بداية الإذاعة فى مصر كانت أهلية على يد هواة اللاسلكى، فى حين كانت بداية التليفزيون هدية (كادوه) من شركة فرنسية حيث قامت بتغطية حدث الزواج الثانى للملك فاروق عن طريق محطة إرسال أقيمت فى مبنى سنترال باب اللوق. .. ومن رحم محطات راديو الهواة فى العشرينيات وتجربة الشركة الفرنسية عام 51 امتلكنا إذاعة وتليفزيونا. ألغت الحكومة المصرية محطات الراديو الأهلية عام 31 بعد حالة الفوضى التى أحدثتها المنافسة بين هذه المحطات التى لم يكن لها غرض غير جمع المال حيث كان أساس وجودها غرض التجارة والدعاية والإعلان، وفى عام 32 وافقت الحكومة على اقتراح تقدمت به وزارة المواصلات بغرض ملء الفراغ الذى شعر به الناس بعد غلق المحطات الأهلية، وكان الاقتراح يطلب عمل إذاعة مصرية على نفقة وزارة المواصلات وبناء على موافقة الحكومة المذكورة تم التعاقد مع شركة ماركونى على إقامة محطة إذاعة لاسلكية فى مصر على أن تقوم شركة ماركونى بمهمة تشغيل الإذاعة فى فترة التعاقد والتى كانت (10) سنوات، كما نص العقد مع شركة ماركونى على أن تكون برامج الإذاعة للتسلية والتعليم فقط تحت إشراف لجنة من (5) أعضاء، ثلاثة أعضاء منهم عن حكومة مصر وعضوان من شركة ماركونى وكان المستشار الفنى للجنة المذكورة مفتش عام التليفونات والتلغراف فى مصر. .. دور وزارة المواصلات فى هذا العقد كان الإشراف الهندسى على محطة الإذاعة والقيام بعمليات الصيانة الخاصة بالأجهزة والمعدات، كما أن على وزارة المواصلات المصرية تحصيل رسم قررت الحكومة فرضه على كل من يملك جهاز استقبال راديو تحصل الحكومة المصرية على 40% من الحصيلة وتحصل شركة ماركونى على 60%، .. وضمت أول لجنة تشكّلت للإشراف على العمل فى الإذاعة المصرية على إبراهيم باشا، عميد كلية الطب فى ذلك الوقت بصفته مدير البرامج فى الإذاعة وكان معه فى عضوية اللجنة محمد سعيد أفندى، بصفته المستشار العربى لشركة ماركونى فى مصر ومعه محمد عبد العال أفندى بصفته رئيس الحركة فى ماركونى ومصر مع عضوين أجانب أحدهما كان رئيس ماركونى فى مصر والثانى مديرها. وكانت شركة ماركونى تحصل من حكومة مصر مقابل تشغيل محطات الإذاعة على مبلغ 5794 جنيها و560 مليما. (2) أما بخصوص التليفزيون فى مصر وبحسب خبر أشير إلى أن جريدة البروجرية الفرنسية نشرته فى 13 فبراير 47 كان الاعتماد الذى فتحته حكومة المملكة المصرية وقتها لإقامة (تليفزيون) فى مصر (200) ألف جنيه تخصص لإقامة استديوهات للإذاعة والتليفزيون. ولم يتعد الأمر وقتها (الحبر) الذى ظهر به هذا الخبر فى الصحيفة الفرنسية. .. وفى تجربة الشركة الفرنسية لصناعة الراديو والتليفزيون لنقل مهرجانات مناسبة الزواج الثانى (الملك فاروق) كان غرض الشركة الفرنسية عرض فكرة إسناد إقامة محطة تليفزيون مصرية فى القاهرة، وقد وضعت الشركة الفرنسية على نفقتها أجهزة تليفزيون فى بعض النوادى فى القاهرة، كان المواطن المصرى يراها لأول مرة، .. وضمن الدعاية لغرضها نظمت الشركة سهرة محلية شاهدها على الشاشة من كان معهم الحظ فى وضع أجهزة التليفزيون فى نواديهم، وقد ظهر نقيب الصحفيين المصريين حافظ محمود على الشاشة يومها ليكون أول صحفى تظهر صورته فى التليفزيون فى مصر! (3) نعود إلى قصة الإذاعة المصرية.. فى أغسطس عام 38 تحول الإشراف على الإذاعة من وزارة المواصلات إلى وزارة الشئون الاجتماعية (حديثة الإنشاء)، وفى فترة الحرب العالمية الثانية تولت وزارة الداخلية مهمة الإشراف على الإذاعة لكن عاد الإشراف ليكون من مهام وزارة الشئون فور توقف الحرب.. فى ذلك الوقت كانت برامج الإذاعة المصرية يتوافق عليها بآراء لجنة من (7) أعضاء: (فؤاد سراج الدين باشا) بصفته وزيرًا للشئون الاجتماعية ومعه وكيل وزارة الشئون ووكيل وزارة الداخلية مع عضوين كانا يمثلان شركة ماركونى، كان ممثل أهل الفكر فى هذه اللجنة عضو وحيد هو الأستاذ فكرى أباظة. .. العقد مع شركة ماركونى وحكومة مصر كان وقتها ينص على أن تكون 75% من العمالة الدائمة فى الإذاعة مصريين و90% من العاملين بالأجر اليومى.. وفى مارس عام 47 قررت وزارة الشئون الاجتماعية المصرية لاعتبارات وطنية إلغاء عقدنا مع شركة ماركونى وتمصير الإذاعة وكانت اللجنة التى تشكلت لاستلام الإذاعة من شركة ماركونى تضم.. وكيل وزارة الشئون الاجتماعية راضى بك أبو سيف ومعه محمد قاسم بك الوكيل المساعد ومنهم مستشار الرأى فى مجلس الدولة أبوعينين بك سالم ووكيل عام مصلحة السكة الحديد كمال بك الخشن وراغب بك، سكرتير مالى. وبموجب قرار إنهاء عقد ماركونى تقرر من باب تعويض الشركة قيام الحكومة المصرية بدفع أجر الإدارة لماركونى حتى نهاية مدة العقد فى 31 ديسمبر 49، كما تدفع الحكومة مرتب مستر (ديلانى)مدير عام الإذاعة حتى نفس التاريخ المحدد لنهاية العقد مع شركة ماركونى. (4) أما بخصوص مشروع إقامة تليفزيون مصرى.. فى عام 54 عرض الصاغ جمال سالم على رئيس مصر وقتها جمال عبدالناصر إنشاء مبنى جديد للإذاعة وإقامة محطة تليفزيون فوق جيب المقطم ووافق جمال عبدالناصر. .. واعتمدت حكومة الثورة (ثورة 23 يوليو 52) مبلغ (108 آلاف جنيه) لإقامة مبنى للإذاعة والتليفزيون على مساحة 12 ألف متر فى شارع ماسبيرو.. المهندس صلاح عامر وكيل الإذاعة للشئون الهندسية كان من تولى دراسة المشروع بتعليمات من عبدالناصر وكان له مهمة متابعة الجوانب الفنية.. تلقت مصر ما يقرب من (20) عطاءً لتوريد أجهزة التليفزيون لكن المشروع كله توقف عام 56 بسبب العدوان الثلاثى على مصر. (5) .. فى 25 يوليو عام 59 فتحت الحكومة المصرية (حكومة ثورة يوليو 52) عطاءات مشروع إقامة محطات التليفزيون. ومن بين 14 عطاء تمت دراستها فى 3 شهور اختارت الحكومة العرض المقدم من الشركة الأمريكية (A. C. A) وقد استقر الرأى على استخدام النظام الأوروبى (625) خط فى الصورة، و50 مجالا للصورة فى الثانية لمناسبته للبيئة ومناسبته لطبيعة التيار الكهربى فى مصر وقتها. (6) فى عام 53 تقرر فرض رسم موحد قدره جنيه واحد و30 قرشا على كل جهاز راديو يدفعه مشترى الجهاز مقدمًا ويعاقب من يتأخر فى تسديد هذا الرسم بغرامة (50) قرشا كل سنة تأخير. .. ويتم إبلاغ مصلحة التلغراف والتليفزيون إذا باع صاحب الجهاز جهازه لأى شخص ويلتزم مشترى الجهاز الجديد بتسجيل اسمه ك مالك جديد وكذلك عنوانه. الرسوم المذكورة كانت المصدر الأساسى فى عملية تمويل الإذاعة، لكن هذا النظام فشل، حيث ظهر زيادة نفقات تحصيل الرسوم عن مبلغ الرسوم المحصل، وفى خطوة أخرى تقرر إلغاء الرسم المذكور وفرض رسم بديل يدفعه كل مستهلك للتيار الكهربى فى مصر، كان (مليمان) لسكان القاهرةوالإسكندرية و(مليم واحد) لباقى محافظات مصر.. تحصل الإذاعة على الحصيلة كل 6 شهور، كما تقرر فرض رسم (35 قرش) على البطاريات الجافة 22 فولت و(20 مليم) على البطاريات قدرة 1.5 فولت.. ويؤدى كل مالك سيارة رسما قدره 140 قرشا مع ضريبة السيارة التى يدفعها للمرور مادام فى سيارته راديو.. ويدفع مبلغا مماثلا من يملك جهاز راديو يُدار ببطارية سائلة. (7) بقرار من عبد الناصر بدأ التليفزيون المصرى إرساله قبل أن تتم نشأته بعام فى يوليو عام 60 وكانت التجارب الأولية والإعداد يتم فى مسرح قصر عابدين على البرامج وكان العمل الفنى يجرى فى أحد بلاتوهات استديو مصر.. وقد عادت فى ذلك الوقت البعثات الهندسية والإذاعية التى سافرت إلى معهد (R. C. A) وأكاديمية (C. B. T) فى نيويورك. وافتتح التليفزيون المصرى إرساله فى الساعة السابعة مساء 31 يوليو عام 60 ولمدة (5) ساعات خلال احتفال مصر بعيد ثورة يوليو الثامن وقد بدأ الإرسال بالقرآن الكريم ثم حفل افتتاح مجلس الأمة وخطاب جمال عبدالناصر وبعده أذيع نشيد وطنى الأكبر تلته نشرة الأخبار، وانتهى إرسال أول يوم فى حياة التليفزيون المصرى ب القرآن الكريم. .. كان عدد قنوات التليفزيون المصرى ثلاث قنوات (الخامسة) و(التاسعة) و(السابعة) وقد توقف إرسال القناة السابعة بسبب الظروف المالية للبلاد بعد نكسة يونيو 67. (8) .. السؤال عن دور الإعلانات التجارية فى تمويل العمل فى الإذاعة والتليفزيون سؤال مهم.. أول قرار رسمى أدخل الإعلانات إلى برامج الإذاعة كان عام 59 وقت الوحدة بين مصر وسوريا، وكان القرار ينص على إذاعة الإعلانات فى الإذاعة بمصر بين فقرات برنامج (مع الشعب) وفى سوريا بين فقرات برنامج (مع الجماهير)، وكانت قيمة أجر الإعلان فى مصر لا يقل عن 5 جنيهات ولا يزيد على 25 جنيها للدقيقة الواحدة، وفى سوريا فى حدود 15 ليرة للدقيقة. وفى حالة عمل برامج إعلانية فى الإذاعة يدفع المعلن تكلفة البرنامج الذى يتم تنفيذه فى الإذاعة على حسب ما تقرر الإذاعة. وفى التليفزيون كان أجر الإعلان فى ذلك الوقت يبدأ من (10) جنيهات ولا يزيد على (60) جنيها للدقيقة فى مصر، وفى سوريا فى حدود (450) ليرة للدقيقة. .. عام 61 صدر قرار اعتبر الإذاعة ذات طابع اقتصادى وبناء عليه تمت الموافقة على إذاعة إعلانات تجارية فى إذاعة الإسكندرية المحلية مقابل 2 جنيه للدقيقة، وفى مايو 64 تم افتتاح محطة الشرق الأوسط، أول محطة إذاعية تجارية وفى عام 68 تم إنشاء جهاز للإعلانات التجارية يتبع رئيس مجلس الإدارة مباشرة.