المسلم الحقيقى تظهر صفاته ويعرف بها فى تعامله مع الآخرين وخير ما يكشف مدى تمسكه بدينه سلوكياته ومن حرص النبى صلى الله عليه وسلم على اتباعه أنه صلى الله عليه وسلم حذرهم من الجلوس فى الطرقات لما فيه من ضياع لحسناتهم والذهاب بأخلاقهم مذاهب شتى.. وإن لا بد من الجلوس فى الطريق فلا بد من إعطائه الحقوق والآداب ولبيان هذه الحقوق والآداب كان التحقيق التالى: يقول د. ياسر مرزوق لقد جاءنا الإسلام بحقوق الطريق لخصها فى هذه الحقوق الخمسة (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر)، ليست من باب الحصر وإنما هى بعضها، وقد بيّنت أحاديث أُخر حقوقاً للطريق غير هذه، فعلم أن المذكورات التى فى الحديث ليست من باب الحصر. البصر:فتمث فى قوله سبحانه: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} والأمر بغض البصر يشترك فيه الرجال والنساء على حد سواء، وذلك لأن إطلاق البصر فيما يحرم يجلب عذاب القلب وألمه، وهو يظن أنه يروح عن نفسه ويهيج قلبه ولكن هيهات، وأعظمهم عذاباً مدمنهم والشرع المطهر لم يغفل ما قد يقع من الناس بدون قصد منهم، بل أمر من نظر إلى امرأة أجنبية بدون قصد منه أن يصرف بصره عنها ولا يتمادى، قال جرير بن عبد الله - رضى الله عنه -: "سألت رسول الله عن نظر الفجأة فأمرنى أن أصرف بصرى" ، قال الإمام النووي: "ونظر الفجأة: أن يقع بصره على الأجنبية (التى لا تحل له) من غير قصد، فلا إثم عليه فى أول ذلك، ويجب عليه أن يصرف بصره فى الحال، فإن صرف فى الحال فلا إثم عليه، وإن استدام النظر أثم لهذا الحديث". كف الأذى: وعدم إيذاء الناس فى أبدانهم أو أعراضهم، وفى الحديث الذى رواه عبدالله بن عمرو - رضى الله عنهما - أن النبى - ( صلى الله عليه وسلم ) - قال: (المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده..، والحديث من جوامع كلمه، فيشمل اللسان من تكلم بلسانه، وآذى الناس فى أعراضهم أو سبهم، ويشمل من أخرج لسانه استهزاء وسخرية، وكذا اليد فإن أذيتها لا تنحصر فى الضرب، بل تتعداها إلى أمور أُخر كالوشاية بالناس، والسعى فى الإضرار بهم عن طريق الكتابة، أو القتل ونحو ذلك، بل من محاسن هذا الدين أنه اعتبر كف المرء شره وأذاه عن الناس؛ صدقة يتصدق بها على نفسه كما جاء من حديث أبى ذر - رضى الله عنه - قال: سألت النبى - ( صلى الله عليه وسلم )-: أى العمل أفضل؟ قال: (إيمان بالله، وجهاد فى سبيله) قلت: فأى الرقاب أفضل؟ قال: (أعلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها) قلت: فإن لم أفعل؟ قال: (تعين صانعاً، أو تصنع لأخرق) قال: فإن لم أفعل؟ قال: (تدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك)، وفى رواية: (تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك). رد السلام:وهو واجب لقوله - ( صلى الله عليه وسلم ) - كما فى حديث أبى هريرة - رضى الله عنه -: (خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، واتباع الجنائز) وقد قصّر فى هذا الباب خلق كثير، واقتصر سلامهم على المعرفة، فمن عرفوه سلموا عليه، أو ردوا عليه سلامه، ومن لم يعرفوه لم يعيروه اهتماماً، وهذا خلل ومخالفة للسنة. وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر:وهذا باب عظيم الشأن والقدر، به كانت هذه الأمة خير الأمم: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ )قال ابن كثير: "قال عمر بن الخطاب: من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله فيها، ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله - تعالى: (كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ) ، وبتركه يحل بهم العقاب لما روى الإمام أحمد فى مسنده قال: "قام أبو بكر فحمد الله - عز وجل - وأثنى عليه فقال: "أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) ، وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإنى سمعت رسول الله - ( صلى الله عليه وسلم ) - يقول: (إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه؛ أوشك الله أن يعمهم بعقاب)". وفى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فوائد عظيمة للأمة منها: نجاة سفينة المجتمع من الهلاك والغرق، ومنها قمع الباطل وأهله، ومنها كثرة الخيرات والحد من الشرور، ومنها استتباب الأمن، ومنها نشر الفضيلة وقمع الرذيلة... إلخ. وهو واجب على كل أحد كلٌ بحسب استطاعته؛ لأن الحديث الوارد فى ذلك عام لم يخصص أحداً من أحد، قال أبو سعيد الخدرى - رضى الله عنه - سمعت رسول الله - ( صلى الله عليه وسلم ) - يقول: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) ويقول على البنا خطيب مسجد النور بمدينة السلام: لقد أوجب الإسلام حقوقًا على المسلم ومن هذه الحقوق . حق الطريق.. وحق الطريق ألا تجلس فى الطريق ولا تلقى عليه القمامة ولا تقطعة على المارة حتى لا تؤذى الناس بهذه الأفعال فإن كان من قطع الطريق وترويع الآمنين وتعطيل مصالح العباد ومن يفعل ذلك فقد حارب الله ورسوله.. وذلك بنص الآية الكريمة "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الأخرة عذاب عظيم" إذا كان النبى ( صلى الله عليه وسلم )قد نهى أصحابه الجلوس على الطرقات رأى فى ذلك مخالفة لحق الطريق. فقال ( صلى الله عليه وسلم ) أياكم والجلوس على الطرقات قالوا يا رسول الله ما لنا بمجالسنا يد فقال ( صلى الله عليه وسلم ) فاعطوا الطريق حقه قالوا وما حق الطريق . قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. هذه الشروط التى حددها النبى ( صلى الله عليه وسلم ) خلاف ذلك يكون العبد بعيدًا عن هدى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فلقد رأينا فى الآونة الأخيرة أن كل ما يحدث شىء وكل ما يريد شىء يقوم بقطع الطريق على الناس ويعطل مصالح العباد. ويؤذى الناس. يا من تفعلون ذلك اسمعوا إلى كلام النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وهو يقول من آذى مسلمًا فقد آذانى ومن آذانى فقد آ ذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه، إن الإسلام قد ركز على السلوك قبل كل شىء.