آخر ما كنا نتوقعه ونحن نُجرى- أو نَجرى وراء هذه- الدراسة المهمة، أن نكتشف- ضمن الاكتشافات الأخرى التى رصدناها- أن الضحية الأولى والخاسر الأكبر منذ أن قامت ثورة 25 يناير، هو الطفل وثقافته وحقوقه، بما تشمله من كتاب ومجلة ومكتبة ومعرض ولعبة ومهرجان، دون أن يهتم أو يتدخل للإنقاذ والإسعاف، جهة ما أو شخص واحد حتى الآن على الأقل.. خاصة أن الأمانة الخلقية والمهنية تقتضى الاعتراف والتذكير بأن السنوات العشر الأخيرة كانت الأكثر نشاطا وصخبا وازدهارا فى كل ما يتعلق بالطفل برعاية سوزان مبارك. فى الوقت الذى تبارى فيه الجميع دون إبطاء أو ملل،وبشتى الطرق والحيل،ليرفعوا ويثبتوا حجم خسائرهم وما أصابهم بعد الثورة.. كانت المفاجأة الحقيقية هى أن الخاسر الأعظم من كل ما جرى منذ الثورة هو الطفل الذى فقد فى غضون العامين مكاسب وحقوقاً ثقافية حسب اهتمامنا الآن جناها نتيجة جهود وجهاد آبائه وجدوده لعقود طويلة سابقة.. وهذه النتيجة الصادقة استخلصناها من بين أقوال وشهادات العديد من رواد وكبار وشباب الكتاب والفنانين المختصين بأدب الأطفال. ونبدأ مع رائد الأطفال الأديب يعقوب الشارونى الذى قال إن أدب الأطفال شهد طفرة كبيرة خلال العشرين سنة الأخيرة نتيجة الاهتمام بإنشاء مكتبات أطفال فى كل أنحاء مصر، فوجدنا مكتبات عامة للأطفال ومكتبات عامة للكبار بها أقسام كبيرة للأطفال،بالإضافة إلى تدعيم عشرات الآلاف من المكتبات المدرسية بآلاف الكتب المصرية المتميزة، وقد بلغ مثلا عدد هذه المكتبات المدرسية ما يتجاوز 50 ألف مكتبة، إضافة إلى مكتبات الأطفال بالمجلس الأعلى للشباب والرياضة التى تعرف بمكتبات مراكز الشباب، ومكتبات قصور وبيوت الثقافة التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة وعددها يصل إلى حوالى 500 مكتبة.. ولكن ضعف الميزانيات فى الفترة الأخيرة أصبح قيدا على تزويد المكتبات بالكتب الجديدة، وبالتالى ظهر تراجع كبير من دور النشر المختلفة فى مجال نشر كتب الأطفال، بل يكاد أن تكون قد توقفت، كما اختفت مسابقات أدب الأطفال، كما توقفت مكتبة الأسرة عن نشر كتب للأطفال وتوقف إقامة معرض القاهرة الدولى لكتب الأطفال.. الشارونى مع أن مصر كانت رائدة فى إصدار مجلات الأطفال فى العالم العربى، فإن مجلاتها حاليا تعانى من نقص شديد فى الإمكانيات حتى أن بعض المجلات التى تصدر عن صحف قومية مثل علاء الدين (الأهرام) وأبطال اليوم، بلبل سابقا (الأخبار) تحولت من مجلات إسبوعية إلى مجلة تصدر مرة واحدة شهريا ولم يعد عندنا إلا قطر الندى التى تصدر بانتظام مرتين كل شهر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.. أما عن نشر الكتب فقد توقف معظم الناشرين عن نشر كتب الأطفال، وهم الذين كانوا ينشرون سنويا أعدادا كبيرة من أفضل كتب الأطفال، بل إن بعضهم تخلص من طبع كتب دفع عنها مكافآت الرسم والكتابة فأعادها إلى المؤلفين والرسامين ليتصرفوا هم فيها كما يشاءون، ولعل النتائج غير المشجعة للمبيعات فى معرض القاهرة الدولى الأخير للكتاب تفسر سبب هذا التوقف، فمعظم دور النشر صرحت أنها بالكاد غطت تكاليف الاشتراك فى المعرض. أما الكاتب والفنان الشهير عادل البطراوى فيؤكد أنه يوجد ركود غير عادى خلال السنوات الأخيرة فى مجلات الطفل، والمسئولين عن هذه المجلات من رؤساء التحرير ومشرفين ليسوا بالموهوبين الفاهمين معنى العمل للأطفال، وإنما موظفون ليسوا مؤهلين، كما أنه لاتوجد إعلانات بمجلات الأطفال وتتحمل المؤسسات التى تصدرها الميزانية وهو ما جعل بعض المجلات تتوقف عن الإصدار مثل مجلة علاء الدين التى كان لى دور فى تأسيسها عام 1993، وتوقفت ثم عادت شهرية بعد أن كانت أسبوعية، لتظهر هذه الأيام بخمسة جنيهات، فأى مصروف طفل يتحمل هذا المبلغ، كما أن المسئولين الحاليين غير قادرين على إصدارها أسبوعية، لأن المشرف الموهوب اختفى وظهر مكانه أقزام لا علاقة لهم بالفن، لذا ظهرت الثغرات الممثلة فى ندرة المتخصصين من رسامين وكتاب وارتفاع سعر المجلة.. ويجب هنا أن نشير- والكلام مازال للبطراوى - عن دور سوزان مبارك فى نشر أدب الطفل، حيث إن فضلها على كتب ومجلات الأطفال غير عادى، وساهمت فى توزيع مجلات الأطفال حتى لمن لايقدر على شرائها، وقد طلبت منا فى قطر الندى وعلاء الدين توزيعهما على المكتبات العامة ومكتبات المدارس مجانا للأطفال، فأصبح رقم التوزيع كبيرا.. فمثلا مجلة سمير كانت تبيع 70 ألف نسخة وكذلك علاء الدين، أما الآن فلا تبيع حتى المئات.. كما يرجع إلى سوزان الفضل فى فتحها نوافذ للمعرفة فى مكتبة الأسرة ومكتبة الطفل علاوة على مهرجانات وجوائز لأعمال الأطفال، فتحت للناشرين باب الرزق عندما قالت إن أطفالنا لايستطيعون شراء الكتب بأثمانها التى تصل لعشرة وعشرين جنيها، وقامت بشراء هذه الكتب من دور النشر على أن يتم بيعها بجنيه أو 2 جنيه، وهو ما عرف بمكتبة الأسرة، وكانت تقول عشان أولادنا يشتروا ويقرأوا المجلات والكتب التى وفرتها للمكتبات العامة والخاصة مجانا، كما وفرت كمبيوتر فى المدارس لكى يتعلموا عليه، ويجب ألا ننسى لسوزان أنها أنشأت ما يزيد على 340 مكتبة خاصة للأطفال. وأخيرا يقول الكاتب الشاب عبده الزراع أننا نعانى نقصا شديدا فى مجلات الأطفال مقارنة بعدد الأطفال التى تتوجه إليهم المجلات، وأيضا مقارنة بالدول الغربية التى تهتم اهتماما كبيرا بمجلات الأطفال.. فمصر التى بها أكثر من 25 مليون طفل تحتاج فى ظنى الآن إلى أكثر من ثلاثين مجلة أطفال، وهذا ما جعل كبار وشباب الكتاب والرساميين المصريين يلهثون خلف المجلات العربية: ماجد والعربى الصغير وباسم لأنها تمنح مكافآت مجزية.. ولاشك أن الحركة الأدبية للأطفال تراجعت بشكل كبير جدا وملفت بعد ثورة 25 يناير على كل المستويات، خاصة وأن سوزان مبارك كانت تضفى على أدب الأطفال شرعية وتوليه اهتماما كبيرا وخصصت جائزة له باسمها، وأوجدت نوعا من البروباجندا الإعلامية وإن كانت زائفة فى معظمها وأكبر من حجمها الطبيعى،