الخميس القادم تمر ذكرى اليوم العالمى لمكافحة الفقر، تجىء الذكرى ونسبة الفقراء تزداد دون أن يكون هناك أمل فى وضع حد لمأساة هؤلاء الذين يموتون من الجوع يوميًا بسبب عدم قدرتهم على تلبية أبسط متطلبات العيش من الطعام والشراب. ومنذ عام 1993 تحتفل الأممالمتحدة باليوم العالمى لمكافحة الفقر، بهدف تعزيز الوعى بشأن الحاجة إلى مكافحة الفقر، والفقر المدقع فى كافة بلدان العالم. وفى مصر كشف الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء أن نسبة الفقر بلغت 25.2% من إجمالى السكان خلال عامى 2010 - 2011، مشيرًا إلى أن قيمة خط الفقر للفرد فى السنة بلغت 3076 جنيها، بما يعادل 256 جنيهًا شهريًا، حوالى 8.5 جنيه يوميًا. ونسبة الفقر فى مصر لا يستهان بها، والغلاء يهدد بدخول شرائح جديدة لدائرة الفقر. فالمصريين فى الأحياء الفقيرة يكافحون من أجل رغيف العيش، ويفتقر غذاء الأطفال إلى البروتين، وأن الخبز والنشويات تشكل الطعام الأساسى. وما يزيد على نصف الأطفال دون الخامسة يعانون فقر الدم - الأنيميا - فى تسع محافظات مصرية. وكلنا نعلم أن الطعام يأتى فى المرتبة الأولى من حجم إنفاق الأسرة المصرية وبخاصة فى الأسر الفقيرة، ولذا فهم أكثر عرضة لتقلبات الأسعار والغلاء. وتستحوذ محافظات الوجه القبلى على أعلى نسبة للسكان الفقراء وعلى رأسها محافظة أسيوط. ونصف الفقراء يعملون فى الزراعة، وإصلاح القطاع الزراعى أحد أهم ميادين مكافحة الفقر. كما أن عدم وجود صرف صحى لا يزال مشكلة تواجه معظم القرى وبالأخص الأكثر فقرًا. وقد أعرب برنامج الأغذية العالمى التابع للأمم المتحدة عن قلقه لارتفاع معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائى بين المجتمعات الأكثر ضعفًا فى مصر، بسبب تدهور الحالة الاقتصادية التى تواجهها البلاد. وإذا كانت البرامج الخاصة بمساعدة الفقراء ومحدودى الدخل تعتمد على تحسين أوضاعهم المعيشية، تأمين الغذاء والكساء، وتوفير التعليم المناسب، فإن الأمر الأكثر أهمية هو العمل على إيجاد وتنمية مصادر جديدة للدخل للفقراء ومحدودى الدخل، وهذا الموضوع لن يحل عن طريق المؤسسات التقليدية القائمة سواء كانت خيرية أو تمويلية. ولكن لنا أن نستفيد من تجارب الآخرين فى هذا المجال، فكلنا سمعنا عن د.محمد يونس أستاذ الاقتصاد فى بنجلادش والحائز على جائزة نوبل عام 2006، والذى أسس بنك الفقراء فى بنجلادش عام 1976، والذى أقرض أكثر من 10 ملايين فرد منذ بداية عمله. وفكرة بنوك الفقراء تعتمد على الإقراض متناهى الصغر، فالتمويل متناهى الصغر أصبح أداة قوية للتخفيف من حدة الفقر ورفع مستوى المعيشة وخلق فرص العمل، فينتقل الفقراء مع التمويل الأصغر من خانة العوز إلى البدء فى الادخار. وفى عالمنا العربى هناك نماذج ناجحة من بنوك الفقراء، ففى مارس 2006 افتتح رسميًا البنك الوطنى الأردنى، لتبدأ بنوك الفقراء فى الأردن فى عام 2008، وأصبح بنك الفقراء فى الأردن اسمه البنك الوطنى، وفى اليمن اسمه بنك الأمل، وفى البحرين بنك الإبداع، وذلك نظرًا لحساسية القادة والحكام العرب تجاه اسم الفقراء. وقد جاء إنشاء هذه البنوك كفكرة للأمير طلال بن عبد العزيز رئيس برنامج الخليج العربى للتنمية فى التسعينيات من القرن الماضى. وقد أكد الأمير طلال أن مصر بحاجة لأكثر من بنك فقراء يطبق آلية الاقتراض متناهى الصغر، بعد أن حقق المشروع نجاحًا كبيرًا فى الأردن وسوريا واليمن والبحرين. وقد تم رفض الفكرة من قبل نظام مبارك، وظلت مصر بدون بنك للفقراء. ولكن كانت هناك محاولة لإنشاء صورة من بنك الفقراء تحت اسم «مؤسسة الأمل» لكنها تحولت إلى ما يشبه البنك التقليدى لأن فوائدها على القروض كانت نسبتها 8%. والآن فإن فقراء مصر فى أمسّ الحاجة لوجود بنك للفقراء تحت أى مسمى لا يجرح كرامتهم أو يشعرهم بمهانة من أى نوع. وقد أثبتت التجارب فى الدول الأخرى أن من يحصلون على قروض من بنوك الفقراء يقومون بالسداد بنسب تتجاوز ال 90% وتصل أحيانًا إلى 95% وهى نسب تتجاوز كل البنوك التقليدية. وقد كتبت فى مقالى الأسبوع الماضى عن فكرة «مؤسسة تكافل المصريين» والتى تقوم على تبرع كل مصرى قادر ب «جنيه واحد يوميًا» وأن هذه الفكرة لو كتب لها أن ترى النور سيكون لدى المؤسسة سنويًا نحو 15 مليار جنيه تستطيع أن تكافح الفقر وأن تغير وجه الحياة فى مصر المحروسة. ولا حاجة لأن نؤكد أن هناك كثيرًا وكثيرًا من المصريين يعيشون حياة بائسة، يعانون ألم الجوع ومرارة الحرمان، لكن العيش فى الفقر لا يعتبر شيئًا حتميًا، فيمكننا مكافحته والتغلب عليه.. إذا توحدت الجهود وصدقت النوايا.