قالت دراسة حديثة إن العنف الدينى هو ظاهرة اجتماعية دينية تحتاج إلى تفهم أبعادها والعمل على تقليل العوامل التى تزيدها احتقانا وتمنع اشتعالها، , مشيرة إلى أن هناك عوامل مجتمعية مهيئة لظهور هذه الظاهرة ، فكلما زادت عوامل عدم الاستقرار فى المجتمع سياسيا واجتماعيا انتشر العنف بكل أشكاله وأنواعه وظهر الإرهاب ، وكلما قلت فرص الأفراد فى تحقيق ذاتهم واستقرارهم برزت مشكلة الهوية وانتشر التشدد بكل أشكاله وأصبح هناك أفراد مهيئين لممارسة العنف.وقال د. مجدى فرج «عضو لجنة الأسرة ببيت العائلة» فى دراسته «رؤية استراتيجية لمعالجة العنف الطائفي» تنفرد بها «أكتوبر» إن العنف الدينى يعكس حالة المجتمع من حيث استقراره سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ، ولذلك فإن العمل بوجه عام على تحقيق الاستقرار السياسى وتفعيل آليات الصراع السياسى السلمى وتحقيق العدالة الاجتماعية والنمو الاقتصادى يقلل تلقائيا من هذه الظاهرة . وأضافت الدراسة : المشكلة فيمن يستغل هذه الظاهرة لتحقيق أغراض شخصية فهناك ثلاث نوعيات تستثمر هذه الظاهرة لأهداف مختلفة تحتاج إلى أن نسلط الضوء عليها لنحد من استغلالهم لهذه الظاهرة وتحويلها إلى فتنة تقضى على الجميع . وقالت إن النوعية الأولى هى القوى السياسية حيث إن بعضها يشعل الفتن وتخطط لها وهناك قوى أخرى تستغل الفتن وتستفيد منها ولا تعمل على إطفائها، وهناك من يرى أن الفتن هى نوع من الحرائق الصغيرة تفيد فى صنع توازنات سياسية ونوع من التكتيك لتبرير وتمرير أمور سياسية أخرى مضيفة : كذلك القوى السياسية لها دور مباشر وفاعل فى تقليل الاحتقان الطائفى ، من خلال إصدار التشريعات التى تمنع الاعتداء على الآخر وحقوقه فى الاعتقاد والعبادة وكل حقوق المواطنة ، ومن خلال الحزم فى تطبيق القانون الذى يحقق العدالة والمساواة بين الجميع فى المجتمع . المكاسب السياسية وكشفت الدراسة أن حسابات المكاسب السياسية تعوق القوى السياسية عن القيام بدورها فى معالجة العنف الطائفى ، إضافة إلى حسابات المواءمة السياسية، فهى تهتم بالمصالح الحالية على حساب المكاسب الاستراتيجية التى تضمن سلامة المجتمع واستقراره ، ولذا فلا توجد إرادة سياسية حقيقية لحل المشاكل الطائفية. مطالبة المجتمع المدنى وخاصة الإعلاميين والمثقفين بفضح القوى السياسية التى تشعل الفتن وذلك لإفشال خططهم ومخططاتهم سواء كان بطريقة مباشرة إعلاميا أو بطريقة غير مباشرة من خلال إعادة قراءة التاريخ على ضوء الواقع والاستفادة من دروس التاريخ، وشددت على انه لابد أن يقوم المجتمع المدنى بدور فى تكوين رأى عام واعٍ وضاغط يدفع السياسيين للقيام بدورهم فى إصدار القوانين والجدية فى تطبيقها. وقالت الدراسة إن النوعية الثانية هم رجال الدين إذ إن البعض منهم يساهم فى إشعال الفتن نتيجة الحماسة الدينية ، والبعض من أجل سعيه للشهرة يتشدد ويدعو للتشدد ويثير الفتن . لافتة إلى أن الحماسة الدينية قد تجعل البعض يقرأ الدين قراءة متشددة وتجعله يميل للتطرف ، وقد تجعل البعض فى تدينه متعصبا ويرفض كل ما هو آخر ، وهذه النوعية تبرر العنف الدينى وقد تروج له وتتسبب فى اشتعال الفتن، والبعض الآخر منهم تدفعهم الشهرة والجماهيرية إلى إظهار شجاعة زائفة ويبدأ فى مهاجمة الآخرين والتهكم من عقائدهم وعبادتهم . وشددت الدراسة على أنه يجب دعوة بعض رجال الدين لمؤتمرات خاصة بهم بعيدا عن العامة لمناقشة القضايا الدينية الشائكة مثل الجهاد والعنف ، وصحة الاعتقاد وتعدد المعتقدات ، وتجديد الخطاب الدينى وتحويله من تكفير الآخر إلى تكفير الظالم ومن عداء الآخر إلى مشاركة الآخر والى التسامح مع الاختلاف وأوضحت أن النوعية الثالثة فى ظاهرة الفتن الطائفية هم البسطاء والذين وصفهم بأنهم وقود الفتن وضحاياها . وأضافت : يلاحظ أن الفتن الطائفية تشتعل بين الحين والآخر فى المناطق الشعبية والعشوائية والمناطق الريفية الفقيرة ، فالبسطاء يسهل إثارتهم ودفعهم إلى العنف الدينى مع وجود احباطات اجتماعية واستعداد عدوانى لدى البعض فينفث عنه بتدمير الآخر عن عدم وعى وبدون منطق . لافتة إلى أن البسطاء يعالجون إحباطهم بالمزيد من المشاركة والتكاتف والتكافل والحذر من الغرباء ، ولذلك فالتعليم الدينى المنغلق الذى يصنف الناس دينيا ويصنع غربة داخل المجتمع الواحد يعد خطرا كبيرا على تماسك المجتمع ويقلل من قدراته على مواجهة مشاكله وإحباطه . وقالت انه يجب أن نحصن البسطاء ضد أفكار الاختلاف والتمييز، ونؤكد على ثقافة المساواة رغم الاختلاف، والتسامح والتعايش مع الاختلاف بثقافة إنسانية أدبية وخطاب دينى معتدل . مختلفون ولكن متساوون وعن أهمية المساواة فى تقوية نسيج المجتمع المصرى للتصدى لأى محاولات لتمزيقه , قال د. مجدى فرج إن المساواة فى قبول الآخر جهاد مع النفس لتقبل حقيقة مساواته لنا , وأن ترتفع علاقتنا إلى مستوى الأخوة، وأن نرتقى بمعاملاتنا وأخلاقنا لنكون متواضعين وعادلين معه , كذلك لن نستطيع قبول الآخر بسهولة فى مجتمع تسوده العداوة والتنافر ولذلك كان علينا المساهمة بشكل إيجابى فى تأسيس مجتمع المساواة . وأضاف فرج أن المشكلة أننا كلما نظرنا لاختلافنا الاجتماعى أو الدينى أو الثقافى نجد السؤال الذى يتبادر بسرعة إلى أذهاننا : من الأفضل .. من الأعلى .. من الأحق بالاحترام .. من الأحق بالقيادة والسيطرة ؟. وأوضح أن المساواة ليس معناها أن نكون متطابقين فنحن نختلف عن بعض فى الجنس وفى المواهب والقدرات والثقافة والتعليم والظروف الاجتماعية ولكننا متساوون كأخوة فى القيمة والحقوق والاحترام وفى الحرية وأمام القانون . وأشار فرج إلى أن المساواة لا تعنى السيطرة على الآخرين كلما ازدادت قوتك أو أحسست بالتفوق، ولا تعنى الاحتكار كلما زاد غناك، ولا أن تثور على الآخرين كلما عانيت من حرمان أو ضعف. وعن دور التسامح فى نشر قيم السلام والتراحم فى المجتمع يقول د.مجدى فرج إن من أصعب ما نواجه فى حياتنا الاجتماعية هو كيفية الحفاظ على التميز الشخصى وفى الوقت ذاته التوافق مع الآخرين، مشيرا إلى أنه دائما يوجد اختلافات بيننا سواء ثقافية أو عقائدية أو تعارض فى المصالح، ومادام هناك اختلافات فلابد أن تكون هناك مقارنات وقد ينشأ عنها صراعات وصدامات. لافتا إلى أن التسامح هو أن نقبل الاختلاف والمقارنة والتنافس دون التحرش بالآخر بالنقد والتجريح أو السخرية من آرائه ومعتقداته أو جنسه أو تصرفاته، ولا نتمادى فى ذلك حتى لا يتحول إلى عدوانية . وحذر فرج من أن العلاقات الاجتماعية تؤثر حتما على الأفراد فى حياتهم، والأخطر فى شخصياتهم، فإن كانت علاقة الأغلبية بالأقلية سوية فإنها تفرز كما هائلا من مشاكل التعصب والظلم وتدفع أفراد المجتمع أكثر إلى العنف والتعصب. وقال إن الأغلبية ترى أن حقها أن تحكم وتفرض رؤيتها لأسس الحكم والمصالح والحياة، ولديها خوف من الانفتاح على الأقليات لئلا يفسدوا عقائدها , فيما ترى الأقلية ضعفها دافعا للحفاظ على بقائها وهويتها، وتصارعًا لتثبيت حقوقها وهويتها وإن لم تعى مسيرة صراعها فهى تتجه نحو الانغلاق والعزلة.