لم تكتف برامج اكتشاف المواهب الغنائية بكونها أصبحت الأكثر مشاهدة من بين كل البرامج، بل يبدو أنها فى الطريق لإزاحة جميع البرامج الترفيهية والسياسية الأخرى من طريقها لتصبح وحدها المسيطرة على الخريطة البرامجية للقنوات.. وعن تلك البرامج المنتشرة على معظم القنوات الفضائية المصرية والعربية تساءلنا عن أسباب سيطرة تلك البرامج على المشاهدين. ففى البداية قال المنتج محسن جابر الذى قدم تجربة لاكتشاف المواهب منذ سنوات، إنه لا يمكن ربط هذه البرامج بالحالة السياسية فى برامج التوك شو، «ذلك أن الفن والإعلام يحظيان باهتمام المشاهد على الدوام»، مشيرًا إلى أن لبرامج اكتشاف المواهب أدواراً تقوم بها، فى مقدمها إخراج طاقة الشباب الإبداعية وإظهار مواهبهم، «لا سيما أن كبت هذه المشاعر يؤدى بهم إلى طريق الإرهاب والعنف والإحباط، بالإضافة إلى أن الشباب الذين يشاهدون تلك المواهب يتحمّسون للبحث عن مواهبهم واكتشاف ذواتهم ما يجعلهم متفوقين وناجحين وبارزين». يضيف:«لهذه البرامج أهداف ربحية أيضًا، وهو ما يحتاج إليه المنتج ليكمل طريقه فى الفن والإعلام، فى ظل معاناة ومغامرات ومخاطر يتعرض لها تستلزم منه سيولة لازمة، على غرار الأزمات التى نعيشها حالياً». وأضاف أيضًا أن هناك أسبابا عديدة جعلت البرامج الغنائية تسحب البساط من تحت أقدام البرامج الأخرى، أولها مغالاة النجوم فى أجورهم، التى وصلت لحد الجنون، مما يجعل أقل تكلفة برنامج محترم من عشر حلقات تصل لثلاثة ملايين جنيه على الأقل، وهى الأموال التى لا تعوض عدم استقرار البلاد، الذى قد يضرب أى حلقة لاتجاه الأنظار نحو مظاهرة أو حدث سياسى أهم بنفس الموعد، كما أن النجوم ذاتهم يخافون من الظهور بأى برنامج ترفيهى، لردة فعل الجمهور، التى لا تتقبل الفكرة أحياناً، فى حين أن تركيبة الغناء مختلفة، لأن ما يحصل عليه نجوم الغناء يعوض بعوائد الإعلانات مع كم المشاهدات الكثيرة، التى ملت من «رغى التوك شو» طوال الوقت، ومن ثم تسمع الغناء أو ترى مواهب. ويقول منير الوسيمى إن تركيز الجمهور على البرامج الغنائية وانصرافهم عن متابعه التوك شو السياسى لأنها جذبته بتقنيتها العالية وأفكارها المتميزة، لذا نجحت فى العالم كله الذى ركز عليها قبلنا.. وأضاف: تلك البرامج أصبحت المتنفس للمشاهد وسط الحياة السياسية التى طغت على تفاصيل حياته. ويقول الناقد محمود قاسم إن تلك البرامج تتاجر بطموح الشباب العربى الذى يريد الانفتاح على الدنيا من خلال المشاركة فى هذه البرامج، مؤكداً أن الجمهور الذى يتابعها يريد هو الآخر الانفتاح وتناسى همومه السياسية والمادية، فى ظل تدهور الأوضاع فى العالم العربى، لذا يتحمس لهذه النوعية من البرامج، ويتعامل معها كأنه هو الذى سيكسب لقب البرنامج فيشاهده كأنه أمر شخصى يخصه هو بالذات. ويضيف هذه البرامج تجارة رائجة ولها محترفوها الذين يجيدون جذب انتباه المشاهدين، رغم الظروف العصيبة التى تمر بها المنطقة العربية، لذا لم يصح توقع المتابعين بأن هذه البرامج ستفشل فى جذب المشاهدين، بل أثبتت التجربة العكس مع نسبة إعلانات ضخمة واتصالات هائلة يلاحظ أن هذه العوامل أظهرت صانعى تلك الأعمال محترفين ويجيدون عملهم ونجحوا فى التغلب على الصعوبات، مشيراً إلى أن ما يسهل مهمة هؤلاء المنتجين أن نسبة من الشعب العربى مغيبة ولا تدرى ما يحدث فى الوطن. ويقول د. صفوت العالم أستاذ الإعلام بجامعة القاهره إنه أصبح تركيز كل القنوات حالياً منصباً على البرامج السياسية، التى تهتم بالشئون العامة ولم تشبع حاجة الجمهور فى جميع الأمور الحياتية الأخرى، فبدأوا فى اللجوء إلى البرامج الجاهزة، مثل «آراب أيدول» و«آرابس جوت تالنت» كنوع من «الاستسهال»، وهذا يعكس عدم قدرة القنوات الفضائية والحكومية أيضاً على الإبداع والإنتاج، والآن ومن كثرة هذه النوعية من البرامج أرى أنها أصبحت متشابهة وبعد وقت لن تنجح بالصورة التى نجحت بها من قبل.