«عندما تصبح الحقيقة سلعة تباع وتشترى».. ويتم تكييفها طبقًا للهدف المطلوب.. توقع كل شىء.. وانتظر كل شىء.. ولا تندهش إذا خرجت راقصة من ملابسها تطالب بحرية الإبداع شأنها فى ذلك شأن مفكر وفنان حقيقى.. بصرف النظر عما تقدمه وهل هو فعلا يندرج تحت بند «الإبداع»؟ أم يتم تصنيفه بكل سهولة كفعل فاضح؟! وقد قال الفيلسوف والمفكر الفرنسى «روجيه جارودى»: الحياة على الطريقة الأمريكية هى طليعة الانحطاط وبضاعتها الاستهلاك البصرى والمالى للثقافة الجاهزة من «ماكدونالد» إلى «كوكاكولا».. إنها سياسة إعداد الشعوب للعبودية عن بعد.. حيث يعتبر مظهر المرشح الرئاسى أكثر أهمية من مشروعه وحجمه.. وقد قال فى ذلك «ميشيل نوار» عمدة مدينة ليون الفرنسية وأحد مرشحى الرئاسة عام 1976: إن النجاح فى الحملة الرئاسية سيكون أكثر ضمانا لو جاء على الطريقة الأمريكية.. لأن هدف مسئول التسويق الذى يبيع معجون الأسنان وهدف مدير حملة المرشح الأمريكى متطابقان.. من حيث إقناع الزبون بشراء منتجه أكثر من أى بضاعة أخرى. ولأن المظهر أهم من الجوهر تتطلب المسألة قدرًا من النجومية لا بأس أن تأتى من مجموعة أخبار بصرف النظر عن مضمونها ومحتواها المهم تأثيرها.. حتى لو اقتضى الأمر تسريب بعض الأخبار الخاصة.. المهم أن يصبح المرشح حديث الناس.. لأن هذا ما يرفع سعره. ومن هنا ظهرت نظرية «الجمهور عايز كده» وقد انطلقت من كذبه وتم تسويقها إلى الملايين حتى أصبحت قانونا.. يستهدف الربح فقط.. بصرف النظر عن الآثار الجانبية لما يقدمونه يقولون لك بأن علينا أن نرفع القبعة لمنتج الروائع والذبائح لأنه الوحيد الذى ظل حاضرا فى سوق صناعة السينما بينما هرب غيره وهو بذلك يفتح عشرات البيوت هو نفسه منطق الراقصة التى تأكل بجسدها، ثم تقيم موائد الرحمن وتتجه إلى العمرة كل سنة لكى تبدأ من الصفر أو هكذا تتصور ومع ذلك يجب ألا نخلط ما هو شخصى بما هو عام على المشاع لأن رحمة ربنا تسع الجميع. لكن ماذا تقول فى منطق إحداهن تجلس أمام من يحاورها تليفزيونيا لكى تفخر بأنها منحلة وسافلة والحياء إذا غاب أو اختفى فليفعل غير المستحى ما يشاء.. وهى تسعد بذلك وتعلن بقلب جامد ووجه فاجر أنها ستفعل ما تشاء ومن لا يعجبه عليه أن يغير المحطة هكذا بكل سهولة. من تتاجر بجسمها قد تحمل رخصة.. ومن يبيع المخدرات يسمى نفسه مبعوث المزاج، بل ويربط المزاج بالخير وهو شر الشرور.. ومن يقدم الفاحشة على شريط سينما يتحصن بالرخصة وتصريح الرقابة.. ويتجاهل لعنات الناس من حوله تحيط به إلى يوم الدين من كل مكان وتأتى قرارات المنع لكى تعطى لهذه النوعية السافلة من الأفلام دعاية مجانية ولو أنهم تركوها لشأنها.. ولو أن برامج التوك توك شو مدفوعة الأجر غضت الطرف عنها لسقطت من تلقاء نفسها. ولو عندنا مقارنة بين راقصة من نوعية كاريوكا وأخرى صاحبة قناة فى أيامنا تلك.. سنجد أن كاريوكا كانت موهوبة كممثلة ولها تاريخها وناضلت مع الفنانين فى وقت من الأوقات بصرف النظر عن حياتها الخاصة ولم يصدر على لسانها مثل هذا الفسق الفاحش الذى رأيناه وسمعناه من هذه المنحلة. لاحظ أن الحملة التى تهب علينا باسم الفن بأشكال متعددة منها فيلم ساقط.. إعلانه استفز الناس ومع ذلك يطالبنا أصحابه بأن نشاهده قبل أن نحكم عليه وهم من حكموا عليه بأنفسهم عندما اختاروا لقطات تكشف ما فيه لأن هذه هى بضاعتهم ولا يجدون فى ذلك خجلا أو عارا.. بل يعتبرونه نضالا يجب أن نحيى المجاهد المنتج تقديرا لدوره البارز فى إشاعة الفاحشة عن طريق السينما وفى وقت يتساقط فيه الشهداء ويعانى الوطن الأمرين من كل جانب.. وتحتاج البلاد إلى مواطن يقظ وشغال ومدرك لأبعاد المصيبة التى تعيشها بكل وعى.. وكيف يتحقق هذا عن طريق هذا الانحلال.. الذى قد نراه فى تمجيد العوالم على حساب العلماء وصناعة نجومية زائفة لنماذج يريدون لها التسويق والرواج وبدلًا من أن نقول للشاب تميز بعلمك.. نوهمه بأن ديل الحصان الذى يتطاير على «قفاه».. هو تميزه وانفراده.. واقترابه من شكل خالته وأخته.. حرية لا ينازعه فيها أحد.. وحق يجب أن نشجعه عليه.. أضف إلى ذلك برامج المسابقات والقمار والمغامرات الزائفة والتنافس الأحمق.. لأن القاعدة تقول إن الخروج على المألوف هو المعيار الوحيد الذى يمكن أن يجذب الزبون.. فكلها تجارة ونخاسة وإن اختلفت الأسماء والمسميات.. ألم يصدمك هذا المسلسل الذى شاركت فى إنتاجه شركة حكومية بأموال الشعب وهو درس مجانى فى السفالة والهلس.. من تدخين ومخدرات وجنس إلى حد الشذوذ.. وبالله عليك كيف لك أن تصدق الست الإعلامية بعد محاضرات الخيانة خلال مشاهد المسلسل.. ثم فى اليوم التالى تراها مع «بنات الخير».. تمد أياديها «الحمراء» لمن يطلب المساعدة.. كيف يصدقها الناس وهى تتلون على هذا النحو.. نعم هو تمثيل.. لكن أليس من الأفضل لها وقد اختارات ميدان العمل الإعلامى الخيرى الإنسانى أن تمثل ما يليق بها.. لكنها شهوة الانتشار والتجارة بكل شىء فى هذا السوق البشع.. وكلهم على حق ونحن على خطأ.. نريد لهم العودة إلى عصر الظلمات بأفلام اللحم الرخيص وأسرارهم العائلية الشاذة.. وزنا المحارم والإلحاد.. وكأن الموضوعات قد انتهت وكأن شوارعنا وحياتنا لا ينقصها إلا دروس الفحش والعهر على هذا النحو الذى نراه.. كأنها ماسورة انحلال قد انفجرت فجأة فى هذا التوقيت العسير.. لكى تأخذنا إلى أسفل بدلًا من أن يرتقى بنا الفن إلى أعلى.. كما جاء إلينا عن طريق أسلافنا.. ولا تدع هؤلاء يخدعونك بأنهم يقدمون الواقع أو يعكسون ما يحدث فى حياتنا.. إنهم يكذبون ويجهلون أن دور الفن الحقيقى إعادة صياغة الواقع يقدم لنا الشر لكى نلجأ إلى الخير.. ويكشف لنا القبح لكى نتمسك بالجمال.. ويعرى الظلم لكى نسعى إلى العدل.. لكن ما يقدمه هؤلاء دروسا فى الانحطاط، وقد عادوا بنا إلى زمن الانحلال الرومانى أو عصر فساد التاريخ فى غياب المشروع الإنسانى القادر على إعطاء معنى للحياة لبناء مجتمع متحضر ومتقدم.. لكنها اقتصاديات السوق، حيث إن الدعارة والمخدرات وتجارة السلاح هى الأقوى والأكثر ربحا.. وهى تدعم تجارة المزاج والهلس وتغسل أموالها فى الفن والإعلام لكى يكون المجد للمساطيل والعاريات ونشر البلطجة والصياعة. فهل هذه هى مصر القادرة على النهوض؟.. ومدد يا سيدى الإبداع مدد! وقد قال أحد شياطين دستويفسكى فى رواية من رواياته: (ليس لى قدرة على بناء نفسى.. لكن عندى القدرة على هدمها!).