يمكن أن نقول بلا تحفظ إن فيلم «عشم» أول أفلام المخرجة ماجى مرجان، هو أفضل أفلام الموسم السينمائى الحالى حتى الآن، وأكثرها تكاملًا، وسينافس بالتأكيد على جائزة أحسن فيلم، وأحسن مخرج ، وأحسن مونتاج وتصوير، وقد ينافس أيضًا على جوائز التمثيل لا يقدم الفيلم شكلاً تقليديًا للسرد السينمائى، ولكنه يقوم بتضفير عدة قصص وحكايات قصيرة، تعرضها بحساسية شديدة بكل تفصيلاتها ومشاعرها، وكلها تدور حول فكرة «العشم» أو الأمل الممتزج بالرجاء، شخوص من طبقات اجتماعية واقتصادية مختلفة فى مواقف إنسانية، ونهايات متفائلة تفتح أمام المتفرج نوافذ للتفاؤل، وتطلق بالونات الأمل فى سماء ملبدة بالغيوم. سيناريو الفيلم المركب، والذى أعيد بناؤه من خلال مونتاج مميز (أحمد عبدالله السيد وهشام صقر) كتبته المخرجة ماجى مرجان، تبدأ من شخصية وتنتقل إلى أخرى حتى تكتمل الحكايات، قد تلتقى الشخوص بالمصادفة ثم تفترق، تتبادل الكلمات أو النظرات والمشاعر، ولكنهم فى النهاية تجمعهم حالة العشم التى تشكل لحن الفيلم الأساسى، من الحكايات مثلُا قصة رضا الفتاة الريفية التى جاءت من بلدتها قليوب للعمل فى نظافة حمامات المول الضخم، تصدمها رئيستها الفظة فى العمل «أم عطية» التى تحصل على البقشيش المخصص لها والتى تسخرها فى العمل ولكن رضا تجد فى مصطفى عامل الأمن فى المركز التجارى العملاق عريسًا مناسبًا، هو طموح ويحلم بشراء موتوسيكلات تنقله إلى مستوى اقتصادى أفضل، من ناحية أخرى، تكتشف «رضا» أن أم عطية الصارمة تمتلك قلبًا عطوفًا، خاصة عندما تلتف حولها العاملات، وتفنن منها خلال أزمتها الصحية، عشم «رضا» يفتح أمامها الباب فى النهاية، لتنتقل من عاملة نظافة، إلى عاملة فى أحد محلات المول للملابس. فى حكاية أخرى، يقدم الفيلم الممرضة ابتسام، التى جاءت من المنيا إلى القاهرة لكى تعمل، تبدو شخصية طموحة للغاية، تحب أشعار صلاح جاهين، تنمو علاقة إنسانية بينها وبين الدكتور «مجدى»، الشاب الذى يحلم بالسفر لاستكمال دراسته الطبية، يقرر مجدى أن يعتمد على «رضا» فى تمريض والدته أثناء سفره لسنوات بالخارج. فى قصة ثالثة، تشعر نادية بالقلق والانزعاج انتظارًا لنتيجة التحاليل الطبية التى قام بها زوجها «عماد» تبدأ فى الاهتمام به من جديد، تخشى أن تفقده، تذهب إلى الكنيسة لتقدم نذورها، يمتلكها الأمل فى أن تستجيب لها السماء، عندما تطمئن على نتيجة التحاليل، تفى بنذرها بأن تتكفل بعلاج مريضة لدى سائق تاكسى التقته بالمصادفة، نراها وقد تغلبت مخاوفها فى قيادة السيارة. وفى قصة أخرى مؤثرة، تعانى نادية من فقدان حملها أكثر من مرة، تتوتر علاقتها مع زوجها رمزى الذى يحلم بأن يكون أبًا، ولكنه يحاول فى نفس الوقت التخفيف من إحباط زوجته، جارهما العجوز، «عادل» يقدم لها مفتاح الأمل، إنه شخصية متفائلة تعشق الحياة، يطوف العالم فى أسفار كثيرة، يترك لها شقته لكى تعتنى بالنباتات التى تركها، تكتشف «نادية» أنها قد تكون فقدت الجنين، ولكنها احتفظت بالأمل. وفى حكاية فريدة علاقة حب لم تكتمل مع «شريف» التقت به على شواطئ العجمى، برغم أنهما من نفس الطبقة الثرية إلا أنها اكتشفت اختلافهما فى أشياء كثيرة، هى تشعر بالتعاطف مع الفقراء، نراها فى أحد المشاهد وهى تقدم ساندوتشًا لأحد أطفال الشوارع، يسخر شريف منها لأنها نباتية، تكتشف فريدة أن والدة شريف الأرستقراطية تحتقر الفقراء رغم أنها تساهم فى جمعيات لمساعدتهم، تسافر فريدة ثم تعود، عندما يراها صديقة كريم بالمصادفة، يتجدد «العشم» لدى «شريف» فى استعادة العلاقة، ولكن تظل أقواس الحكاية مفتوحة. ومن أجمل حكايات الفيلم، قصة الشاب «عشم» بائع البالونات الفقيرالذى لم يتعلم، نراه فى الشوارع مرتديًا ماسكات لشخوص تعجب الأطفال، يطارده رجال الشرطة لأنه يبيع بعض المنتجات فى الشارع بدون ترخيص، ينتقل «عشم» من مكان إلى آخر لا يزعجه سوى شاب مجنون يرتدى الأسمال البالية، ولا هم له سوى مطاردته لفرقعة بالوناته، يجد «عشم» فى النهاية فرصته فى العمل كموظف فى إدارة مصعد الفندق الكبير، يلتقى مصادفة مع الممرضة ابتسام، يتواعدان على اللقاء، وكأنهما يغلقان حكايات الفيلم ويؤكدان معناه. ومن حكايات الفيلم أيضًا أزمة داليا مع شاب تحبه يحلم بأن تتحقق خارج بلده فى ماليزيا هى تراه شخصًا رائعا لديه لمسات رومانسية مثل أبطال الحواديت ولكنها تجد نفسها مع طفلة صغيرة جميلة عثرت عليها فى الملاهى، الطفلة تركها والدها للخروج فى البيت، يغادر الشاب الذى أحبته داليا، تنتهى حكاية رقيقة دون غضب أو مشاكل. نجحت ماجى مرجان فى تكثيف وتضفير هذه القصص لتصنع منها عملًا ممتعًا بعيدا عن الحشو أو الثرثرة، هناك أيضًا مشاهد مؤثرة كثيرة لعل أفضلها زيارة «نادية» للكنيسة، ولقاء المصادفة الذى يجمعها ب «نادية» وتفاصيل العلاقة بين أم عطية ورضا التى تتحول تدريجيًا من الكراهية إلى الحب. بصفة عامة كان أداء الممثلين جيدًا، معظمهم وجوه جديدة، ولكنهم اشتركوا فى ورشة للارتجال، وساهموا فى التعبير عن الشخصيات التى لعبوها، من هؤلاء المتميزين الممثلة التى لعبت شخصية «رضا» بعفويتها وبساطتها، وسهام عبد السلام التى لعبت دور أم عطية، والممثلة التى لعبت دور نادية، والممثلة التى لعبت ببراعة دور إبتسام الممرضة، ومن العناصر المميزة أيضًا الموسيقى والتصوير الذى ترجم جدلًا مستمرًا بين ظلام الأزمة وأنوار الأمل، وفى النهاية، فإن المونتاج لعب الدور اللافت فى تماسك الفيلم، وفى منحة هذا الإيقاع المتأمل، لينتقل إلينا حالة من التفاؤل والأمل رغم كل الظروف التى تحيط بنا.