واجهت مصر فى أعقاب ثورة 30 يونيو العديد من المواقف المتعنتة لأطراف دولية بنت مواقفها تبعًا لمصالحها الخاصة دون النظر إلى حسابات الواقع، وهو ما ظهر واضحًا فى العديد من التقارير الخاصة بحقوق الإنسان فى مصر والتى صدرت عن منظمة العفو الدولية ووزارة الخارجية الأمريكية والاتحاد الأوروبى ومنظمة هيومان رايتش ووتش?، إذا تضمنت هذه التقارير اتهامات باطلة وظالمة للسلطات المصرية بانتهاك حقوق الإنسان فى الوقت الذى تجاهلت هذه التقارير إرادة الشعب المصرى وحقوقه المشروعة فى إقامة حياة ديمقراطية سليمة.. وفى هذا السياق، وجهت منظمة العفو الدولية اتهامات ظالمة لمصر حيث زعمت أن السلطات المصرية تمارس القمع وانتهاك حقوق الإنسان على نحو غير مسبوق، بعد ثلاثة أعوام على الثورة التى أطاحت بنظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى منظمة العفو الدولية حسيبة حاج صحراوى فى التقرير أن «مصر شهدت خلال الأشهر السبعة الأخيرة سلسلة انتهاكات مدانة لحقوق الإنسان وأعمال عنف من جانب الدولة على نحو غير مسبوق». وشددت نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى منظمة العفو الدولية على ضرورة «تخفيف السلطات المصرية قبضتها على المجتمع المدنى والسماح بقيام تظاهرات سلمية ومظاهر قانونية أخرى للاستياء».. المزاعم الأمريكية من جانبها، زعمت الولاياتالمتحدةالأمريكية، فى تقريرها عن حقوق الإنسان لعام 2013، إن السلطات المصرية فقدت فى بعض الأوقات السيطرة على قوات الأمن التى انتهكت حقوق الإنسان، على حد تعبيرها. وادعت الولاياتالمتحدة، فى تقريرها الذى نشر باللغة الإنجليزية عبر الموقع الإلكترونى للخارجية الأمريكية، أن «أخطر المشاكل التى واجهت حقوق الإنسان فى مصر عام 2013 هو الإطاحة بالحكومة المنتخبة، والاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن. وأضاف التقرير: أن «من ضمن أخطر تلك المشاكل أيضا قمع الحريات المدنية، بما فى ذلك القيود المجتمعية والحكومية على حرية التعبير والصحافة وحرية التجمع، بالإضافة إلى المحاكمات العسكرية للمدنيين». وأشار التقرير إلى أن الحكومة المؤقتة أغلقت عددا من القنوات الفضائية الإسلامية بحجة أنها تحرض على العنف، حسبما ذكر، وأضاف التقرير أنه فى فترة حكم الرئيس المعزول مرسى، تم اتخاذ إجراءات لتقييد حرية التعبير وقامت الحكومة وبعض المواطنين برفع قضايا على شخصيات عامة وإعلاميين بتهم التكفير وإهانة الرئيس وشخصيات حكومية، لافتا إلى أن مرسى سحب شكاوى كان أقامها مكتبه ضد بعض الإعلاميين. وتابع أن «قانون 24 نوفمبر المقيد لحرية التظاهر فرض الحصول على إذن من وزارة الداخلية للتظاهر، وضم فى سياقه الأنشطة المحظورة بلغة غامضة، وأعطى وزير الداخلية صلاحية منع أو الحد من المظاهرات المخطط لها». تقرير هيومن رايتس وفى تقريرها السنوى لعام 2013، اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان الشرطة المصرية باستخدام «القوة المفرطة»، فى الشهور التالية لعزل مرسى، مع أنها أشارت إلى تصعيد جماعات مسلحة من العنف فى شمال سيناء، فقتلت الكثير من رجال الشرطة والجيش. وأعلنت جماعة فى سيناء تُدعى أنصار بيت المقدس المسئولية عن محاولة اغتيال استهدفت وزير داخلية الحكومة المؤقتة فى سبتمبر الماضى. كما اتهم التقرير حكومة محمد مرسى التى «هيمن عليها الإخوان المسلمون» بأنها مارست «استخفافاً بحقوق الإنسان»، مع تزايد عدد الملاحقات القضائية للصحفيين، وانتهاكات الشرطة، وأعمال العنف الطائفي. وقالت إن مجلس الشورى أصدر تشريعات اشتملت على مشاريع قوانين «تقييدية للغاية»، تخص التجمعات العامة والجمعيات، بحسب المنظمة. وتحت عنوان إفلات قوات الأمن من العقاب زعمت هيومن رايتس ووتش أنه لم تُبذَل جهود للمحاسبة على الجرائم المرتكبة فى عهد مبارك، أو التى أسفرت عن مقتل أفراد على يد الشرطة أو الجيش أثناء ثورة يناير 2011 وبعدها. وذكرت المنظمة أن خمساً فقط من 38 محاكمة لضباط شرطة «متوسطى ومنخفضى الرتب» اتهموا بقتل متظاهرين فى يناير 2011 انتهت بأحكام بالسجن. تم تجميد تنفيذ حكمين منهم، ومن ثم فهناك رجلا شرطة فقط قضيا أحكاماً بالسجن. وفى النصف الأول من العام، تحت حُكم مرسى، استجوبت النيابة 14 شخصاً على الأقل فى اتهامات بازدراء الأديان، واستمرت وقائع العنف الطائفى وزادت بشكل ملحوظ بعد عزل مرسي. ووقعت زيادة غير مسبوقة فى الاعتداءات على الكنائس والممتلكات المسيحية. بعد تفريق الاعتصامين مباشرة بالقاهرة، هاجمت «عصابات تردد شعارات إسلامية» 42 كنيسة على الأقل، وإحراق والإضرار ب 37 كنيسة، وقتل 4 أشخاص. وذكر التقرير انه فى ظل حكم مرسى زادت الملاحقات القضائية للصحفيين والنشطاء السياسيين بشكل حاد، وذلك بتهم «إهانة» المسؤولين أو المؤسسات و»نشر أخبار كاذبة» باستخدام مواد من قانون العقوبات من عهد مبارك. وأمرت المحاكم بغرامات وبأحكام حبس مع إيقاف التنفيذ فى خمس قضايا تشهير على الأقل. وأضاف أنه فى 3 يوليو أغلقت السلطات محطة تلفزيونية للإخوان ومحطتين إسلاميتين أخريين. وعلى مدار الشهرين التاليين داهمت قوات الأمن مقار للجزيرة العربية والإنجليزية ومقار لمحطة التلفزة التركية «تى -آر-تى» وفى سبتمبر داهمت قوات الأمن وأغلقت مقرات للحرية والعدالة، صحيفة الإخوان المسلمين. وقوة إلى استمرار التحرش الجنسى بالسيدات والفتيات فى الأماكن العامة «دون محاولات جادة» لوقف هذه الظاهرة أو ردعها. وأخفقت لجنة صياغة دستور 2013 فى ضمّ مادة تضمن المساواة بين الرجال والنساء فى الدستور. الموقف الأوربى أما الاتحاد الأوروبى فقد ندد بما وصفها ب العدالة الانتقائية» التى تنتهجها السلطة الحالية فى مصر ضد المعارضين السياسيين، وطالب الحكومة بضمان حقوق المتهمين، فى إطار المعايير الدولية من خلال محاكمات عادلة مبنية على اتهامات واضحة وسليمة وتحقيقات مستقلة. وأعرب الاتحاد- فى بيان أصدره عقب اجتماع وزراء خارجيته- عن قلقه بشأن ما وصفه بتدهور أوضاع حقوق الإنسان، بما فى ذلك الاعتقال العشوائى للمعارضين والنشطاء السياسيين، مشددا على ضرورة الحفاظ على حريات التعبير والتجمع والاحتجاج السلمى. ولفت إلى الدور المهم ل»مجتمع مدنى مستقل وفعال، بما فى ذلك المنظمات غير الحكومية، فضلا عن دور الشباب، كمكونات أساسية لأى مجتمع ديمقراطى». وأدان الاتحاد ما اعتبره المناخ المتدهور للصحافة فى مصر، مطالبا السلطات المصرية المؤقتة ووسائل الإعلام الحكومية «بضمان بيئة عمل آمنة لجميع الصحفيين وإنهاء الاعتقالات المسيسة. وفى انتقادات شديدة اللهجة، ندد الاتحاد الأوروبى -وفقا للبيان- بجميع أعمال العنف السياسى التى تشهدها، مشيرا إلى أنه تابع بقلق بالغ أحداث العنف الأخيرة والخسائر فى الأرواح أثناء الاستفتاء على الدستور، وأيضا أثناء الذكرى السنوية الثالثة لثورة يناير 2011. وزعم أنه لم يتم التحقيق بعد فى قتل المحتجين وقوات الأمن أثناء أحداث العنف منذ الثلاثين من يونيو الماضي، مطالبا الحكومة المصرية المؤقتة بالوفاء بوعدها، وإنجاز تحقيق مستقل وشفاف فى ذلك الصدد. وفى السياق ذاته، قال البيان «لقد مرت ثلاث سنوات منذ أن ثار المصريون على جميع مناحى الحياة ضد نظام قمعى مطالبين بالحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية واقتصاد أفضل.. الاتحاد الأوروبى يعتبر مصر شريكا وجارا مهما ولايزال يقف إلى جانب الشعب المصرى خلال الفترة الانتقالية ولا يزال ملتزما بمساندته». وأكد الاتحاد الأوروبى أهمية علاقته بمصر والدعم المستمر الذى يمنحه للمواطنين الذين يرغبون فى إقامة مجتمع ديمقراطى ومزدهر يكرس الكرامة والحكم بالقانون واحترام الحريات الأساسية وحقوق الإنسان. وشدد على مواصلة دعمه لمصر من أجل تحسين الظروف الاجتماعية و الاقتصادية للشعب المصري، وخاصة الفقراء، مؤكدا وقوفه على أهبة الاستعداد لمساعدة مصر فى تنفيذ هذه التدابير الإصلاحية . ورحب الاتحاد بأن يكرس الدستور الجديد لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، ومن بينها حرية التعبير والتجمع وحقوق المرأة، مؤكدا ضرورة أن تتقيد التشريعات الوطنية الحالية والمستقبلية وتنفيذها بما يتماشى مع الدستور والمعايير الدولية. وقال البيان «إن الاتحاد الأوروبى يشجع على تعاون السلطات المصرية المؤقتة مع مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان، ويتطلع أيضا إلى افتتاح المكتب الإقليمى لها فى مصر.. ينبغى تطبيق الدستور بطريقة تضمن الهيمنة المدنية على أفرع الحكومة وينبغى أن تتم محاكمة المدنيين فى محاكم مدنية فى كل الأوقات». وأعرب الاتحاد الأوروبى مجددا عن القلق المتزايد إزاء حالة الإقتصاد المصري، ما يؤثر بالسلب على الفئات الأكثر تأثير سلبى على الفئات الأكثر فقرا فى المجتمع. وحث مصر على ضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية ، لضمان الاستقرار والاستثمار وتحسين بيئة الأعمال وإحراز تقدم نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، بما فى ذلك تعزيز فرص الحصول على التعليم. وأضاف أنه من المهم الآن أن يتم تنفيذ الخطوات المتبقية من خارطة الطريق وبخاصة عن طريق وضع اللمسات الأخيرة على الدوائر الانتخابية وميثاق شرف لوسائل الإعلام وتمكين الشباب فى العملية السياسية وإنشاء مفوضية عليا للمصالحة الوطنية. ورحب الاتحاد الأوروبى بالإعلان عن الانتخابات فى مصر وأكد أن العملية السياسية الشاملة فقط هى ما سيؤدى إلى حكومة منتخبة ديمقراطيا وتمثيل عادل لجميع الآراء السياسية فى البرلمان المقبل، وأكد أيضا على استعداده لمراقبة الانتخابات المقبلة حال تم استيفاء الشروط. وطالب الاتحاد الأوروبى -وفقا للبيان- السلطات المصرية المؤقتة بضمان بيئة مواتية لانتخابات شمولية شفافة وذات مصداقية بما فى ذلك فرص متكافئة للحملات الانتخابية. وقال البيان « إرساء ديمقراطية عميقة ومستدامة سينجح فقط من خلال بناء مؤسسات ديمقراطية شفافة ومسئولة تحمى جميع المواطنين المصريين وحقوقهم الأساسية». نقاط إيجابية وأخرى سلبية ومن جانبه صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية السفير بدر عبد العاطى بأن البيان الصادر عن اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى ببروكسل، تضمن بعض النقاط الإيجابية التى يتعين التنويه إليها كالتأكيد على العلاقات القوية التى تربط الاتحاد الأوروبى بمصر، والإشادة بالدستور وما تضمنه من مواد تصون الحقوق وتضمن الحريات الأساسية وبقرب إجراء الانتخابات فى مصر، فضلاً عن إدانة الاتحاد الأوروبى بأقصى العبارات لأعمال العنف والإرهاب التى وقعت فى البلاد، والتقدير لدور مصر الإقليمى. وشدد المتحدث الرسمى على أن البيان يتضمن العديد من النقاط السلبية التى تعكس إما عدم إلمام الاتحاد بما يحدث على أرض الواقع، وهو أمر مستغرب فى ضوء ما يتم نقله تباعاً من معلومات وشرح للواقع من خلال اتصالات وتواصل رسمى وشعبي، أو تجاهلاً أوروبيا متعمداً، وهو ما يعد فى حد ذاته –إن صح- مؤشراً خطيراً باعتباره يعكس توجهاً سياسياً معيناً وليس مجرد تبنى لقضايا ترتبط بحقوق الإنسان أو الديمقراطية. واعتبر المتحدث أن من أخطر النقاط السلبية فى البيان ومن قبلها قرار البرلمان الأوروبي، أن الإتحاد الأوروبى ينصب نفسه حكماً أو وصياً لتقييم ما يحدث فى مصر من حراك سياسى ومجتمعى وبذلك يتدخل فى إدارة العملية الانتقالية، وهو نهج أوروبى خاطئ ومرفوض من جانب الشعب المصرى الذى قام بثورتين شعبيتين، على حد تعبيره.