هو ابن زياد بن معاوية بن ضباب من قبيلة ذبيان، يعده النقاد أحد أمراء الشعر وزعماء القول.. فقد كان من أحسن الشعراء ديباجة وأكثرهم رونقًا فى الكلام وأجزلهم فى أبيات الشعر، وكنى بالنابغة لسببين: الأول وهو الأرجح.. لأنه لم ينطق بالشعر إلا بعد ما بلغ من العمر أرذله وشاب الشعر منه، فقد نبع الشعر منه فجأة بعد مشيبه، كما أن شعره تميز بالجودة والفصاحة والقوة فى اللفظ وحسن التعبير.. لدرجة أن شعراء عصره وعلى رأسهم الخنساء والأعشى وحسان بن ثابت وغيرهم اختاروه «محكما» ومرجعا لهم، حيث كانت تنصب له «قبة» من الجلد فى سوق عكاظ.. ويأتيه الشعراء ليعرضوا شعرهم عليه.. فيقيمه ويجيزه.. ويعطى لكل شاعر رتبته بين أنداده. أما السبب الثانى: فقد قيل إنه سمى بالنابغة لأنه قال هذا البيت فى إحدى العشائر: وحلت فى بنى القين ابن جسر فقد نبغت لنا منهم شئون المهم أنه نبغ على قومه ومعاصريه بالشعر فى نهاية عمره.. فتسيد قومه، واحتكم إليه شعراء عصره. وكعادة الشعراء فى ذلك العصر (الجاهلى) مدح النابغة ملوك الحيرة فى العراق (المنازرة) وملوك الغساسنة فى الشام وغيرهم من الأمراء والشيوخ. ولكن المحطة الأساسية فى حياته الشعرية.. أنه كان صديقا ونديما للنعمان بن المنذر ملك الحيرة الملقب بأبو قابوس وقال فيه شعرا كثيرا.. كان النعمان يستحسنه دون سواه ويجزل له العطاء بسببه.. ومنها: متوج بالمعالى فوق مفرقه وفى الوغى ضيغم فى صورة القمر أخلاق مجد تجلت مالها مثل فى البأس والجود بين الحلم والخفر ولكنه تغزل بزوجة النعمان «المتجردة» وكانت شديدة الجمال، وكانت على علاقة بشاعر آخر هو المنخل اليشكرى، وقال فيها النابغة عندما أسقطت زرار جلبابها: سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد نظرت إليك بحاجة لم تقضها نظر السقيم إلى وجود العود وكانت هذه القصيدة سببا فى أن وشى به (غيرة وحسدا) شعراء الملك الآخرون ومنهم عبد القيس التميمى ومرة السعدى.. واستشهدوا ببعض أبيات أخرى قالها فى المتجردة.. ومنها قوله: زعم الهمام بأن فاها بارد عذب مقبله شهى المورد زعم الهمام ولم أذقه بأنه عذب متى ما ذقته قلت: أزدد هذا إلى جانب أبيات أخرى.. مثل قوله: وإذا طعنت فى مستهدف رامى المجسة بالعبير مقرمد وإذا نزعت عن مستحصف نزع الحزور بالرشا المحصد وإذا يعض تشده أعضاؤه عض الكبير من الرجال الأدرد وقالوا للملك.. لا يصف هذا الوصف الباطن إلا من جرب! فغضب النعمان على النابغة وهم بقتله ولكنه تمكن من الهرب وذهب إلى ملوك الغساسنة فى الشام واحتمى بهم وقال فيهم شعرا كثيرا.. ومنه: إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم عصائب طير تهتدى بعصائب جوانح قد أيقن أن قبيلة إذا ما التقى الجيشان أول غالب لا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب توارثن من أزمان يوم حليمة إلى اليوم قد جربن كل التجارب حيث أشار فى مدحه للغساسنة على انتصارهم على المناذرة، حيث قتل الحارث بن شمر ملك عرب الشام (الغساسنة) المنذر بن المنذر ملك عرب العراق (المناذرة) ونسبت المعركة إلى (حليمة) بنت الحارث بن أبى شمر، لأنها كانت تحرض عسكر أبيها على القتال، ويزعم بعض المؤرخين أنه بسبب شدة القتال.. ارتفع الغبار فى ذلك اليوم، وتكاتف حتى سد عين الشمس.. وظهرت الكواكب! وقد زعم المؤرخون أن الخليفة أبو بكر الصديق كان يقدم النابغة على غيره من الشعراء، وكان يقول إنه أحسنهم شعرا وأعذبهم بحرا، كما أن الخليفة عمر بن الخطاب أيضا كان يصفه بأشعر الناس.. وكان دائما يردد ما قاله النابغة ومنه.. قوله: إلى ابن محرق أعملت نفسى وراحلتى وقد هدت العيون أتيتك عاريا خلقا ثيابى على خوف تظن بى الظنون فوفيت الأمانة لم تخنها ومن يك فى نصابك لا يخون ولكن طوال ملازمة النابغة لملوك الغساسنة.. ناله ما ينال مصاحب السلطان، فلم يصف له العيش بينهم بعد موت ممدوحه الحارث بن عمرو الغسانى، فقد تنكر له خلفه بسبب سوء العلاقة بينه وبين قوم النابغة (ذبيان) وحلفائهم بنى أسد، وهو ما دفعه لأن يعود إلى بلاده وقومه فى الحجاز، ويستعيد ذكرياته مع ملوك المناذرة وأعطياتهم السخية، وما كان له عندهم من منزلة وتكريم، فعاوده الحنين للعودة إليهم فأنشد القصائد فى مدحهم.. والاعتذار لهم، والتنصل مما أشاعه عنه خصومه وحساده، ولجأ لأصدقائه من زعماء قبائل فزارة ليتشفعوا له عند الملك النعمان.. وكان يعلم أن الملك لا يرد لهم شفاعة.. فصفح عنه.. ومنحه ما تعود من أعطيات.. ومن ثم كانت قصائده الشهيرة بالاعتذاريات.. ومنها القصيدة التى مطلعها: يا دار مية بالعلياء فالسند أقوت وطال عليها سالف الأمد