لا يختلف الفيلم المتواضع الممل الساذج الذى يحمل اسم (31/12) عن فزورة «مَنْ القاتل أو الجانى؟!) التى كانت تقدمها الإذاعة المصرية قبل صلاة الجمعة، ثم تطلب من المستمعين البحث عن الحل وإرساله بعد الصلاة، وفى المساء يتم الكشف عن الجانى. فى الفيلم البدائى الذى كتبه سامح أبو الغار وقام بمعالجة السيناريو أى تصليحه مصطفى السبكى، يكاد يكون فعلا مجرد مسامع إذاعية متتالية، لن تفتقد شيئا إذا أغمضت عينيك، ولم تر ما يحدث على الشاشة، اللهم إذا كنت لا تعرف شكل سامى العدل أو عُلا غانم أو إدوارد. جريمة قتل فى أول الفيلم، ثم استدعاء للشهود لكى يحكى كل منهم لضابط الفيلم علاقتهم بالقتيلة، وفلاشات متتالية تصيبك بالصداع، وبالطبع يصبح كل واحد من المشبوهين، ويجد الفيلم لكل منهم مبررًا للقتل، وفى آخر المطاف يكشف الفيلم عن القاتل، وربما كان ينقصه أن يقدم جائزة لمن نجح فى الحل كما كان يحدث فى الإذاعة! هذا فيلم فقير فنيا إلى درجة مزعجة، يبدأ الفقر من اسم الفيلم العجيب، اعتقدت لأول وهلة أن (31/12) هو موعد عرض الفيلم فى صالات السينما، فلما بحثت عن اسم الفيلم لم أجد سوى مساحات واسعة من اللون الأسود المُدلّهم تحيط بالأبطال والبطلات الواقفين والواقفات، لم يعد أمامى سوى التسليم بأن (31/12) هو اسم الفيلم نفسه، وأن المقصود هو آخر أيام السنة الذى ستقتل فى نهايته بطلة الفيلم «نورا» «عُلا غانم» بعد حفلة أقامتها لوداع العام الماضى، واستقبال العام الجديد، وطبعًا ستحوم الشبهات حول الذين حضروا الحفلة، ورغم أن القتل لم يقع فى حديقة الفيلا الخاصة بالقتيلة فى الساحل الشمالى، ورغم أننا لن نشاهد الحفلة إلا فى المشاهد الأخيرة، إلا أن صُناع الفيلم لم يجدوا عنوانا أفضل، حتى ولو كان هذا العنوان هو «مَنْ الجانى؟». إدوارد هو الضابط «رستم» الذى يحقق فى الجريمة التى وقعت فى قرية سياحية بالعين السخنة، وكل ما يفعله طوال الفيلم هو الجلوس فى مكتبه، ومطالبة مساعده الضابط أيضًا بأن يكمل الإجراءات، ويقوم بتفريغ موبايل القتيلة، ويقول كلمتين بالعدد لكل مشتبه به من أصدقاء القتيلة، تقترب الكاميرا فى كل مرة من الشاهد، ويُستخدم مؤثر بصرى أقرب إلى فلاش كاميرا التصوير، نشاهد جانبًا من حكاية الشاهد مع القتيلة، نعود من جديد إلى المكتب لنستمع إلى كلمتين من الضابط وهو يسأل شاهدا جديدا، فنعود مرة أخرى إلى الماضى وهكذا، شىء ممل وعقيم وفاتر، وقليل جدًا من المشاهد الخارجية فى قرية سياحية، وفيما عدا ذلك ننتقل من مكتب فى مديرية أمن السويس إلى صالة فى فيلا، ومن صالة فى فيلا إلى حجرة للنوم، ومن حجرة للنوم إلى مكتب لرجل أعمال، وفى كل مرة يتكرر نفس المعنى برسم ملامح امرأة مستهترة تريد المال فقط لدرجة أنها تصر على الزواج ضد رغبة أهلها من أحد المعلمين الأثرياء، ولكنه يسىء معاملتها هو وأمه، فتنطلق الست نورا إلى عالم الأثرياء، تلجأ إلى صديقتها لمياء «مروة عبد المنعم» التى تساعدها فى الحصول على وظيفة فى شركة سياحية عن طريق خطيبها «رامى وحيد» وكانت الست نورا قد طُردت من شركة أخرى بعد أن عرفت زوجة صاحب الشركة أنها عشيقة لزوجها رجل الأعمال، وفى الشركة السياحية الجديدة تقيم نورا سريعًا علاقة مع صاحبها سماحة «سامى العدل» الذى يستخدمها فى إبرام صفقات مشبوهة والحصول على أراض بأسعار زهيدة، وطبعًا توافق نورا مقابل عمولات تحصل عليها، على أن تتولى فى كل مرة الإيقاع برجل أعمال ثالث، بل إنها تبتزه بشريط قامت بتصويره لعلاقتهما المشتركة، وبالمرة تقيم نورا أيضًا علاقة مع ضابط شرطة أقرب إلى البلطجية «أشرف مصيلحى»، نكتشف فجأة أنها أحبته، بينما يصر هو على أن تنحصر علاقتهما فى محيط السرير، ويبدو أنها توافق على مضض، وفى طريقها تقيم نورا علاقة أخرى مع خطيب صديقتها التى جعلتها تدخل عالم الكبار، وتدفع هذا الرجل إلى الاتجار فى المخدرات لتحقيق أحلامها فى الثراء، وعندما يطالبها بالزواج تخذله، وتكلف عشيقها الآخر رجل الأعمال «سماحة» بأن يتخلص منه، فيلفق له عدة قضايا يسجن بسببها، وبعد خروجه من السجن يعلم الشاب من لمياء خطيبته السابقة أن نورا المفترية تخلصت من جنين حملت به من سيادته، المهم أن نورا طايحة فى رجال الفيلم، تعشق هذا، وتبتز ذاك، وتطرد وتذل وتأمر وتنهى، ولولا الوقت المحدد للفيلم لأقامت علاقات مع المخرج والمنتج ومدير الإنتاج، ولكن الله سلّم، امرأة كهذه كان لا بد أن تموت، كل واحد لديه سبب لقتلها، وكل منهم كذب على الأخ إدوارد ضابط الفيلم، قالوا إنهم لم يكونوا فى العين السخنة ليلة الجريمة، بينما ثبت أنهم كانوا جميعًا هناك، تُرى من الجانى؟ إذا أردت أن تعرف اقرأ السطور التالية: الأخ المخدوع، والخطيب السابق للسيدة لمياء، ذهب إلى نورا فى حفلة نهاية العام، طاردها على الشاطئ وطعنها بالسكين رغم حبه لها، ولكن التى قضت عليها فعلًا هى لمياء، التى كتمت أنفاسها قبل أن تموت، مع أنه لو صبر القاتل على المطعون كان مات لوحده! فى السبعينيات، أنتجت السينما المصرية فيلمًا مهمًا اُعتبر من أفضل أفلامها بعنوان «المذنبون» للمخرج الكبير سعيد مرزوق كان الفيلم يدور حول مقتل ممثلة متعددة العلاقات المشبوهة، ثم ينطلق الفيلم إلى فساد المجتمع كله، الفارق بين فيلم «المذنبون» وبرنامج 31/12 هو فارق موهبة ووعى وصنعة، ولذلك ظل فيلم السبعينيات فى قائمة الأفضل، بينما أرشح سيناريو فيلم 31/12 لتحويله إلى إحدى حلقات برامج البحث عن الجانى الإذاعية، وغالبًا سيكون الجانى هو الذى يرتكب هذه الأفلام البائسة، التى تعانى من «أنيميا الإبداع» والتى تدفع مشاهدها إلى كراهية فن السينما، درءًا للملل وللتخلف الذهنى!