، وفى فترة فخر الدين المعنى ثاروا ضد الأتراك، وفى عام 1925 كان لهم دورهم القيادى والحاسم فى الثورة على الفرنسيين.. وما موقف سكان هضبة الجولان من الاحتلال الإسرائيلى إلا امتداد لهذا الخط التاريخى.