بفكرة المقياس العلمى على افتراض أن الأداء الصحفى كغيره من أنواع السلوك الانسانى والاجتماعى قابل للقياس العلمى، وأن الالتزام بأخلاقيات المهنية أو انتهاكها يمكن أن يخضع للمقاييس العلمية الرقمية، حاول المجلس الأعلى للصحافة فى تقريره الأول بعد ثورة 25 يناير عن الممارسات الصحفية أن يجيب عن السؤال المهم، وهو: إلى أى مدى تلتزم الصحف المصرية بالمعايير المهنية والأخلاقية للأداء الصحفى؟ وقد مثل هذا تحديا أمام لجنة إعداد التقرير التى عكفت على مدار أكثر من شهرين فى دراسة الخبرات المحلية والدولية وخلصت إلى مقياس اطمأنت إليه وإلى قدرته فى أن يكون أداة علمية موضوعية منضبطة قادرة على الوصول إلى نتائج وأحكام لا تتأثر بالقائمين بعملية الرصد والتحليل وتسمح بإعادة التحليل لنفس المادة الصحفية غير مرة اعتمادا على باحثين آخرين أيا كانت توجهاتهم الفكرية والسياسية مع الوصول لنفس الخلاصات أو الأحكام والنتائج النهائية للتحليل.التقرير الذى أعدته لجنة برئاسة د. بسيونى حماد أستاذ الإعلام السياسى والرأى العام بكلية الإعلام جامعة القاهرة وضمت الكاتب الصحفى محمد نجم أمين عام المجلس الأعلى للصحافة والصحفى قطب العربى الأمين العام المساعد وأعضاء المجلس كل من د. محمود علم الدين، ود. نجوى كامل، ود. محمود يوسف، ود. محمد الجوادى، ود. هدايت عبد النبى، ود. نجوى طنطاوى، وعزة يوسف، وأضيف إلى تشكيل اللجنة أيضًا د. نرمين الأزرق، ود. عثمان فكرى أعضاء هيئة التدريس بقسم الصحافة بإعلام القاهرة وأشرف على استخراج النتائج والمعالجات الإحصائية د. عبد الله الغالى أستاذ الإحصاء بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جاء هذا التقرير فى توقيت تنشغل فيه الجماعة الصحفية بالتنظيم الذاتى للمهنة وهو مفهوم حديث نسبيا على الساحة الصحفية وينظر إليه الكثيرون نظرة شك وريبة فى حين أنه يمثل الدعامة التى يستند إليها استقلال الصحافة والركيزة الأساسية لحريتها. بدأ المقياس بخمس وستين مؤشرا تترجم معايير الأداء المهنى والأخلاقى خضعت لنقاش طويل عبر اجتماعات ممتده شارك فيها أعضاء اللجنة وأساتذة للصحافة والإعلام من مصر والعالم إلى أن استقر على خمس وثلاثين مؤشرا وافق عليها أعضاء اللجنة بالإجماع لكونها غير خلافية ولشمولها للأبعاد المختلفة ولدقتها كمؤشرات إجرائية تقيس أشياء أو انتهاكات ملموسة يندر أن يختلف عليها اثنان. وكانت هناك اعتبارات منهجية لاستخدام المقياس العلمى فى إعداد التقرير منها أنه لا شأن للمقياس بتحليل مضمون الرأى نفسه واتجاهه والموقف الأيديولوجى الذى يصدر عنه وما إذا كان مؤيدا أو معارضا لموقف ما أو سياسة ما أو حزب ما أو نظام ما. واستثنى الصحف الحزبية من مبدأ التنوع فى عرض وجهات النظر المختلفة بشأن القضايا المطروحه وذك بحكم حقها المشروع فى الدفاع عن وجهة نظر الحزب واخضع التقرير المادة الخبرية فى كل الصحف القومية والحزبية والخاصة لنفس المؤشرات والتحليل الكمى والكيفى بما يتيح دليلا واضحا يثبت مؤشرات الانتهاك حال وجودها. ومن أجل تحديد وضع أى صحيفة على مقياس الأداء المهنى والأخلاقى تم حساب متوسط انتهاك النسخة الواحدة فى كل صحيفة للمعايير على حده، والذى تراوح بين (الصفر) كحد أدنى و(12) درجة كحد أقصى، وذلك من واقع نتائج هذا التقرير التى فرضت أيضا منهجية تقسيم المقياس إلى أربعة فئات هى: الفئة الأولى: الملتزمة أخلاقيا والتى يتراوح متوسط الانتهاكات فيها بين الصفر وأقل من واحد، الفئة الثانية: الفئة الأقل انتهاكا للمعايير المهنية والأخلاقية، ويتراوح متوسط الانتهاكات فيها بين الواحد وأقل من ثلاث درجات، الفئةالثالثة: الفئة متوسطة الانتهاك والتى يتراوح متوسط الانتهاكات فيها بين ثلاث درجات كحد أدنى وأقل من سبع درجات كحد أقصى، والفئة الرابعة والأخيرة وهى الأكثر انتهاكا والتى يتراوح متوسط الانتهاكات فيها بين سبع واثنتى عشرة درجة. وقد خلص التقرير إلى 4 مؤشرات كلية، هى التحيز فى العرض والافتقار إلى النزاهة، وتضليل الرأى العام والافتقار إلى الدقة، والتحريض على العنف والكراهية، والتشهير والسب والقذف. وطبقت هذه المؤشرات على صحف (الأهرام - الأخبار - الجمهورية - روزاليوسف - الوفد - الأهالى - الكرامة - الحرية والعدالة - المصرى اليوم - صوت الأمة - الفجر - الدستور - اليوم السابع - الشروق - التحرير - الوطن - الشرق الأوسط - الحياة) وأجرى التحليل للصحف موضع التقرير خلال الفترة من 20 يناير 2013 إلى 12 فبراير 2013 باجمالى 24 يوما وقع عليها الاختيار لتمثل التغطية الصحفية للذكرى الثانية للثورة. وكشف التقرير أن جميع الصحف التى خضعت للتحليل بغض النظر عن طبيعة ملكيتها أو توجهها السياسى انتهكت المعايير المهنية والأخلاقية للصحافة وإن بدرجات متفاوتة على نحو ملحوظ. وأن الصحف الخاصة هى الأكثر انتهاكا للمعايير المهنية والأخلاقية يليها الصحف الحزبية، فى حين جاءت الصحف القومية الثلاث (الأهرام والأخبار والجمهورية) كأفضل الصحف إلتزاما بالمعايير. ورصد التقرير ارتفاع معدل انتهاك جريدة الأهالى وضعها فى فئة واحدة مع الصجف الخاصة الأكثر انتهاكا للمعايير، وكانت الدستور هى أكثر الصحف المصرية انتهاكا للمعايير المهنية والأخلاقية بإجمالى عدد انتهاكات بلغ (210) انتهاكات بما يعادل 28% تقريبا من إجمالى الانتهاكات التى وقعت فيها جميع الصحف التى خضعت للتحليل، والأهرام هى أكثر الصحف المصرية على الإطلاق التزاما بالمعايير المهنية والأخلاقية، واليوم السابع والشروق هما أكثر الصحف الخاصة التزاما بالمعايير المهنية والأخلاقية، وأكثر الصحف الحزبية التزاما بالمعايير هى الكرامة لسان حال حزب الكرامة والتى صدرت كصحيفة خاصة، يليها صحيفة الحرية والعدالة ثم الوفد وأخيرا الأهالى. ووفقا لمتوسط الانتهاكات فى العدد الواحد الذى اعتمد عليه المقياس لترتيب الصحف احتلت الفجر الموقع الأول فى معدل انتهاكها للمعايير المهنية والاخلاقية بمتوسط بلغ (12.25) انتهاك فى النسخة الواحدة، و احتلت صحيفة الدستور المرتبة الثانية من حيث درجة انتهاكها للمعايير المهنية والاخلاقية بمتوسط (10) انتهاكات فى النسخة الواحدة. فى حين جاءت صحيفة الأهالى فى المرتبة الثالثة بمتوسط ( 8) انتهاكات فى النسخة الواحدة. وجاءت صحيفة صوت الامة فى المرتبة الرابعة بمتوسط بلغ( 7.75) انتهاك فى النسخة الواحدة، أما صحيفة روزاليوسف فقد جاءت فى الترتيب السادس بمتوسط (3.90) انتهاك فى النسخة الواحدة، واحتلت صحيفة الوطن المرتبة الخامسة بمتوسط (3.50) انتهاك فى النسخة الواحدة، وجاءت صحيفة الوفد فى الترتيب السابع بمتوسط (2.50) انتهاك فى النسخة الواحدة. أما صحيفة الحرية والعدالة فقد جاءت فى الترتيب الثامن بمتوسط (2.38) انتهاك فى النسخة الواحدة، واحتلت جاءت صحيفة الحياة فى الترتيب التاسع بمتوسط (2.33) انتهاك فى النسخة الواحدة. وفى المرتبة العاشرة جاءت صحيفة التحرير بمتوسط (2.30) انتهاك فى النسخة الواحدة. واحتلت صحيفة المصرى اليوم المرتبة الحادية عشر بمتوسط (2.25) انتهاك فى النسخة الواحدة. وجاءت صحيفة الكرامة فى المرتبة الثانية عشرة بمتوسط انتهاكين فى النسخة الواحدة، واحتلت صحيفة الشروق المرتبة الثالثة عشرة بمتوسط (1.81) انتهاك فى النسخة الواحدة، وجاءت صحيفة اليوم السابع فى الترتيب الرابع عشربمتوسط (1.12) انتهاك فى النسخة الواحدة، وجاءت صحيفة الأخبار فى المرتبة الخامسة عشرة بمتوسط (0.55) انتهاك فى النسخة الواحدة. أما صحيفة الجمهورية فجاءت فى الترتيب السادس عشر بمتوسط (0.22) انتهاك فى النسخة الواحدة. فى حين جاءت صحيفة الشرق الأوسط فى الترتيب السابع عشر بمتوسط انتهاكات بلغ (0.017) انتهاك فى النسخة الواحدة. وجاءت الأهرام فى الترتيب الثامن عشر بمتوسط انتهاك بلغ ( (0.09) فى النسخة الواحدة، بما يعنى أنها أكثر الصحف المصرية - سواء كانت قومية أو حزبية أو خاصة - التزاما بالمعايير المهنية والأخلاقية.. وللتقرير بقية العدد القادم.