لأننا نعيش فى حالة من القلق والتوتر انتظارا لأحداث 30 يونيه.. والذى أتمنى من الله أن يمر هذا اليوم والأيام القادمة على خير للخروج من هذا المأزق الذى تعيشه البلاد.. مرت علينا ذكرى رحيل فقيه القرن العشرين الشيخ محمد متولى الشعراوى ال (15) دون أن نتوقف عندها لنستقى منها العبر والعظات وتكون نبراسا لنا فى أزماتنا المتتالية منذ ثورة 25 يناير المجيدة. فالشيخ الشعراوى- رحمه الله- لم يكن مجرد فقيه أو عالم إسلامى فحسب.. لكنه كان سياسيا بارعا ومحنكا.. يعيش أحداث مجتمعه بكل تفاصيله.. ويقدم الحلول الناجحة لمشاكل الناس! وقد لمست ذلك عندما كنت اتتبع سيرته الذاتية ومشوار حياته أثناء إعداد كتابى «الشعراوى تحت قبة البرلمان» وتعرضت فيه لتجربته فى مكافحة الفساد فى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.. والتصدى لرئيسه محمد توفيق عويضة أحد رموز مراكز القوى فى ذلك الوقت. وأذكر أن المستشار الجليل والبرلمانى القدير عادل عيد عندما تقدم باستجواب للشعراوى فى مجلس الشعب فى عام 1978 باعتباره وزيرا للأوقاف وشئون الأزهر ومسئولا عن هذا الفساد.. رأيت وسمعت الشعراوى لم يتنصل من المسئولية أو ينفيها كعهدنا مع الوزراء والحكام، لكنه يضع مجلس الشعب أمام مسئوليته عندما يقول بكل شجاعة وثقة: من العجيب أننى أستجوب أمام هذا المجلس وكنت أحب أن يوجد تقليد أن أستجوب «أنا المجلس»! ثم عاد مرة ثانية ليلقى بالكرة.. فى ملعبهم، عندما قال للأعضاء: «أليس الجهاز المركزى للمحاسبات داخلا ضمن إدارات الوزارة، وهو تابع لكم شخصيا ومحررا من كل القوانين.. فكان يجب على أن أسألكم أنا ماذا صنعتم فى تقرير الجهاز المركزى؟». وفى هذه الجلسة التاريخية- التى تابعتها بكل شغف استطاع الشعراوى أن يقلب الاتهام الموجَّه إليه إلى تأييد ساحق من الأعضاء «أغلبية ومعارضة» للكيفية التى تصدى بها «للفساد»، كما وضع منهاجا للعمل البرلمانى وتنظيم العلاقة بين المعارضة والأغلبية وهو ما نفتقده حاليا فى مجالسنا التشريعية.. فالخلاف بينهما هو خلاف رأى ورأى، وخلاف حجة مع حجة.. وليس خلاف قلب مع قلب ولا عاطفة مع عاطفة- على حد قوله. وقال فى كلمات بليغة ومؤثرة: إنه لا يحب أن كل عمل تقوم به الأغلبية يناقض من المعارضة ولا يحب أن كل رأى من المعارضة يقابل بالهجوم من الأغلبية، ولكن يجب أن نلتقى عند الحق وأن نتفاهم بهوادة حتى يقنع ذو الحق من ليس عنده حق وهذه الظاهرة يجب أن تكون ظاهرة إنسانية وظاهرة اجتماعية وظاهرة سياسية.. لماذا؟.. لأن دوام الاتفاق نفاق وكثرة الخلاف اعتساف! *** رحم الله مولانا وشيخنا الشعراوى الذى تحدث عن الفساد والطغيان ومكافحته والثورة عليه.. وأكد لنا أن الثائر الحق هو الذى يثور ليهدم الفساد.. ثم يهدأ ليبنى الأمجاد.. ويا ليت كل الفصائل السياسية والتيارات الحزبية تتعلم مما قاله شيخنا الشعراوى..