العالم يتابع باهتمام كل ما يحدث فى أوكرانيا ولا يوجد تقريبا أى سياسى أو محلل إلا وأدلى بدلوه بالتعليق على الفوضى التى تغطى هذا البلد ساعة بعد أخرى، لكن دعونا نلقى نظرة على ما يحدث الآن: هناك سلطة حاكمة يمثلها الرئيس فيكتور يانوكوفيتش وفريقه تواجه أقلية معارضة، وهناك لاعبون أجانب رئيسيون يتمثلون فى الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى والصين وروسيا وجهات أخرى. وفى الداخل الأوكرانى هناك عناصر تحلم بتولى السلطة مثل حزب أرض الآباء (باتكفشينا) وحزب الحرية (سفوبودا) والائتلاف الأوكرانى الديمقراطى للإصلاح المعروف اختصارا ب UDAR، والحركة الأكثر إثارة (بريفى سيكتور). وإذا ما ألقينا نظرة على آخر التطورات فى هذا البلد سوف نجد أن السلطات الروسية راضية عن يانوكوفيتش الذى يبحث عن المال بأية وسيلة لتثبيت دعائم حكمه. ولكن هذا لا يكفى دائما، ولذلك طلب مساعدة الاتحاد الأوروبى الذى فرض عليه عدة شروط: التحول التام والدخول فى نفوذ الاتحاد الأوروبى على حساب العلاقات مع روسيا مع انتقال جزئى للسلطة لكل من حزبى أرض الآباء و UDAR وانتهزت الولاياتالمتحدة الفرصة وحاولت فرض القطيعة التامة بين أوكرانياوروسيا مع إزاحة يانوكفيتش عن الساحة السياسية. ذلك فى الوقت الذى يدرك فيه الأمريكان جيدا بوجود متطرفين داخل أوكرانيا وبدأوا بالفعل امدادهم بالمال فى ظل عمليات نهب واغتيال، فحركة بريفى سيكتور تدمر كل شىء فى طريقها ولا تهتم بمن تضربه أو تقتله سواء كان من السلطات أو من المعارضة أو مجرد مواطنين أوكرانيين مسالمين. وقد خرجت علينا المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية بتصريح قالت فيه: إن السلطات الأمريكية تعتبر أن ما يحدث من قبل القيادة الأوكرانية (غير مقبول)، ومن قبلها عبّر جون كيرى، وزير الخارجية عن عدم الرضا لقرار القيادة الأوكرانية تفريق المحتجين فى كييف. لكن يبدو أن وزير الخارجية الأمريكى نسى أو تناسى أنه منذ عامين فقط قامت القوات الخاصة الأمريكية بهدم المخيمات وتفريق المحتجين والقبض على المئات من النشطاء فى حركة (احتلوا وول ستريت) فى كل أنحاء البلاد مسترشدين فى ذلك بقوانين محلية تمنع إقامة المخيمات أو السرادقات، كما نسى كيرى أو تناسى القسوة التى انتهجها رجال الكوماندوز الأمريكان فى أوكلاند على سبيل المثال. والآن هناك بعض المعلومات ومقاطع الفيديو على شبكة الإنترنت يظهر فيها المتطرفون فى (مايدان) وهم يحطمون كل شىء.. اقتحموا منازل الأوكرانيين وسرقوهم واغتصبوهم، وللأسف الشديد قاموا بقتل البعض منهم والأمريكان لا يهتمون، كل ما يعنيهم هو إزاحة يانو كوفيتش، والاتحاد الأوروبى هو الآخر يحاول إظهار الوضع بما يتماشى مع مصالحه، وذلك بتشجيع المعارضة المحلية ممثلة فى حزبى أرض الآباء و UDAR. وفى خلفية الفوضى العامة التى تنشرها العناصر المتطرفة، قام بعض قادة الأحزاب الموالية لأوروبا بالبحث عن امتيازات من الرئيس يانو كوفيتش فى الوقت الذى استمرت فيه المذابح ومحاولات هدم مؤسسات الدولة، وعندما عاد قادة الأحزاب إلى المحتجين فى (مايدان) بعد المفاوضات التى أجروها وقاموا بعرض ما حققوه قوبلوا بصيحات الاستهجان من قبل المتطرفين الذين أصبحوا هم أصحاب الكلمة العليا، فهم يريدون إبعاد يانوكوفيتش عن السلطة لتحقيق الهدف الذى وضعه لهم الرعاة والممولون سواء فى الخارجية أو فى المخابرات الأمريكية. الوضع الآن يشبه كثيرا ما حدث مع حركة طالبان عندما حدثت المواجهة بين الاتحاد السوفيتى والولاياتالمتحدة فى أفغانستان- عندئذ قام الأمريكان بتنشيط عناصر من المتطرفين- وماذا كانت النتيجة؟.. نشأ سرطان يسمى القاعدة. صحيح أن الفوضى والتطرف اللذين يغذيهما الأمريكان محصوران حتى الآن داخل أوكرانيا، لكن بالإمكان التنبؤ بما سوف يحدث، فالشرارة التى بدأت فى أوكرانيا سرعان ما سوف تمتد نيرانها إلى دول غربية جارة محطمة كل شىء. وربما يعتقد الأمريكان أن أوكرانيا بعيدة عن أراضيهم، لكن السرطان يأتى فى صمت ويقتل بسرعة، ونحن جميعا نذكر أحداث 11 سبتمبر والهجوم الإرهابى الذى نفذته عناصر من طالبان والقاعدة.. وهى نفس العناصر التى قامت برعايتها المخابرات الأمريكية. أوكرانيا مريضة الآن، لكن لا يزال هناك أمل فى هزيمة التطرف، وعلى الأوكرانيين ألا ينتظروا المساعدة لتأتيهم من أوروبا وعبر البحار، فالمشاكل فقط غالبا ما تأتى من هناك، حانت لحظة المصارحة وقول (لا) للتطرف وإعادة النظام والأمن والأمان إلى هذا البلد.