أنسب تسمية يمكن أن نطلقها على الأسبوع الماضى، والذى أعقب ذكرى مرور ثلاث سنوات على أحداث ثورة 25 يناير.. أنسب تسمية هى أسبوع المصالحات.. سواء بسبب المبادرات التى ظهرت فجأة على السطح وكأن هناك موعدًا مسبقًا بين أصحابها.. أو بسبب الانتقادات الحادة التى وجهت إلى هذه المبادرات وأصحابها!. وليس هناك خلاف على أن مبدأ المصالحة - على وجه العموم - يحظى فى كل الأزمنة وكل الأوقات بتأييد المصريين ويتسق مع طبيعتهم.. والقاعدة المعروفة التى تحكم سلوك المصريين دائما هى أن الصلح خير.. لكن هل تصلح هذه القاعدة للتعامل مع الإخوان؟! أشهر مبادرات المصالحة التى انطلقت فى أسبوع المبادرات والتى حظيت بجدل واسع هى مبادرة الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والتى أطلق عليها اسم «خارطة إنقاذ الوطن». أهم ملامح هذه المبادرة هى تكوين لجنة من الحكماء تضم مفكرين وعددًا من المقربين من دائرة صُنع القرار للتفاوض مع جبهة الدفاع عن الشرعية (المقصود طبعا الإخوان ومن يؤيدهم) وبحيث يتم اختيار شخصية محايدة تدير الحوار بين أطراف الحوار.. ويعقب ذلك الاتفاق على حل يرضى جميع الأطراف. الحقيقة أيضًا أن إطلاق مبادرات المصالحة لم يقتصر على ما يمكن أن نطلق عليهم جبهة المؤيدين لثورة 30 يونيو. إنما انطلقت أيضا مبادرة من الجانب الآخر.. الجانب الذى يعتبر ثورة 30 يونيو انقلابا! وهكذا سمعنا - لأول مرة - عن المبادرة التى أطلقها بعض أعضاء ما يسمى بتحالف دعم الشرعية أو تحالف دعم الإخوان والتى تتحدث عن برنامج للمصالحة على أساس الاعتراف بشرعية 30 يونيو. ثم نسمع عن مبادرة يطلقها حزب البناء والتنمية الذى يرأسه «الهارب» طارق الزمر.. وتدعو هذه المبادرة إلى تبنى سياسة الحوار الوطنى باعتبارها المخرج الوحيد للأزمة الراهنة. كل هذه المبادرات - فجأة - وفى توقيت واحد تدعونا للتمسك بالتساؤل المطروح فى البداية: هل تصلح قاعدة «الصلح خير» للتعامل مع الإخوان؟! *** ليس هناك خلاف على أن هناك حقائق كثيرة موجودة على أرض الواقع أصبحت تفرض نفسها. من بين هذه الحقائق أن جماعة الإخوان ومن يؤيدها هى التى اختارت طريق العنف منذ البداية وليس الجيش وليست الشرطة.. بل إنها فى الحقيقة اختارت هذا الطريق حتى من قبل أن يصل محمد مرسى إلى الحكم.. وأظننا نذكر جميعا التهديدات التى أطلقتها الجماعة وبحور الدم التى ستملأ الشوارع إذا لم يفز محمد مرسى فى الانتخابات الرئاسية! ومن بين هذه الحقائق أيضا أن جماعة الإخوان ومن يؤيدها ظلت ترفض ومنذ البداية أى حديث عن المصالحة بدون عودة الشرعية أو تحديدا عودة محمد مرسى إلى قصر الاتحادية (!!!) وكانت تعتبر ذلك شرطا أساسيا للحديث عن أية مصالحة وطنية! أضف إلى هذا كله أن جماعة الإخوان ومن يؤيدها وصلت إلى مرحلة من الضعف أو عدم القدرة على الحشد.. لم يعد فى الإمكان إنكارها.. وذلك بسبب الضربات الأمنية المتوالية التى وجهت إليها.. والدليل أن معظم مظاهرات الإخوان أصبح يغلب عليها الطابع النسائى لدرجة توحى بأن جماعة الإخوان تحولت إلى جمعية نسوية. ثم إن الواقع يؤكد أن هناك خلافات حادة تفجرت داخل جماعة الإخوان نفسها أو بينها وبين الجماعات المؤيدة لها ومنها الجماعة الإسلامية على سبيل المثال. وليس فى استطاعة أحد أن يغفل ونحن نتحدث عن الحقائق الموجودة على الأرض.. ليس فى استطاعة أحد أن يغفل أن أحداث ذكرى مرور ثلاث سنوات على ثورة 25 يناير على وجه التحديد.. كان لها أكبر الأثر فى إصابة الإخوان ومؤيدهم بإحباط عظيم.. ربما كان هو السبب فى توجههم فجأة لطريق المصالحة! كان الإخوان يعلقون آمالا كبيرة على يوم 25 يناير وكانوا يتصورون أن حشودهم ستقدر فى هذا اليوم على صُنع ثورة جديدة.. وأن الثوار من الشباب والقوى السياسية المختلفة سينضمون إليهم ضد «حكم العسكر».. لكن ذلك لم يحدث بأية درجة.. لا حشودهم استطاعت أن تفرض كلمتهم ولا القوى السياسية الأخرى تحالفت معهم بأى شكل وبأية صورة.. ولم يحصد الإخوان ومن يؤيدهم فى هذا اليوم - يوم 25 يناير الماضى - إلا اليأس والإحباط! ونصل إلى إجابة السؤال المطروح: هل تصلح قاعدة «الصلح خير» للتعامل مع الإخوان؟! *** يعرف الكثيرون أن الكلام عن المصالحة الذى يردده ما يعرف باسم تحالف دعم الشرعية الآن ليس إلا محاولة للعودة إلى المشهد السياسى. وليس خافيا أن الإخوان يحاولون باستماتة العودة للمشهد السياسى بأية طريقة وبأى ثمن خاصة بعد أن بدأت عجلة خريطة الطريق فى الدوران.. الدستور الذى تم إقراره بنسبة كبيرة جدًا.. والانتخابات الرئاسية التى أصبحت على الأبواب. يعرف الكثيرون أيضًا أن الإخوان يحاولون إنقاذ قياداتهم المحبوسين على ذمة قضايا كثيرة وخطيرة.. ليس من أجل عيون هذه القيادات إنما من أجل التنظيم نفسه الذى يمكن أن يتهاوى ويختفى! الحقيقة أيضًا أن الكلام عن المصالحة يجب ألا ينسينا أن هناك دولة اسمها مصر لا يجب بأى حال أن نسمح بهدمها وأن جماعة الإخوان ليست طرفا فى أزمة. إنما هى جماعة إرهابية لابد أن نتعامل معها بالقانون.. وفى هذا الإطار فإن أى كلام عن المصالحة يجب ألا يشمل كل من تورط فى قتل المصريين أو التحريض على قتلهم وكل من خان مصر وكل من أصاب مصر وجيشها وشرطتها وشعبها بالضرر. وفى كل الأحوال لا يجب السماح بعودة جماعة الإخوان سواء كجماعة سياسية أو دينية. هذه هى المصالحة الحقيقة.. إن كان هناك كلام عن المصالحة! *** الصلح خير.. إلا مع الإخوان!.. فالشعب المصرى لن ينسى الذين أساءوا إليه ولن يغفر للذين أرادوا أن يحكموه بالدم وبالنار وبالحديد. ومتى كان المصريون يتصالحون مع القتلة والخونة؟!