يعود «التدين» فى مصر بجذوره إلى ما قبل المسيحية ويستمد قوته من مخزون هائل بالتركيبة المصرية التى يمتزج فيها النيل بالوادى والصحراء وتضم مصر واحدا من أكبر التجمعات الصوفية النشطة فى العالم الإسلامى هذا التجمع الذى يحافظ على أساليب التأمل الذاتى التى تحيط بالطرق الصوفية منذ أكثر من ألف سنة. وعلى الرغم من أن الجماعات الصوفية تواجه انتقادات من المفكرين التقدميين وأيضًا من المسلمين المتشددين فإن علاقاتهم مع دوائر السلطة تبدو أحسن بكثير مما كانت عليه قبل خمسين سنة والحقيقة أن هذه الجماعات تتشكل من أعداد غفيرة من قاطنى التجمعات الزراعية وهى جماعات لا تهتم بالدعاوى الإسلامية المتشددة كما ساهمت فى عدم انزلاق مصر إلى مستنقع التشدد الدينى. يروى الدكتور نيكولاس بيخمان سفير هولندا السابق فى القاهرة رحلته عام 1986 داخل مصر للتعرف على الموالد وعلى أهل الطرق الصوفية وكشف التشابه بين التدين فى الإسلام والمسيحية وبين عادات المسلمين والمسيحيين المتشابهة فى الاحتفالات بموالد الأولياء والقديسين وأوضح أن تعرف على عالم الأولياء والقديسين الذين لا هم لهم إلا مساعدة الناس والتخفيف من آلامهم والشد من ازر الضعفاء فى الأرض والحقيقة أن رحلة نيكولاس هى محاولة لتقريب بعض المنتمين إلى الغرب من فهم بعض الأشياء التى يشاهدونها فى الموالد التى يزورونها. و فى رحلة بيخمان يشير إلى أنه غالبا ما يكون لكل قرية مصرية «ولى» أو أكثر يبنى له مقام وتحظى المدينة بأكثر من ولى بينما يوجد عشرات من هذه المقامات والأضرحة فى القاهرة. ومن المعروف أن الموالد تقام فقط للأموات من الأولياء أو القديسين إلا أن هناك موالد أيضًا تقام لأولياء وهم أحياء وربما أشهرها مولد الشيخ موسى المقيم بالكرنك حيث كان يقام له مولد كبير ابان حياته فى بداية شهر رجب. وتجتذب الموالد أعدادًا قد تقارب المليون فى بعض الأحيان وتقام الموالد عادة فى الأحياء الشعبية أو فى الساحات البعيدة عن الأماكن المطروقة ولفترة تتراوح من أسبوع إلى أسبوعين ولكل مولد موعد خاص به خلال السنة ويختفى المولد بعد الليلة الكبيرة دون أن يترك أثرا ويوجد فى مصر من خمسة آلاف إلى ستة آلاف قرية ومن النادر أن توجد قرية دون أن يكون فيها ضريح أو مقام لولى من أولياء الله أما فى المدن فيوجد أكثر من ضريح وأكثر من مقام ومعظم هذه الأضرحة والمقامات تكون مركزا ينبثق منه المولد لذا يمكننا أن نستنتج بثقة أنه من الصعب وجود يوم ما دون ان يقام فيه مولد ل «ولى» مسلم فى مكان ما فى مصر. أما الخيام فخيمة تخصص لخدمة رواد المولد وضيوفه يقدم فيها الطعام والشاى المجانى والطعام عنصر مهم من عناصر المولد كما أن توزيع الطعام على الفقراء نوع من التبرك وتضاء الموالد ليلا بالمصابيح المثبتة على أقواس النصر والزينات يقوم المنشدون باختبار مكبرات الصوت بترديد لفظة الله أكثر من مرة و لا تخلو الموالد من الحلويات على هيئة عروس المولد أو أبو زيد الهلالى فوق صهوة جواده وسيفه مشرع فى يده و وتنتشر هذه الأنوع من الحلويات فى القاهرة فى المولد النبوى فقط وتصنع هذه الأشكال من الخشب فى الحسينية بالقرب من باب الفتوح ويلبسونها ثيابا ملونة جميلة من الورق. أما فى الصعيد فيهم ما يميز موالده الرماح وسباق الخيل ولعبة التحطيب بالإضافة إلى الزفة وفى الصعيد تسمى بالدارة أو اللفة ويقف فيها شيخ السجادة أو نائبه ممتطيا حصانه وأحيانا معتليا جملا يجلس تحت هودج من الثياب التى تغطى الضريح بعد ذلك وأكبر الزفات هى زفة الطريقة الرفاعية وزفة سيدى البيومى. وفى الصعيد عادة تنطلق المواكب فى نهاية ساعة ما بعد ظهر يوم الليلة الكبيرة أو تنطلق مباشرة بعد صلاة الظهر فى اليوم التالى لليلة الكبيرة فى الدلتا أما فى الإسكندرية تنطلق الزفات بعد صلاة العشاء لتبدأ بها الليلة الكبيرة كما تقام زفات مصغرة للصبيان بعد إجراء الطهور. «مولد السيدة» ويروى أحد المعتادين المشاركة فى مولد السيدة زينب أنه بعد أذان الفجر يجد المريدين فجأة نقودا تنهمر من فوقهم تحوى عملات ورقية مكتوب عليها «كل عام وانتم طيبين بمناسبة مولد السيدة الكريمة السيدة زينب» كما يتم الكتابة على النقود الورقية فى بعض الأحيان ميعاد الموالد المقبلة ويحتفظ الناس بهذه النقود كنوع من البركة وتقام الموالد فى مصر على مدار العام وحتى فى شهر رمضان وفى الإسكندرية وحدها يقام ما لا يقل عن ثمانية عشر مولد. والموالد ليس لها مواعيد ثابتة كما أنها تختلف أحيانا تبعا لتغير السنة الشمسة والسنة القمرية كما أن هناك موالد تقام تبعا لخلو الأرض من الزراعة مثل المولد الذى يقيمة الشيخ زاهر لجده مؤسس الطريقة حيث يقيمه فى شهر أكتوبر؛ لأن الأرض تكون غير مزروعة وقتها ومولد أبو الحجاج الذى يقام فى منطقة كنيسة الدهرية بعد موسم جنى القطن كما أن مولد النبى صالح فى سيناء تختلف مواعيده السنوية طبقا لحركة انتقال القبائل. ومن أشهر الموالد التى تقام فى القاهرة مولد فاطمة النبوية والسلطان أبو العلا ومولد الحسين والسيدة سكينة والسيدة نفيسة والسيدة رقية وعلى زين العابدين واحمد الرفاعى ومولد السيدة زينب والإمام الشافعى وحسن الأنور والسيدة عائشة وفى طنطا السيد البدوى، أما فى الإسكندرية فتوجد خمسة موالد فى خمسة أسابيع متتالية هى المرسى ابو العباس وسيدى جابر وسيدى بشر وسيدى كمال وسيدى محمد الرحال أما فى الصعيد فتقام ستة موالد رئيسية أهمها مولد أبو الحجاج وأبو زيد البسطامى والشيخ عزب ومولد عبد الرحيم القناوى والأمير غانم وسيدى الامير. «الطرق الصوفية» وبعد مرور الطرق الصوفية باعلامهم وموسيقاهم وأوشاحهم وشاراتهم تسير عربات تحمل مجموعات من البشر ترتدى كل منها ملابس الحرفة التى يعملون فيها أو بعض الملابس الملونة وعربات أخرى يجر كل منها حصان أو حمار تحمل ثلاثين طفلا أما النساء فيرتدين ملابس المهرجان الملونة وأثناء المولد يشعل الناس المصابيح والشموع فى مقامات الأولياء. و يعتبر البعض أن الموالد بدعة فى الإسلام ويدور الجدل حول ما اذا كانت بدعة حسنة ويطالب الإسلاميون المتشددون بمنع إقامة الموالد على الإطلاق وظهر هذا جليا فى الثلاثينيات والأربعينيات أما الآن فالأمر اختلف إلى حد كبير حيث تحظى الصوفية وطرقها بتعاطف كبير من أجهزة الدولة ولم تعد السلطات الأمنية تعرقل إقامة الموالد بل اعترفت بها عن طريق إرسال ممثليها لحضور الموالد الرئيسية. ويستغل أهل الطرق الصوفية فى مصر الموالد ليعلنونا عن وجودهم حيث يعتبر الصوفى المحبة فوق القانون وروح النص فوق حرفيته. ويتمحور النشاط الأساسى للجماعات والطرق الصوفية حول الذكر الذى يمارسونه جماعة ويصاحبه إيقاعات الطبول والناى والمزمار ويقف الرجال فى صفين متقابلين وأحيانا توجد بعض النسوة ويقفن على مسافة من الرجال الذين مع بعضهم بعضا ويتحركون متمايلين إلى الأمام وإلى الخلف ومع تزايد ايقاع الموسيقى فإنهم يتمايلون إلى اليمين وإلى اليسار، بينما تبقى أقدامهم ثابتة على الأرض ووسط الصفوف يقف الشيخ أو من ينوب عنه يقود الذاكرين فى إيقاعهم مصفقا بيديه فيغير اتجاه أجساد الذاكرين وإيقاعاتهم.