على المسرح السياسى الدولى تتشكل من جديد إحداثيات لعبة النفوذ العالمى إما بظهور لاعبين جدد أو عودة لاعبين قدامى وآخرين قد قنعوا بدور السنيد للبطل ويقع على عاتقهم فقط تمهيد الطريق أمام الحركة الأخيرة للبطل ليكون الفوز أو الهزيمة والأمر متروك هنا لبراعة اللاعب ومهارة خصومه. وتصف الكاتبة جانيت ديلى فى صحيفة الديلى تليجراف البريطانية معلقة على الاتفاق الروسى_الأمريكى الأخير بأنه (لعبة) يؤدى فيها الرئيس الأمريكى أوباما دور لاعب الشطرنج الذى يحرك قطعة على الرقعة بمرونة مغرضة، أما اللاعب المنافس وهو هنا الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فإنه يلعب كمقامر بوجه ثلجى الملامح لا يفصح عن خطواته التالية كى يجهز على خصمه الذى انفرد لسنوات بقيادة قطبية أحادية للعالم ويعلن بوتين بقوة عن عودته كى يعيد التوازن للمشهد العالمى فى حين يرى عدد من الخبراء أن كلا من بوتين وأوباما قد كسبا المعركتين الدبلوماستين السورية والإيرانية، فقد نجح بوتين فى العودة بقوة عالمياً وحصل أوباما على ذريعة لتأجيل الضربة العسكرية لسوريا والتلويح من جديد بالملف النووى الإيرانى. ومن يتابع المشهد منذ بزوغ نجم بوتين كرجل مخابرات وظهوره المفاجئ على الساحة يتأكد من عزمه على استعادة النفوذ الروسى القديم والعودة لما قبل الحرب الباردة الروسية الأمريكية مع الاستفادة من دروس الماضى وعدم الانسياق لسباق التسلح واستغلال أخطاء خصومه لإحراز انتصارات متتالية يشهد بها أعداؤه قبل حلفائه. ومعروف أن بوتين اختاره الرئيس بولس يلتسين أواخر التسعينيات لقيادة روسيا عقب تفكك الاتحاد السوفيتى وانتهاء الحرب الباردة الروسية الأمريكية وانفراد القطب الأمريكى بقيادة العالم بالإضافة لسقوط البلاد تحت وطأة انهيار اقتصادى واجتماعى خطير وتفشى الجرائم والصراعات المسلحة. وقد بدأ بوتين فى استغلال الدخل المتزايد من بيع الطاقة فى إعادة تعمير بلاده ومضاعفة الموازنة العسكرية وتزويد قواته المسلحة بأكثر المعدات تطوراً ليعود الدب الروسى بقوة لمكانته كقوة معادلة لخصمها الأمريكى اللدود، وفى نفس الوقت حرص على استثمار تجاوزات الإدارة الأمريكية لتحقيق مكاسب دبلوماسية لتتصاعد أصوات المؤيدين له المطالبة بحصوله على جائزة نوبل للسلام هذا العام واستردادها من الرئيس الأمريكى أوباما الذى يهدد دائماً باللجوء للحل العسكرى لانهاء كافة الصراعات والحروب الدائرة فى الشرق الأوسط بالإضافة لتضارب الأراء و التصرفات خلال فترة أوباما الثانية وتدنى شعبيته مما قد يعجل برحيله مبكراً من المكتب البيضاوى، فكثرة أخطائه رغم حساسية منصبه تسببت فى وضع العالم كله نهباً للقلق من انفراد وحيد القرن بقيادة العالم وتزايدت فى المقابل شعبية بوتين وأصبح هناك ترحيب عالمى بعودة الدب الروسى لمكانته القديمة بعد أن فقد العالم الأمل فى قيام الصين وأوروبا بهذا الدور نظراً لاتباع الصين نهج المقايضة فى المواقف بهدف تحقيق مكاسب اقتصادية على حساب مكاسبها السياسية لحل مشكلاتها الداخلية أما الاتحاد الأوروبى فقد فشل فى اتخاذ موقف جماعى قوى يدعم حضوره عالمياً لوجود صراع مصالح بين أعضائه. وهكذا عاد الصراع القديم بإحداثيات جديدة بين الدب الروسى الذى استعاد أنيابه ومخالبه والعقاب الأمريكى الذى فقد حدة إبصاره نتيجة قراءة خاطئة للأحداث تجعل من المستحيل انتصار طرف على الآخر، وفى النهاية السياسة هى لعبة المصالح والطموحات ولا تخضع فقط للأنياب والمخالب.