عندنا فى مصر مَثَل يقول: ما الذى جمع الشامى على المغربى؟.. والمعنى هو الدهشة من اجتماع اثنين تباعد بينهما المسافات ولا يجمعهما رابط ولا صلة ومع ذلك يجتمعان.. لابد أن هناك سببا قويا.. لابد أن هناك سرا!.. والشامى والمغربى اللذان أتحدث عنهما هما الأمريكى وليام بيرنز نائب وزير خارجية أمريكا والقطرى خالد العطية وزير خارجية قطر.. والاثنان لم يجتمعا فى بلادهما ولكنهما اجتمعا فى القاهرة لبحث شأن مصرى خالص.. والاثنان يقولان إنهما جاءا إلى مصر للبحث عن حل للأزمة الطاحنة التى تشهدها وأنهما يسعيان إلى تجنيب البلاد إراقة الدماء عن طريق التفاوض بين الحكومة والإخوان. المفارقة أن أمريكا وقطر هما أكثر دول العالم انحيازا ودعما للإخوان.. ومن حقنا بعد ذلك أن نتساءل: ما الذى جمع الشامى على المغربى؟! وإذا بدأنا بالأمريكى وليام بيرنز فسنجد أنه جاء إلى مصر قبل أكثر من ثلاثة أسابيع.. وكان واضحا أنه جاء يحمل تهديدا للجيش المصرى وللحكومة المصرية لإعادة الرئيس المعزول محمد مرسى إلى قصر الاتحادية.. وقد سبق مجيئه تصريحات سلبية ومحبطة (لرئيسه) جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى الذى كان فى جولة بالمنطقة تجاهل خلالها زيارة مصر فى إشارة واضحة إلى عدم رضا الولاياتالمتحدة عما فعله الجيش المصرى!. فى نفس التوقيت تقريبا كانت السفيرة آن باترسون سفيرة أمريكا فى القاهرة تقوم بالواجب وتحاول الضغط على الفريق أول عبد الفتاح السيسى وتتحدث عن الشرعية التى اعتدى عليها الجيش المصرى!. كان واضحا أن الولاياتالمتحدة تسبح بقوة ضد تيار الإرادة الشعبية المصرية.. الصحف الأمريكية نفسها اعترفت بذلك. صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية على سبيل المثال قالت إن جماعة الإخوان المسلمين تواجه رفضا شعبيا واسعا بدأ بإحباط المصريين من فشل الرئيس المعزول وجماعته فى إدارة البلاد.. ثم انصب هذا الرفض على مؤيديهم فى الشارع لدرجة تعرض كثير ممن يطلقون لحاهم للسخرية والإهانة والاعتداء أحيانا فى الطرق والمواصلات العامة. وقالت الصحيفة إن إحباط المصريين بدأ منذ عدة شهور بسبب تدهور الاقتصاد وإصرار الجماعة على الاستثئار بالسلطة والهيمنة على مل مؤسسات الدولة.. ثم تحول الإحباط بعد سقوط مرسى - كما تشير الصحيفة - إلى غضب شديد ضد الجماعة وكل من يناصرها. وتعترف مجلة "فورين بوليس" الأمريكية أن المصريين أصيبوا بإحباط وسخط شديدين من طريقة إدارة مرسى للبلاد ودللت على ذلك باستقصاء أظهر انعدام ثقة المصريين فى مرسى وحزبه وانخفاض شعبيته فى شهرى مايو ويونيو حتى بين من صوتوا له فى الانتخابات الرئاسية.. وحسب الاستطلاع فإن غالبية المصريين يعتقدون أن حياتهم لم تشهد تحسنا منذ تولى مرسى الرئاسة.. وقال 63% إن حياتهم ازدادت سوءا بينما رأى 48% أن الإخوان يتحملون المسئولية عن حالة الاستقطاب الحالية فى البلاد. وأشارت الصحيفة إلى نتائج بحث أجراه مؤخرا مركز "جالوب" تطابقت نتائجه مع الاستقصاء.. إذ أكد أن 72% من المصريين رأوا خلال شهرى مايو ويونيو الماضيين أن أداء الحكومة السيئ لم يكن متوقعا لهم.. وهو ما أفقدهم الثقة فيها. وقارنت المجلة الأمريكية بين تدهور شعبية الإخوان واحتفاظ الجيش بشعبيته والذى لم تهبط ثقة المصريين فيه عن 88% فى أسوأ مراحلها فى نهاية عام 2011. شهد شاهد من أهلها كما يقولون.. والشاهد هو الصحافة الأمريكية التى تمثل للإدارة الأمريكية جزءًا أساسيًا من مصادر معلوماتها.. ومع ذلك سار الرئيس الأمريكى أوباما هو وإدارته فى عكس الاتجاه متحديا رغبة وإرادة الشعب المصرى وهو ما دعا الفريق أول عبدالفتاح السيسى إلى انتقاد الرئيس الأمريكى بشدة فى تصريحاته لصحيفة "واشنطن بوست" والتى قال فيها موجها حديثه لأوباما: لقد تركت الشعب المصرى وأدرت ظهرك للمصريين.. ولن ينسوا أبدا هذا!. هل أدركت الإدارة الأمريكية حجم أخطائها؟.. هل تراجع الرئيس الأمريكى عن موقفه؟ *** للمرة الثانية يجىء وليام بيرنز للقاهرة.. وقبل ساعات من وصوله يطلق وزير الخارجية الأمريكى تصريحات تهبط كالصفعة القوية على وجه جماعة الإخوان!. قال جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى إن الجيش المصرى لم يستول على السلطة بل إنه خرج ليستعيد الديمقراطية. الكلام اعتراف صريح بأن الجيش المصرى لم يقم بانقلاب عسكرى وإنما قام بدعم إرادة الشعب المصرى.. والكلام فى هذا التوقيت الذى يسبق الزيارة الثانية لنائب وزير الخارجية الأمريكية للقاهرة هدفه بالطبع تدعيم موقفه ومساعدته فى الحصول على نتائج من مفاوضاته فى القاهرة.. نتائج لم يحصل عليها فى زيارته الأولى!. ما الذى يسعى إليه وليام بيرنز؟!. نائب وزير الخارجية الأمريكى يزعم أنه جاء إلى مصر من أجل التفاوض على إنهاء الأزمة بدون عنف وبدون إراقة دماء.. ويقول إن الإخوان متمسكون بعودة الرئيس المعزول محمد مرسى.. والحقيقة أن كلام بيرنز بعيد عن الحقيقة!. صحيح أن وليام بيرنز جاء إلى القاهرة للتفاوض لكنه لم يأت للتفاوض إلى تجنيب مصر إراقة الدماء كما يزعم ولا لإقناع الإخوان بعدم تمسكهم بمسألة عودة الرئيس المعزول.. وإنما هدفه الحقيقى هو الضغط على الجيش والسلطة فى مصر لضمان خروج آمن للرئيس مرسى وكل قيادات جماعة الإخوان وضم الإخوان إلى العملية السياسية.. كل ذلك مقابل فض الاعتصامات. ونأتى للدور القطرى.. خالد العطية وزير خارجية قطر.. لماذا جاء إلى مصر ولماذا اجتمع بوليام بيرنز؟.. هو يقول إنه جاء لنفس هدف بيرنز.. منع العنف وإراقة الدماء.. لكن الحقيقة أنه جاء للضغط على الحكومة المصرية وإغرائها بصفقات الغاز وغيرها لنفس السبب.. الخروج الآمن لمرسى وجماعته وانضمام الإخوان للعملية السياسية فى مصر!. لماذا اجتمع الشامى والمغربى؟! لماذا اجتمع بيرنز الأمريكى وخالد العطية القطرى على هدف واحد ومن أجل هدف واحد.. الخروج الآمن لمرسى وجماعته واشتراك الإخوان فى العملية السياسية فى مصر؟.. السبب واضح فالخروج الآمن يضمن عدم فتح ملفات كثيرة سيتم فتحها إذا تم التحقيق مع مرسى وقادة الجماعة.. ملفات ستكشف حقيقة المؤامرات التى قامت بها أمريكا وقطر ضد الشعب المصرى بالاتفاق مع الإخوان.. أما الإصرار على إشراك الإخوان فى العملية السياسية فإنه يضمن أن يستمر باب الأمل مفتوحا لتنفيذ المخططات الأمريكية فى مصر والمنطقة!. إذا عرف السبب بطل العجب كما يقولون!. *** مصر تواجه تحديا قويا وصعبا.. إما أن ترضخ للضغوط وتوفر خروجا آمنا لمرسى وقيادات الإخوان.. وإما أن تتمسك بالقانون وتحاسب الذين أراقوا دماء أبنائها. الشعب حدد اختياره.. وأظن أنه ليس فى وسع الحكومة أن تخالفه!