ربما يرى البعض أن الوقت ليس مناسبًا للحديث عن إنقاذ التراث الضخم الكبير لفن الكاريكاتير المصرى فى ظل ما تشهده البلاد من مخاض سياسى كبير وترقب بزوغ شمس دستور جديد، لكن الذين يعرفون قوة فن الكاريكاتير وتأثيره على الشعوب واستخدامه كأحد أدوات الحرب النفسية لكى يبث الروح المتفائلة فيها ويبعث همتها وقدرته على دفعها للنهوض والتقدم وتوثيق تاريخ هذه الشعوب، قد يجعل البعض يرى أن الحديث عن متحف للكاريكاتير لا يقل أهمية عن إنشاء المحطات النووية. «أكتوبر» تبحث فى أسباب مطالبة فنانى الكاريكاتير بضرورة سرعة إنشاء متحف كاريكاتير من خلال مناقشة كبار الفنانين ومسئولى الجمعية المصرية للكاريكاتير. فى البداية يقول الفنان الكبير جمعة فرحات، رسام الكاريكاتير بمؤسسسة الأهرام، وأمين الجمعية المصرية للكاريكاتير؛ إن أحد أغراض الجمعية منذ نشأتها هو إنشاء متحف للكاريكاتير، وهذا الكلام مكتوب فى لائحتها الداخلية، ولكننا حتى اليوم لم ننجح فى ذلك ولدينا الآن ما يفوق العشرة آلاف لوحة أصلية لكبار فنانى الكاريكاتير المصريين، وقد زادت الحاجة إلى إنشاء المتحف خاصة بعد أن اشترت وزارة الثقافة مكتبة الفنان الكبير الراحل زهدى العدوى بملبغ مائة وأربعين ألف جنيه من أسرته وقامت بإهدائها إلى الجمعية لتستقر هذه اللوحات العظيمة القيّمة إلى جوار مثيلاتها داخل الجمعية حيث تقبع لوحات مهمة وأصلية ونادرة لفنانين مثل جورج بهجورى وصلاح جاهين وحجازى وبهجت عثمان وصلاح الليثى وايهاب واللباد ورءوف وغيرهم من الفنانين الراحلين والمعاصرين مثل الفنان القدير أحمد طوغان والبرجينى وأنا فعلى سبيل المثال لدينا لوحات لصلاح جاهين التى نشرت فى مجلة صباح الخير منذ سنة 1956م وحتى سنة 1962م وهى فترة رغم أنها لا تمثل كل ما رسمه جاهين إلا أنها تعتبر فترة ضخمة جدا وتحمل قيمة شديدة الأهمية. وأضاف جمعة أطلقنا نداءات لوزارة الثقافة، لأن طريقة الحفظ الحالية لهذا التراث الفنى الكبير داخل الجمعية سوف تؤدى إلى فقدانه أو تلفه، خاصة فى ظل نقص الامكانيات والموارد التى تعانى منها الجمعية وتوقف المساعدات التى كانت تمنح لها من الجهات المسئولة فى الوقت الحالى، لذلك نرجو من الوزارة سرعة اتخاذ قرار بإنشاء متحف للكاريكاتير المصرى للحفاظ على هذا التراث الفنى الذى تتمنى أى دولة أن تمتلك نصفه، خاصة أننا حصلنا على أكثر من وعد من وزراء ثقافة سابقين منذ عهد الوزير الأسبق فاروق حسنى الذى رحّب بالأمر وأحالنا إلى الدكتور أحمد نوار الذى طلب منا توفير مكان، ثم احالنا إلى مديرصندوق التنمية الثقافية، لأنه أعلم بالاماكن الاثرية فى شارع المعز الاثرى لاختيار أحد الأماكن لإقامة المتحف لكن الموضوع تاه هناك ولم نتلق منهم أى رد وبعد الثورة حصلنا على وعود مماثلة من كل الوزراء الذين شغلوا هذا المنصب وأخيرا منذ أسبوع فقط أرسلت لنا الوزارة لجنة لجرد هذه اللوحات وعمل مقايسات لترميمها، ولكن تبقى مشكلة إنشاء متحف لحفظ وعرض هذه اللوحات قائمة، خاصة وأن هذا التراث الهائل قابل للزيادة بشكل كبير. أما الفنان أحمد عبد النعيم مؤرخ فن الكاريكاتير المصرى فيقول: الكاريكاتير ليس نكتة وقتية سريعة، فالكاريكاتير يؤرخ لحدث تاريخى أو اجتماعى أو سياسى أو اقتصادى حيث يرصد التفاصيل التى تسهل على الباحث فهم بعض الأمور المهمة مثل حركة الحريات فى مجتمع ما خلال إحدى الفترات التاريخية من خلال نظرة سريعة على الكاريكاتير فى تللك الفترة، فالكاريكاتير فن توثيقى يوثق الأحداث المهمة فى المجتمع، فالفراعنة هم أول من رسموا الكاريكاتير فى عصر الرعامسة وأول من جعلوا متاحفهم على حوائط المعابد ولولا ذلك لما عرفنا شيئا عن هذه الحضارة العظيمة. وأضاف عبد النعيم، أن الأمم صاحبة التاريخ تهتم بتوثيق تاريخها، ولهذا تلجأ الدولة التى لا تاريخ لها إلى البحث عن أى شىء وتقيم من أجله متاحف كبيرة للإيحاء بأنها صاحبة تاريخ، مثل الكيان الصهيونى الذى أنشأ فى بلدة بيت حانون بإسرائيل متحفا للكاريكاتير للاسف هو الوحيد فى منطقة الشرق الأوسط، وهناك جهود تبذل فى مصر لإقامة متحف كاريكاتير يتناسب مع حجم وتاريخ هذا الفن العريق لكنها للأسف جهود فردية وذاتية، فالفنان محمد عبلة قام بإنشاء متحف للكاريكاتير فى قرية تونس بالفيوم على نفقته الخاصة وهو رغم ذلك إلا أننى أعتبره متحفا لتاريخ الصحافة الفكاهية فى مصر وليس الكاريكاتير فقط ،حيث يضم جرائد ومجلات ساخرة قديمة مثل مجلة الفكاهة والكشكول وخيال الظل والبعكوكة ويحتوى رسومات منذ يعقوب صنّوع وحتى الجيل الحالى من الشباب، لهذه الأسباب ولغيرها الكثير أتمنى أن تتبنى الدولة هذا المشروع وتنميه بحيث يستوعب هذا التراث الضخم وتحمى الأصول المعرضة للتلف أو الدمار وتحمى حق الأجيال القادمة فى رؤية ودراسة هذا التراث العظيم جدا. أما الفنان التشكيلى الكبير د. محمد عبلة وصاحب متحف الكاريكاتير بالفيوم فيحدثنا عن متحف الكاريكاتير وأهميته قائلا: الفكرة جاءتنى منذ تعرفت على الفنان الكبير الراحل زهدى العدوى ولأنى كنت أحب فن الكاريكاتير وعندما سافرت إلى أوروبا بقيت الفكرة تلح علىّ وعندما ذهبت إلى سويسرا أقمت بجانب متحف الكاريكاتير بمدينة بازل، وما إن توافر لدى مكان قمت بتنفيذها فورا، واعتمدت على ما كنت أشتريه من لوحات كاريكاتيرية قديمة أو نادرة كما أهدانى الفنان أحمد عبد النعيم بعض اللوحات والمقتنيات الأصلية وساعدنى فى الحصول على الكثير من اللوحات لفنانين معاصرين وشباب. وأضاف عبلة قائلا: دائما ما أصطدم بالبيروقراطية عند تعاملى مع الوزارة وأنفق على نفسى وعلى المتحف من عائد لوحاتى، فالوزارة قدمت لنا الكتالوج فقط عند افتتاح المتحف، ثم لا شىء، وأنا لا أمتلك الوقت الكافى، ويحزننى أن المتحف الموجود فى إسرائيل ورغم كونه صغيرا جدا إلا أنهم يخصصون له ميزانية حوالى 750 ألف دولار بخلاف المرتبات والأجور. الفنان حسن فاروق عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للكاريكاتير يقول:مثلما أيقن القائمون على الحكم الآن فى مصر بأهمية البدء فى مشروع المحطات النووية لتوليد الكهرباء والذى يمثل أهمية كبرى لمصر فى توليد الطاقة الكهربائية التى هى عماد الدولة فى الصناعة وشتى مناحى الحياه ويساهم مساهمة كبيرة فى إقامة نهضة كبيرة وحقيقية فى حياة الشعب المصرى ويهدف لإنارة مصر، فهناك أيضا مشروع آخر لا يقل أهمية عنه ألا وهو إنشاء متحف لفن الكاريكاتير يليق بمصر وفنانى الكاريكاتير فى مصر، هذا الفن الذى كان ولا يزال له دوره البارز قبل ثورة 25 يناير 2011 المجيدة ثم ثورة 30 يونيه 2013 فى كشف زيف الادعاءات والفساد، ويساهم فى إنارة عقل المجتمع المصرى وتبصيره بالحقيقة، تلك الحقيقة التى دفعت الشعب المصرى للقيام بثورته العظيمة فلا أقل من أن تهتم الدولة بإنشاء متحف لفن الكاريكاتير يحفظ لمصر تراث روادها الكبار فى هذا الفن وكذلك الأجيال المتعاقبة، الذى تكاتفت عليه عوامل الزمن والإهمال وأتلفت جزءا كبيرا منه والمحفوظ بطريقة بدائية فى غرفة صغيرة تغمرها الرطوبة بالجمعية المصرية للكاريكاتير وتعرضها للتلف وتهدد إبداعات فنانى مصر العظام وروادها أمثال رائد فن الكاريكاتير ومؤسس الجمعية المصرية للكاريكاتير الفنان زهدى. وأضاف فاروق قائلا: إن فن الكاريكاتير مثلما فى بلاد العالم المتحضر يشكل رافدا كبيرا من روافد تشكيل وعى ووجدان وتاريخ هذه المجتمعات ويساهم مساهمة جادة فى النهوض بها تماما مثلما الطاقة الكهربائية تساهم فى بناء ونهضة المجتمعات لذا أقول أخيرا ادعموا فن وفنانى الكاريكاتير فى مصر وأنشئوا لهم متحفا يليق بهم وبأعمالهم .