يؤكد المتخصصون أن الرسم ليس مجرد خطوط وألوان ولكنه يعتبر من أهم الوسائل التعبيرية للإنسان، كما أنه يعد لغة تحوى سمات اللغات المعروفة وترتقى إلى درجة الميزة فى التعبير، والإنسان استخدم الرسم فى كل العصور التاريخية وعصور ما قبل التاريخ أيضا ليشرح كل شىء فى الحياة، أما فى حياتنا المعاصرة فقد تعجز اللغة فى التعبير عن الرغبات والآمال والمخاوف الموجودة بداخل الإنسان فيعبر عنها بالرسم ويحاول أحيانا أن يعبر عن أحاسيس لا يحب أحد أن يعرفها فتزداد رمزية الرسم وتعقيده. أما عند الأطفال فالرسم يعنى الكثير والكثير،كما يقول د.عبد الفتاح غزال أستاذ الصحة النفسية والعميد الأسبق لكلية رياض الأطفال بالإسكندرية وذلك من خلال الدراسة التى أعدها حول سيكولوجية رسوم الأطفال غير العاديين ، فيقول الرسم هو التعبير الخطى لبيان المشاعر والانفعالات، ويكشف فى اللاشعور كل ما هو موجود بطريقة واقعية وأحيانا بطريقة رمزية، مضيفًا غير العاديين هم أحوج الناس إلى التعبير عن أنفسهم، ويعتبر الكشف عن الإعاقات بالرسم ميدانا جديدا من الميادين التى يحاول علماء النفس فك رموزه والاقتراب من هذه الفئة عن طريق شرح رسوماتهم،ويضيف قائلًا إن الرسم مرتبط بالذكاء وهذه حقيقة تعكسها رسوم الأطفال أصحاب النقص العقلى والذين يحتاجون لمن يفهم لغتهم عن طريق الرسم، ويحاول الرسم أن يعالج ما يعانونه من اضطرابات فى الاتصال بالعالم الخارجى. أما الطفل التوحدى كما يقول د.عبد الفتاح غزال فإن المشكلة الرئيسية التى يعانى منها هى الاتصال بالعالم واستيعاب ما يحدث حوله، ورسوم الأطفال التوحديين عالم خصب للعديد من الدراسات التى مازالت فى أول الطريق. كذلك المكفوفين فإذا كانوا لا يبصرون بطريقة كلية فالعالم لديهم يتضح من حديث الآخرين، أما إذا كانوا مكفوفين جزئيا فإنهم يحتاجون لمن يعيد لهم اللون والحركة ،والرسم من أنجح الوسائل فى هذا الميدان. مراحل تطور رسوم الأطفال د.غزال إنه يمكن الاستدلال على نمو الأطفال من خلال الرسم ،ورسوم الأطفال تمر عبر عدة مراحل أساسية ،المرحلة الاولى تسمى ( مرحلة الشخبطة ) وهى تكون فى الثلاث السنوات الأولى من عمر الطفل وفى هذه المرحلة تكون الرسوم عبارة عن خطوط غير مفهومة يقوم بها الطفل لتجربة مهارات اليد والأصابع وقدرته على مسك القلم . وأضاف: المرحلة الثانية هى مرحلة التخطيط وهى من سن ثلاثة إلى أربعة سنوات وفى هذه المرحلة يقوم الطفل بعمل خطوط أفقية ورأسية ،وهذه الخطوط ترمز إلى كل ما يريد التعبير عنه من أشخاص وحيوانات وهى تمتد إلى ما بعد السنوات الأربع، أما المرحلة الثالثة فتسمى بمرحلة الشفافية حيث لا يعترف الطفل بالحواجز، وعندما يرسم المنزل على سبيل المثال فانه يرسم الأشخاص بداخله، وعندما يرسم شخص فإنه يرسم الأرجل داخل البنطلون. وتابع: أما المرحلة الرابعة فإنها مرحلة الرمزية، ويتحول فيها الرسم من مجرد التخطيطات الواقعية المقصودة إلى صورة الإيجاز الشكلى، وفى هذه المرحلة يكتسب الرسم صيغة اجتماعية إلى جانب الشكل الواقعى الذى يراه، وبالتالى فإن تأثير البيئة على الطفل يظهر فى رسومه ،ويتحول الإدراك من حسى فقط إلى إدراك فكرى أو حسى فكرى . وقال: أما المرحلة الخامسة فهى المرحلة العفوية المقصودة تعكس رسم ما يراه من وجهة نظره وهى تمتد حتى بداية البلوغ. من العجيب أن الطفل يرسم ما بداخله فيرسم الشمس والجبال والمنازل كما يحسها حيث تتحول الواقعية إلى رمزية فى اللا شعور ،ومما سبق يتضح أننا نستطيع ان نحدد سن الطفل ونموه باستخدام الرسم، كما نستطيع ان نحدد تأخر النمو أو اضطراب التطور من خلال الرسم، ونستطيع أيضا أن نفرق بين الذكور والإناث باستخدام الرسم، فالبنون يرسمون دائما الأعمدة والأشخاص الذكور، ويهتمون بالأذرع والعيون وبأدوات القتال، بينما فى رسم الإناث يهتمون بالنواحى الجمالية كالزهور والأشجار ورسم السيدات والأشكال المخروطية التى تظهر بوضوح فى الجيبات والبلوزات ...الخ الطفل يرسم نفسه وأوضح غزال أن أخطر نقطة فى الرسم فهى ان يرسم الطفل يرسم نفسه بمعنى أن الولد يرسم ولدا والبنت ترسم بنتا، ولا يمكن حدوث العكس وهذا يعنى أنه يرسم ذاته ثم بعد ذلك يظهر فى هذا الرسم مشكلات التوافق، وكل شىء وله دلاله، مثل طول الأذرع وطول القدمين ونوعية الملابس والتناسب بين الأشخاص، فالأكثر سلطة مثل الأب تظهر أذرعه فى الرسم طويله، وحنان الأم يظهر فى وصول أشعة الشمس فى الرسم إلى الشخص،ووضع الطفل داخل الأسرة يظهر فى الاقتراب أو الابتعاد عن الأشخاص الآخرين، وكل جزء نستطيع أن نقدم له التفسير المناسب. دلالة الألوان فى رسوم الأطفال أما الألوان فاستخدامها هى الأخرى يمر بعدة مراحل تطور مهمة، ففى المرحلة الأولى لا يفرق الطفل بين لون وآخر، وفى المرحلة الثانية تبدأ عملية التمييز بين الألوان، وقد حاول العلماء ربط كل لون بالحالة النفسية مثل الأحمر الذى يدل على العدوانية، والأزرق الذى يدل على الصفاء والأسود الذى يدل على الاكتئاب والرمادى الذى يدل على الاضطراب النفسى والأبيض الذى يدل على النقاء . ارتباط الرسم بالذكاء وتذكر الدراسة أن الرسم يرتبط بالذكاء ارتباطا وثيقا حتى إن هناك مقاييس تعتمد على الرسم فقط فى قياس الذكاء، ويختلف رسم الطفل الذكى عن متوسط الذكاء عن المتخلف عقليا فى رسم التفاصيل ورسم حركة الجسم والدقة فى مكونات الجسم وليس فى جمال الرسم، وهو مقياس قام به العالم (جود اينف) لقياس الذكاء باستخدام رسم الرجل ،كما قام العالم (ماك اوفر) بمقياس رسم المنزل والشخص والشجرة لبيان الحالة النفسية والصراعات داخل الشخص. تشخيص وعلاج الامراض النفسية بالرسم وتقسم الدراسة الرسوم إلى قسمين، الاول رسوم المرضى النفسيين والمصابون بالأمراض العصبية وتشمل القلق والهيستيريا وأنواع من المخاوف، والقسم الثانى هو رسوم ذوى الاحتياجات الخاصة كالمعاقين عقليا والمكفوفين والأطفال التوحديين.وتكر الدراسة أن أمراض القلق من أكثر الأمراض انتشارا. ويرسم الطفل المصاب بالقلق الأشخاص صغيرة والوجوه غير واضحة والأطراف غامضة وغير واضحة المعالم ويلاحظ أيضا الأرجل الطويلة والوجه غير المميز، والفم المغلق ودائما ما يركز فى الرسم على منتصف الجسم مما يرمز إلى الذاتية الشديدة، أما عن البيئة المحيطة برسم الطفل القلق فيرسمها فى صورة أشياء مكررة كخطوط الشجر والأبعاد المفرطة. وتذكر الدراسة أن المرض النفسى يمكن تشخيصه وعلاجه من خلال الرسم، فمريض الفصام وهو ازدواج الشخصية يرسم شخصين متلاصقين، ومريض الهيستيريا يكون الرسم بالنسبة له مشوها وغير واضح المعالم فى الوجه، ورسم مريض الوساوس يتضح فيه الاستخدام المفرط للظل فى الرسم، والطفل القلق يبدو فى رسمه اضطراب الملامح واضطراب الحركة وعدم التناسب بين أجزاء الجسم ككبر الوجه مع صغر الأطراف أو عدم رسم الشعر كما أوضحت الدراسات. وبعض الأطفال ينقلون عدوانهم إلى صفحة الرسم حيث يرسمون أشخاصا معينين وبعد ذلك يمزقون الرسم أو يسودونه، وربما يرغب هؤلاء الأطفال فى أن يأخذوا بالثأر حيث يحطمون بهذه الطريقة الشخص الذى يحملون له الضغينة أو الذى يشعرون بخطره عليهم،وهم يشعرون بالإثم العظيم للاعتراف بهذه المشاعر ضد هؤلاء الأشخاص، ولكن بهذه الطريقة ربما يعبرون ويفرغون مشاعرهم الحقيقية التى لا يستطيعون أن يواجهونها تجاه الآخرين فى الواقع نظرا لضعفهم من جهة ولكونها منافية للأخلاق من جهة أخرى. ويقول د. عبد الفتاح غزال إن العلاج بالرسم يعتبر من أنجح أنواع العلاج وذلك لأن الإنسان يسقط مشاعره على الورق فيتخلص من الخبرة المؤلمة الموجودة بداخله. والرسم يساعد على التخلص من الخبرات المؤلمة لأن الرسم يجعل الشخص يقول ما يعجز عن قوله باللفظ سواء كان السبب محرجا أو من الصعب التعبير عنه، والطفل الانفعالى أو العصبى يمكن أن يتخلص من عصبيته بالرسم قبل النوم ،فينام نوما هادئا ولا يصاب بالفزع الليلى ولا بأية مشاكل، كذلك يمكن علاج والتخلص من الغيرة والمشكلات السلوكية والوساوس والمخاوف والاضطرابات الانفعالية من خلال الرسم. أحيانا يرفض الطفل الرسم لأنه يرفض التعبير عما بداخله. وقدماء المصريين استخدموا الرسم على المعابد للتعبير واللغة الهيروغليفية ماهى إلا رسوم للتعبير عما يريدون، ومفتاح النيل مثلا عبارة عن رموز لثلاثة آلهة متحدين فى مفتاح النيل. أما المكفوفون جزئيا فإنهم يحتاجون إلى من يدعم لهم الصورة الذهنية التى أصبحت لديهم قديمة وباهتة ويحتاج لمن يعيد لها اللون والحركة، والرسم من أنجح الوسائل فى هذا الميدان. وتؤكد الدراسة على ضرورة اهتمام الوالدين والمعلمين برسوم الأطفال لما لها من دلالات مهمة جدا وتوضح الحالة النفسية والعقلية للطفل.