لا نشعر كثيرا بما يطلق عليه الشعور بالسعادة الغامرة، فمنذ أكثر من أربعين عاما وكنت وقتها طالبا بكلية الضباط الاحتياط بمدينة إسنا فى صعيد مصر. تلقيت من قائد لواء الطلبة خبرا جعلنى أشعر بسعادة غامرة وهو أننى نجحت فى الامتحان التحريرى للقبول بوزارة الخارجية ويجب أن أتوجه فى اليوم التالى إلى القاهرة لحضور الامتحان الشفهى و هو خطوة مهمة للالتحاق بالسلك الدبلوماسى المصرى. وبالفعل قفزت فى الهواء بعد هذه المقابلة وكان مقر إقامتى يبعد عن مقر قائد لواء الطلبة بحوالى 2 كيلو متر وشعرت وأنا أتنفس هواء المساء فى الشتاء بأننى أدخل عالمًا جديدًا بإذن الله. وبالفعل بدأت المشوار، ولا أبالغ إذا قلت إن نفس هذا الشعور قد انتابنى يوم 21 مارس 2014 عندما أخطرنى الصديق د. علاء الحديدى مدير المعهد الدبلوماسى بوزارة الخارجية أن الوزير نبيل فهمى قرر إطلاق اسمى على دفعة المعهد التى ستتخرج السبت 28 مارس وهى الدفعة 46 من المعهد الدبلوماسى المصرى العريق. شعرت بالفعل بسعادة غامرة لأننى بعد كل هذه الفترة من العمل المستمر بالسلك الدبلوماسى سوف أحصل على هذا التكريم الرفيع من وزارتى وخاصة أننى مازلت حيًا أرزق، وهنا أتوجه بالشكر للصديق العزيز الوزير نبيل فهمى على هذا التكريم وأيضا أتطلع دائما لخدمة وزارة الخارجية وخاصة فى المعهد الدبلوماسى الذى أعتقد أنه يقوم برسالة عظيمة، و علينا نحن أن نحاول نقل خبراتنا للأجيال الجديدة لأن تواصل الأجيال وتسليم الخبرات لها أمر مهم جدا ويتعلق بمستقبل الوزارة وحسن عملها فى المستقبل. وأعتقد أنه قد يكون مناسبًا تصحيح بعض المفاهيم وخاصة ونحن نتحدث هذه الأيام عن الشباب ودورهم. وأقول دائما إنه فى أى مجتمع لا يمكن تجاهل طاقات الشباب وأفكارهم، ولكن لا يمكن أيضا إقصاء خبرات الأجيال الأقدم وتجاهلها فى التعامل مع المستقبل. وكما قلت فى مقال سابق لن نصل إلى مستقبل أفضل إلا بالعزف معا. كنا فى مرحلة الشباب خلال عملنا بالسلك الدبلوماسى نتطلع إلى الأساتذة والرواد فى هذا المجال وكانت الساحة مزدحمة بالأسماء والشخصيات، وكنا كشباب لدينا رغبة فى التعلم وكان الجيل الأقدم لديه الرغبة فى التعليم وأعتقد أن هذا الأمر أصبح غير قائم الآن للأسف. وأعنى فى المجتمع كله وليس وزارة الخارجية فقط. كان الانضباط واحترام الأكبر هو أساس المعاملات، و قد غاب عنا هذه الأيام فى كل المجالات للأسف أيضا. وأكثر ما يسعدنى الآن أن وزير الخارجية أتاح لى التواجد فى المعهد الدبلوماسى مما يسَّر لى الاختلاط بالأجيال الجديدة التى علينا الاستثمار فيها حتى نضمن أداءً رفيعًا للدبلوماسية المصرية ونضمن استمرار دور وزارة الخارجية المهم فى الحفاظ على الأمن القومى المصرى وتحقيق أهداف التنمية والاستقرار فى المستقبل القريب لهذا الوطن العظيم الذى سيظل زاخرًا بأبناء أوفياء يعملون من أجل الدفاع عن شعب مصر و أمن مصر. أسترجع الآن شريطًا طويلًا من الذكريات، وأقول للشباب لا تستعجل فكل شىء قادم و لكن بالعمل. شكرا للسيد وزير الخارجية.