ما بين إعلان الفرح الغامر والتصحيح بأنها فكرة ومطلبًا قوميًا ومشروعنا الحلم لإنقاذ ثروتنا البشرية، التنمية المهدرة على الأرصفة وفى البلطجة أو العدمية.. وبين التخوف الشديد من طريقة التنفيذ والمطالبة بتوضيحات والتزامات مسبقة وبين من قدم موافقة متحفزة وحذرة عن معنى الدمج وكيفيته ؟؟؟ نستطلع أراء مثقفينا على اختلاف توجهاتهم فيما طرحته القوات المسلحة بشأن أطفال الشوارع كى تستضئ بما لديهم من أفكار ومقترحات تثرى المشروع والخطة. أعلنت القوات المسلحة منذ فترة عن نيتها تبنى أطفال الشوارع فى المدارس العسكرية من أجل إعادة تأهيلهم وتوفير وظائف محترمة لهم و يبلغ عدد الأطفال أكثر من 800 ألف ومليون طفل مشرد أو بلا أسرة أو بلا مأوى من المشردين فى مصر. فى الآونه الأخيرة التى زاد الاستقطاب ودخلت البلاد مرحلة حرجة من المشاحنات والاشتباكات التى وصلت حد القتل على الهوية باستغلال المشردين والعاطلين والقابعين تحت خط الفقر، إلا أن أملا تجدد بعد الدعوة التى أطلقها الفريق أول عبد الفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة، باستيعاب أطفال الشوارع ودمجهم فى المؤسسة العسكرية لخدمة المجتمع والمشاركة فى تنمية الوطن وقد بدأت القوات المسلحة الحملة التى بدأت بمدينة ميت غمر. ويعد محمد على أول من فكر فى تلك التجربة منذ أكثر من مائتى سنة فى جمع أطفال الشوارع وتعليمهم وتدريبهم وتحويلهم إلى صناع مهرة تجربة جاهزة يمكن إحياؤها واستعادتها.. وما تقوم به القوات المسلحة حاليًا خطوة على هذا الطريق سوف تكتمل بإحياء فكرة إنشاء مركز لهم على 40 فدانًا فى مدينة 6 أكتوبر. وبداية قال الشاعر محمد أبوسنة إن الفكرة رائعة لأن هؤلاء الأطفال يمتلكون قدرات خفية على الإبداع طمستها الشوارع وقتلها البؤس والفقر والخوف ومواجهة الأخطار والمفاجآت الأليمة التى يعيشها هؤلاء الأطفال فهم يمتلكون قدرات يمكن الكشف عنها كفنان مبدع و مقاتل عظيم فهم ثروة مهدرة فى الشوارع وأعظم الثروات هى الثروات البشرية ومصر غنية بها وهؤلاء الأطفال الذين يطلق عليهم البعض قنابل موقوتة يمكن أن يتحولوا إلى حدائق بشرية فهى فكرة ستضيف إلى مصر الكثير وأنصح القوات المسلحة بالاستعانة بعلماء النفس والاقتصاد والثقافة والفن لكى يضعوا برنامجا عن طريق تشكيل لجان متخصصة لوضع برنامج وانشاء قرى متميزة يقيمها رجال الأعمال والأغنياء وألا يقتصر الأمر على رعاية أطفال الشوارع فى القاهرة بل يمتد إلى الأقاليم. وأضاف أبوسنة أن ثمار الفكرة مرتبطة بعمر الأطفال فالحصاد سيكون متدرجا ومرتبطا كذلك بالبرامج التعليمية والفكرية والثقافية المقدمة للأطفال. أما الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى فيقول أنا ضد إلحاق الأطفال بالمدارس العسكرية فهو اعتداء على طفولتهم ومن ثم لا أستطيع أن أبدى موافقة على تلك الفكرة إلا بعد توضيح قواعدها و كيف سيتم تنفيذها فالالتحاق بالمدارس العسكرية له متطلباته وواجباته وهو ما سيهدر فترة الطفولة لديهم إذًا فلابد توضيح ما هو طفل الشوارع الذى سيقوم المشروع لرعايته وما هى أعمارهم وكيفية التعامل معهم وهل الالتحاق بالمدارس العسكرية شكل من أشكال التجنيد أم أنه شكل من أشكال التقويم والتعليم ومن هنا أطالب بتوضيح الفكرة وعرضها على الرأى العام. ووصف د. عاصم الدسوقى أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان الفكرة بأنها فكرة بديعة فهذا الأمر سيصلح من شأنهم بعد الانحراف الذى تعرضوا له وأصبح سلوكا لديهم أضر بهم وأضر بالمجتمع ويرى الدسوقى أنها فكرة تتعلق إلى حد كبير بالعدالة الاجتماعية نفسها وهنا نجد أن مؤسسة الجيش تقوم بدور خارج نطاق دورها لمؤسسة منوطة بحماية الحدود من الأعداء فى الخارج وإنها تقوم بدور أساسى للحكومة ونجد أيضا دور الجيش فى تسديد ديون الغارمات وديون الفلاحين وأصحاب التاكسى وكلها أمور فى نطاق تخصص الحكومة طبقا لمبدأ العدالة الاجتماعية ومن جهة أخرى يرى الدسوقى أنه لابد من دراسة المشروع بشكل مفصل حسب سن كل طفل وأن تتم معاملة الأطفال من سن السابعة حتى العاشرة بإلحاقهم بحضانة للتعليم ثم يتم نقلهم إلى مدارس حرفية ومهنية كذلك لابد من توفر سيدات للقيام بعملية التربية والتعليم للأطفال وهى فترة يكون فيها الطفل فى حاجة إلى الحنان والرعاية ثم يتم تصنيف هؤلاء الصبية حسب قدراتهم الجسدية وعدم حصرهم فقط فى الجانب العسكرى. وأبدى الشاعر عبده الزراع سعادته بتلك الخطوة التى طالما تمناها وأشار إلى أن خلال وجوده فى لجنة ثقافة الطفل فى المجلس الأعلى للثقافة طرحوا فكرة تولى الدولة لأطفال الشوارع و قدموها أثناء الإعداد لدستور 2012 الإخوانى وكنا اقترحنا تكوين لجنة مصغرة تصوغ مجموعة من البنود يتم التقدم بها لمجلس الشورى وتم صياغتها مع الكاتب محمد الشافعى والكاتب محمد عبد الحافظ ناصف وتم وضعها فى ستة مواد أبرزها أن تتولى الدول إقامة مؤسسات تؤهل هؤلاء الأطفال تعليميا وفكريا لكى يكونوا أعضاء صالحين فى المجتمع وبالفعل عرضت هذه المواد على مجلس الشورى لكن للأسف لم تكن تهمهم تلك الأمور إلا أنه بعد ثورة 30 يونيو فوجئنا أن لجنة الدستور تناقش معنا تلك البنود ثم تم إعلان تولى الجيش لتلك الفكرة وفى الحقيقة أن هذا الأمر اسعدنى جدا لأن أطفال الشوارع تحتاج إلى أن ترعاهم مؤسسة وأن ينعموا بما ينعم به الطفل العادى لأنهم حرموا من دفء العائلة وواجب على الدولة أن ترعاهم لأنهم سيمثلون خطرا على الدولة كما رأينا فى السنوات السابقة إذ تحولوا إلى مجرمين أو مستغلين من قبل بعض الجماعات ورغم أن القرار متأخر إلا أنه من القرارات الصائبة التى بالفعل ستعمل على تقدم هذا المجتمع. وتوجه الزراع ناصحا بأن يتم تأهيلهم تأهيلا نفسيًا لأنهم عاشوا فترة طويلة فى الشوارع ثم يتم تأهيلهم تأهيلا مهنيًا حسب قدرات كل طفل و أعتقد أن نتاج هذا المشروع لم يظهر نتائجه إلا بعد عشر سنوات لأنها تحتاج إلى وقت ومجهود ويجب ألا نستعجل نتاج هذه التجربة التى ستعود على المجتمع بالنفع. وتقول سهير المصافة رئيس تحرير سلسلة الجوائز تحدثت عن أطفال الشوارع فى 2003 من خلال مؤلفى لهو الابالسة فكتبت عن العشوائيات وما يحدث بها إلا أن النظام السابق لم يكن يهتم وكذلك منظمات المجتمع المدنى لم تكن منتبهة لهذ المشكلة فاستمرت المشكلة قائمة وهى فى الحقيقة مسئولية الدولة لأن أطفال الشوارع قنابل موقوتة ولابد من إيجاد حلا وحتى هذه اللحظة لم يقدم حل لتلك المشكلة إلا الجيش وأنا أوافق على هذا الحل رغم أن الحل متأخر كثيرا. أما عن عيوب الفكرة فقالت إننا نحترم الجيش المصرى ونحترمه لأنه ليس جيشا مثل باقى الجيوش فى الدول الأخرى ولكن به أبناؤنا وإخواتنا فهو مؤسسة وطنية بالدرجة الأولى لأن الالتحاق به إجبارى وليس مرتزقة يدفع لهم وعندما يتولى الجيش هؤلاء الأطفال فلابد من وجود طريقة فى التربية ومن هنا لابد من توضيح الأمر وأضافت أتمنى أن يفعل الجيش معهم كما تتعامل الأكاديميات العالمية والتى تخرج علماء وفنانين و مبدعين وإلا يقتصر الأمر على الجانب العسكرى بمعنى أن يتعلم الطفل أو الشاب بنسبة 70% وأن يترك 30% لباقى المواد الإبداعية وأن يبدأ منذ سن الثامنة عشرة يتعلم فنون ومهارات أخرى خلاف المهارات العسكرية بحيث يستفيد منهم المجتمع فى مختلف المجالات فى الهندسة والطب والموسيقى وأثنت المصادفة على الفكرة قائلة إنها ستستبدل البلطجى والمدمن بالطبيب والفنان. ويقول د. محمود قطر رئيس دار الكتب والوثائق القومية الأسبق إن الفكرة تبين إن القوات المسلحة تسعى لتغيير استراتيجي فى كيفية التعامل مع هؤلاء الأطفال وهو فى حقيقة الأمر وقود الاشتباكات والفوضى فى مصر وهم قنابل موقوتة تنفجر لصالح من يدفع وإلحاقهم بالمدارس العسكرية ستضرب أكثر من عصفور بحجر واحد منها سد نقص العملة الفنية وسحب البساط من تحت أقدام الجماعات المتطرفة التى تستغل هؤلاء الأطفال فى إثارة الفوضى وكذلك سينتج عنه تعديل سلوكيات فئة عريضة من الشعب المصرى مما يقلل حالات التحرش والاغتصاب. وأضاف أنصح فقط بأن يتم التنبه لماضي هؤلاء الأطفال واحتمالية تورطهم في أعمال منافية للآداب أو مناهضة للصالح العام، لذا نوصي بعدم تجميعهم بمكان واحد وتوزيعهم .. بحيث لا يتم تبادل خبرات الإجرام بينهم، مع المتابعة اللصيقة لأفعالهم، وعزلهم عن المجتمع المدني فترة لا تقل عن 45 يوماً، لإعادة تأهيلهم النفسي والسلوكي أما المصاعب فستكون محدودة في كيفية الوصول إليهم، وأعتقد أن الحل سيكون من خلال الجمعيات الخيرية وبالشرطة المدنية. شيماء محمود استشارى علاقات أسرية وأطفال تقول: أدعم هذه الفكرة وبقوة لأنها فكرة رائعه وتستحق الاهتمام بما ستقدمه من نفع من الناحية النفسية والاجتماعية والصحية لهؤلاء الأطفال، لأنهم حقا فى حاجة لأن يعيشوا حياة كريمة، فهى ستوظف الطاقات الإيجابية الموجودة داخلهم فى إعاده تشكيل بناء شخصيتهم بشكل يجعلهم جيلا صالحا قادرا على الحب والعطاء ولكن على القوات المسلحة مراعاة توفير مدرسين متخصصين فى التعامل مع الأطفال فى مراحلهم العمرية المختلفة و توفير الاحتياجات الأساسية لهؤلاء بالإضافة إلى ضرورة توفير الأمن النفسى للأطفال وهذه النقطة مهمة جدا. أما دور المعلمين المشرفين على هؤلاء الأطفال هو احتواؤهم وضرورة الاهتمام بالجانب الدينى وأشارت إلى ضرورة المعاملة الحاسمة مع هؤلاء الأطفال وتوفير مكان خاص للبنات يكون بعيدا عن مقر الأولاد. وأكدت محمود أن الفكرة ليس بها أية سلبيات فعندما يوفر المجتمع حياة كريمة لكل شخص فيه فإن الأشخاص أنفسهم سيحترمون المجتمع وقوانينه، باعتبارهم جّزءا منه، بجانب بعض المهارات المهنية التى سيتعلمها هؤلاء الأطفال ستظهر على المجتمع بشكل واضح، فإذا توفر لهؤلاء الأطفال إشباع لاحتياجاتهم الأساسية سيعود ذالك بانتماؤهم للمجتمع . ومن وجهة أخرى ترى محمود أن هناك العديد من المخاطر التى سوف تواجه القوات المسلحة منها رفض بعض الأطفال وهروبهم كما ستكون هناك صعوبة فى التعامل مع الأطفال الذين يتعاطون المخدرات كما نبهت إلى ضرورة اتخاذ وسائل الحذر حتى لا تقع اعتداءات جنسية على الأطفال ومن ثم شددت على ضرورة فصل الأطفال الصغار عن الكبار.