إذا لم يكن السيناريو السورى للحرب الأهلية فهو السيناريو العراقى ، وإذا لم يدخل المسلمون والمسيحيون فى حرب طائفية فلتكن الشرارة بين أبناء المذاهب والطوائف والكنائس فى العقيدة الواحدة سنة وشيعة مثلا ، أقباط أرثوذكس وبروتستانت .. أو أقباط أرثوذكس تابعون للكنيسة الأم وآخرون تابعون لكنيسة المقطم الموازية أمريكية المنشأ والصنع ، أو خليط من هؤلاء ضد أولئك.. والهدف واحد فى كل الحالات وهو أن تمسك النيران بذيل الثوب المصرى ، وأن تحتار السلطة مع من تقف ، وأن ندخل جميعا فى حالة التشويش الحالية ولا نستطيع أن نتفق على الحق والباطل ، أو نحدد من الجانى ومن المجنى عليه ؟ وفى جريمة زاوية أبو مسلم هل الضحية هم هؤلاء المساكين الذين تم الاعتداء العنيف عليهم إلى حد إزهاق أرواحهم والتمثيل بجثثهم فى مشهد من مشاهد الحرابة الذى تكرر كثيرا ليؤكد غياب مؤسسة الأمن ويعكس حالة الغل والغضب الذى يعبئ صدور المصريين ؟.. أم الجانى هو المقتول الذى سب رموز عقيدة القاتل وأغاظه بالإعلان عن ذلك ؟ أم هو الإعلام الخبيث الذى ينفخ فى نيران الكراهية ليل نهار ليشعلها ؟ أم سعد الدين إبراهيم ومن يكرّس معه ويجذّر الانقسامات بين المصريين وبعضهم البعض؟! (1) غالبا سوف يعبر مشهد العنف الطائفى الذى وقع فى قرية زاوية أبو مسلم دون أن نوليه الاهتمام الكافى خاصة فى ذروة انشغالنا بمشاهد أخرى أكثر إثارة وصراع مرتقب محدد سلفا بتاريخ 30 /6 . أو قد يتصور البعض أن ما حدث فى «زاوية أبو مسلم» ليس له علاقة بالصراع السياسى والصراع على السلطة الذى يدفع بالمصريين للخروج والتظاهر والانزلاق إلى أعمال عنف تخلف أحيانا قتلى وجرحى نتيجة تأجج الشعور الوطنى عند بعض المتظاهرين ، بالإضافة إلى اتخاذ آخرين من هذا العنف وسيلة للارتزاق ، بمعنى اختلاط العمل الثورى بأعمال البلطجة والبلطجية .. والسؤال ما هى العلاقة بين ما حدث فى زاوية أبو مسلم وما قبلها من حوادث عنف طائفية وبين الصراع السياسى وصراع السلطة الحالى؟ المشهد العراقى يقدم لنا الإجابة عن السؤال مع الوضع فى الاعتبار أن الواقع العراقى أكثر تعقيدا وأكثر سوءا وهذا أدعى لأن نتأمله لأنه مطلوب ألا نصل إليه ولن تكفى الأمانى فقط فى منع حدوثه. الأزمة الطائفية فى العراق أبرز مظاهرها عمليات القتل الجماعي والتفجيرات التى تستهدف التجمعات السكنية والأسواق ، وهذه الأزمة تفجرت على هذه الصورة بعد سقوط نظام صدام حسين الذى كان يحكم الشعب العراقى بالحديد والنار فلا يسمح بوقوع هذه الأفعال التى تتلخص أسبابها المباشرة فى الانتقام أوالتصفية الطائفية المتبادلة بين السنة والشيعة وبالطبع تصدر مثل هذه الأفعال على خلفيات مذهبية متشددة. ومنع مثل هذه الأعمال والسلوكيات يكون بطريقتين لا ثالثة لهما فإما نشر ثقافة المواطنة والتسامح والفهم الحقيقى للدين ورسالته ، وإما فرض قبضة حديدية من النظام الحاكم على الشعوب (تخويفها) ولأن الطريقة الأولى تحتاج فى واقعنا العربى إلى جهد ووقت واقتناع من الحكام والأنظمة فقد كانت دائما فاشلة أو شبه مرفوضة وكان الحل الثانى الأمنى القمعى أكثر واقعية وأسهل . لكن جاء الغزو الصهيو- أمريكى للعراق ومن بعده الربيع العربى ليزيح الديكتاتوريات ويفرض واقعا جديدًا ظاهره الدعوة للحرية وتخفى هذه الدعوة فى طياتها حقيقة تأجيج الصراعات المذهبية والعرقية والسياسية وتجعل منها مقدمة وتمهيدًا لمشروع تقسيم وتفتيت الدول العربية العملاقة جغرافيا وسياسيا لتقزيمها وفرض واقع جديد عليها .. وهذا لم يعد سرا أو حتى كلاما جديدا ، وعلى الرغم من هذا فالمخطط ماض يحقق نجاحات أحيانا كبيرة مثل فصل جنوب السودان عن شماله وأحيانا صغيرة تتراكم وتكبر مع الوقت مثل الحوادث المنفلتة للفتنة الطائفية كما يحدث منذ سنوات فى مصر ، من حوادث تقع بين مسلمين وأقباط أو بين مذاهب مختلفة منتمية لدين واحد كما أسلفنا . (2) بالطبع لم يجتمع مندوب «السى آى إيه» عشية ليلة الجريمة بهؤلاء الصبية المتهمين فى جريمة زاوية أبو مسلم ورأينا وجوههم فى الصور المنشورة لهم يعلوها البؤس والشقاء ، وليس من الضرورى أن تقابلهم السفيرة الأمريكية لكن يكفى الشحن الإعلامى عبر وسائل الإعلام البديل وتكفى كليبات ال»يوتيوب» عن الشيعة وسب الصحابة والسيدة عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يكفى هذا لتأجيج نيران الغضب والنخوة وبعض النزعة الدينية فى قلوب هؤلاء الصبية ومن على شاكلتهم من سكان الزاوية حتى ولو كان بعضهم لا يقوم بأداء فروض دينه البسيطة مثل أداء الصلوات الخمس ، وأن يعضد هذا حملة نخبوية مازالت دائرة على السياحة الإيرانية كانت كافية لأن ينتبه العامة والدهماء لهذا الملف السنى- الشيعى الملتبس ما بين السياسة والدين. فالذين قتلوا وسحلوا تصوروا أنهم ينصرون الدين بفعلتهم وكذلك المقتولين كان تجمعهم لإحياء واجب دينى ، ومن يملك أن يدلنا على الصواب والاحتكام الصحيح بين الطرفين غائب للأسف أو مشغول فى الصراع بين جبهة الإنقاذ والإخوان ! (3) فى العراق الأمر مختلف لأنه تجاوز مراحله أو مظاهره الأولى الحادثة فى مجتمعنا بمراحل فالجناة وأصحاب المصلحة فى حوادث العنف الطائفى معرفون ومنهم وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية (السي آي إيه) التى يتهمها البعض بتأجيج هذه الأحداث الطائفية العنيفة لتبرير بقاء الوجود الأمريكى في العراق، بينما يتهم آخرون بعض ساسة العراق الجدد من أتباع صدام والسلفيين ، وثالثون يوجهون الاتهامات لنظام البعث السوري الذى يسهّل مرور موجات الانتحاريين من دول عربية أخرى ، ومؤخرا بدأ الحديث في واشنطن يتزايد عن دور إيرانى كثيف في تشكيل بعض ما يدعى فرق الموت لتنفيذ عمليات قتل وتفجير وواشنطن تبرر هذه التدخلات برغبة كلا من النظام السورى والإيراني في عدم استقرار العراق تحت السيطرة الأمريكية لأن هذا يعيق خطط الولاياتالمتحدة لتنفيذ هجمات أخرى على سوريا وإيران. (4) هذه هى الحقيقة : العنف الطائفى صار جريمة دولية وأداة سياسية لتفجير الأوطان من الداخل ولهذه الجريمة وسائل وأساليب عديدة للتنفيذ تبدأ من توظيف الإعلام إلى التمويل المباشر والتجنيد المباشر . وقبل حوالى 4 سنوات كتبت مقالا عن جريمة قتل طائفية ومازال المقال يحتفظ بتاريخ صلاحيته للقراءة لأن المخطط قائم ومستمر ، وجاء فى بعض فقرات المقال: « العالم أصبح قرية صغيرة، لكنها قرية غير آمنة أو أمينة، بمعنى أن العولمة قربت المسافات جداً بين البشر، لكنها عمقت الفروق بينهم وجذرت الخلافات والعداوات المذهبية، وسوف تفعل، ويمكن أن نلاحظ هذا بوضوح كبير فى بلدنا عندما يقع خلاف بين مسلم ومسيحى فى قرية نائية من قرى الصعيد..». وسألت : « من له المصلحة فى أن يخلق هذه الحالة من العداء والفرقة بين أبناء الوطن الواحد؟! والمسألة لا تقتصر فقط على الوقيعة بين المسلمين والمسيحيين، أى حدث فى مصر يتم نقله وتضخيمه والنفخ فيه، من التحرش الجنسى والنقاب والحجاب وغشاء البكارة الصينى إلى خلافات الإخوان وتداول السلطة، وحتى الأخبار التى تعكس هذا الاهتمام المبالغ فيه عن مصر مثل تحويل 400 معيد فى جامعة عين شمس إلى إداريين بعد فشلهم فى إنجاز رسائل الماجستير العلمية فى الموعد المحدد لها». ونصحت: « لا تصدقوا أن المادة الإعلامية التى تنقل عبر القرية العالمية الصغيرة صادقة على الدوام، أو غير ملوثة أو خالية من لعبة المصلحة والسياسة، .. علينا أن ننتبه وننبه أن هؤلاء الآخرين لا يريدون لنا الخير.. هذا ليس إحساسا بالاضطهاد، ولكنها حقيقة، يمكنك أن تتأكد من صحتها بجولة سريعة على مئات المواقع والمدونات والصحافة الأجنبية وسوف تراها واضحة وضوح الشمس».