شاعرنا هذه المرة هو حسان بن ثابت.. وقد كان من المعمرين فى الأرض.. حيث مات عن عمر يناهز ال 120 عاما، قضى الستين الأولى منها فى غياهب الجاهلية.. فخورا بنفسه وبقبيلته وكان هجَّاء وذا هيبة.. فهابته العرب وتجنبوا لسانه اللاذع والذى وصف بأنه يفلق الحجر. أما الستون الثانية من عمره.. فقد أنعم الله عليه بالإسلام فقضاها فى رحاب الهدى والنور مَدّاحا لرسولنا الكريم ولخلفائه الراشدين وآل البيت الكرام. ولقد لقب حسان بشاعر الأنصار فى الجاهلية.. حيث نشب قتال مرير بين الأوس والخزرج.. وكثرت الدماء من الجانبين، فتعالت الأصوات بضرورة الصلح.. ولكن قوم حسان.. بنى النجار رفضوا وقف القتال.. فازدادت الحرب اشتعالا وطلبت كل قبيلة من شاعرها أن يتقدم الصفوف مشجعا ومحفزا للمقاتلين، وفوجئ الجميع بشاعر الأوس.. قيس بن الحطيم يقول: تروح من الحسناء أم أنت معتدى وكيف انطلاق عاشق لم يزود وجيد كجيد الرئم صاف يزينه توقد ياقوت وفصل زبرجد ولكن حسان شاعر الخزرج لم يجر مجرى قيس الذى انشغل بالغزل حيث بادر مهاجما: لسانى وسيفى صارمان كلاهما ويبلغ مالا يبلغ السيف مزِودى وإنى لمعط ما وجدت وقائل لموقد نارى.. ليلة الريح أوقدى وإنى لحلو تعترينى مرارة وإنى لتراك لما لم أعودِ فلا تعجلن يا قيس واربع فإنما قصارك أن تلقى بكل مُهندِ المهم أنه بعد فترة تنادت القبيلتان بالصلح.. وحكموا والده ثابت المنذر وعملوا بحكمه، ثم تصادف أن زار حسان ملك الغساسنة عمرو بن الحارث.. فوجد عنده النابغة الذبيانى وعلقمة بن عبدة.. والملقب بالفحل حيث قارع أمرأ القيس فىبائيته الشهيرة كما خلفه على زوجته، ويتبارى الثلاثة فى مدح الملك.. فبدأ النابغة.. فأنشد: كلينى لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطىء الكواكب ثم تبعه علقمة بن عبدة: طحا بك قلب فى الحسان طروب بُعيد الشباب عصر حان مشيبُ وجاء الدور على حسان.. فأنشد يمدح الغساسنة: يغشون حتى ما تهز كلابهم لا يسألون عن السواد المقبل بيض الوجوه كريمة أجسامهم شمَّ الأنوف من الطراز الأول فصرخ الملك: هذا وأبيك الشعر.. وهذه هى البتارة التى بترت المدائح. *** هكذا كان حسان بن ثابت فى حياته الأولى.. صديقا للملوك مفاخرا بنفسه وبحسبه.. ولكن عندما انتشر الإسلام فى ربوع الحجاز. وهاجر النبى y إلى المدينة خرج حسان لاستقباله على رأس قبيلته.. يفخر بنصرة الأنصار للمهاجرين.. ويبدأ حياة أخرى مسلما مؤمنا.. سماهم الله أنصارا لنصرتهم دين الهدى وعوان الحرب تستعُر وجاهدوا فى سبيل الله واعترضوا للنائبات فما خابوا وما ضجروا فأنت الرسول فقل يا خير مؤتمن للمؤمنين إذا ما عدّل البشرُ وواصل حسان حياته الجديدة.. قريبا من الرسولصلى الله عليه وسلم.. مدافعا عن المؤمنين.. مهاجما للمشركين.. حيث قال بعد غزوة بدر: فلاقيناهم منا بجمع كأسد الغاب مُرْدان وشيب فغادرنا أبا جهل صريعا وعُتبه قد تركنا بالجيوب يناديهم رسول الله لما قذفناهم كباكب فى القليب ألم تجدوا كلامى كان حقا و أ مر الله يأخذ بالقلوب فما نطقوا ولو نطقوا لقالوا صدقت وكنت ذا رأى مصيب وبعد أن تم الرسول رسالته وانتقل إلى الرفيق الأعلى خلفه أول الخلفاء الراشدين أبا بكر الصديق.. فواصل حسان رحلته معه يذود عن الدين ويترحم على الشهداء.. وعندما توفى أبو بكر رثاه: إذا تذكرت شجوا من أخى ثقة فأذكر أخاك أبا بكر بما فعلا خير البرية أتقاها وأعد لها بعد النبى وأوفاها بما حملا والثانى الصادق المحمود مشهده وأول الناس منهم صّدقْ الرسلا وهكذا فعل مع عمر بن الخطاب أيضا بعد وفاته. حيث قال فيه: رؤوف على الأدنى غليظ على العدا أخى ثقة فى النائبات نجيب مطيع لأمر الله بالحق عارف بُعْيدَ الأنام عنده كقريب وعندما قتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان.. طالب حسان بالانتقام وبشر بالحرب رافعا شعار (يا ثارات عثمان): شدوا السيوف بثنى فى مناطقكم حتى يحين بها الموت من حانا لعلكم أن تروا يوما بمغبطة خليفة الله فيكم كالذى كانا لتسمعن وشيكا فى ديارهم الله أكبر يا ثارات عثمانا وامتد العمر بشاعرنا حسان بن ثابت.. حتى حضر خلافة على بن أبى طالب.. ولكن المرض كان قد أثقل كاهله فظل ينتظر الموت ليلحق بحبيبه النبى المصطفى ويهنأ بالجيرة العطرة: أقول ولا يلقى لقولى عائب من الناس إلا عازف العقل مبعدُ وليس هوائى نازعا عن ثنائه لعلى به فى جنة الخلد أخلدُ مع المصطفى أرجو بذاك جواره وفى نيل ذاك اليوم أشقى وأجهدُ