جاء حادث اختطاف سبعة من الجنود المصريين بطريق العريش - رفح ليضع علامة استفهام جديدة حول حقيقة الأوضاع فى سيناء. التفاصيل تقول إن مجموعة من الملثمين المسلحين كانوا يستقلون سيارة دفع رباعى.. قاموا بإيقاف سيارتى أجرة قادمتين من مدينة رفح بمنطقة الوادى الأخضر على الطريق الدولى وقاموا باختطاف سبعة من أفراد الأمن منهم 3 من أفراد الشرطة وأربعة من الجيش، وذلك من بين ركاب السيارتين الأجرة اللتين كانتا فى طريقهما إلى العريش، وذلك تحت تهديد الأسلحة الآلية.. حيث اقتادوهم إلى منطقة غير معلومة. ما هى الأسباب؟.. انفتح باب الاحتمالات!ويأتى فى مقدمة هذه الاحتمالات أن العملية قام بها مجموعة من بدو سيناء بهدف الضغط على الحكومة للإفراج عن مجموعة من السجناء صدرت ضدهم أحكام، وبالطبع ترفض الحكومة الإفراج عنهم. ويتحدث احتمال آخر عن أن حماس وراء عملية الاختطاف ردًا على قيام القوات المسلحة بتدمير الأنفاق التى تربط غزة بمصر. البعض يذهب خطوة أبعد، ويقول إن حماس لم تقم بخطف الجنود المصريين انتقاما لعمليات تدمير الأنفاق فقط، وإنما الهدف هو استبعاد وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى كما حدث فى حادث رفح من قبل والذى تم الإطاحة بعده بالمجلس العسكرى. من ناحيتها أدانت حماس جريمة خطف الجنود المصريين وقالت إنها تعتبرها عملًا جبانًا يستهدف الأمن والاستقرار فى الشارع المصرى.. وأكدت وزارة الداخلية بحكومة حماس أن أجهزتها الأمنية شددت الإجراءات الأمنية على الحدود وعلى منطقة الأنفاق الواقعة جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر.. كما شددت وزارة الداخلية بحكومة حماس فى بيان لها على استعدادها للتعاون مع الأمن المصرى للمساعدة فى كشف خيوط جريمة اختطاف الجنود المصريين وإلقاء القبض على المجرمين. ويشير احتمال آخر إلى أن إسرائيل وراء الحادث.. خاصة أنها تبحث عن ستار تغطى به ما يدور من تعديات واعتداءات على المسجد الأقصى.. ويتحدث هذا الاحتمال عن أن حادث الاختطاف الجديد يمثل حلقة فى سلسلة هدفها إثبات عجز مصر عن ضبط إيقاع الأمن والاستقرار داخل سيناء.. ومن ثم إيجاد المبرر لدخول إسرائيل سيناء! وليس خافيًا أن مثل هذا الاحتمال وتداعياته تعنى أن مصر ستفرض عليها حرب فى توقيت لم تختاره وبطريقة لا ترضى عنها ولا تبدو مستعدة لها. ولا يستطيع أحد بالطبع أن يجزم فى هذه المرحلة المبكرة من التحقيقات التى تدور الآن.. أى الاحتمالات أصح وأيها خطأ؟ أى الاحتمالات أقرب من الحقيقة.. وأيها بعيدًا عن الحقيقة؟.. لكن ذلك لا يمنع من أن هناك حقائق ثابتة ومؤكدة! *** ليس خافيا أن حادث الاختطاف - بغض النظر عن الجهة التى قامت بالتنفيذ.. ليس خافيا أن الحادث يعكس مدى تدهور الأوضاع الأمنية فى سيناء وصعوبة السيطرة عليها.. ويؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن خريطة الإرهاب والتطرف فى سيناء قد تغيرت بلا شك فى الآونة الأخيرة.. وكل ذلك يعنى أن مهمة الجيش فى سيناء تزداد صعوبة يوما بعد يوم. الحقيقة أيضًا أن من بين الحقائق الثابتة والمؤكدة التى يعكسها حادث الاختطاف الجديد أن مصر أو بالتحديد جيش مصر مستهدف.. إما أن هناك من يسعى إلى تدميره أو تقليل كفاءته أو إرباكه.. وفى كل الأحوال فإن الجيش يواجه خطرا حقيقيا. ويمكن بعد ذلك أن نتحدث عن حقيقة مؤكدة وثابتة أخرى وهى أن مهمة الجيش أصبحت بالفعل مهمة صعبة وثقيلة وأنه يحتاج كل إمكانياته ويحتاج كل جهده لحماية البلاد بعد أن أصبحت حدودها مفتوحة ومباحة بهذا الشكل وبهذه الطريقة. ويفرض السؤال نفسه: هل من الحكمة فى مثل هذه الظروف ووسط هذه الأحداث استدعاء الجيش للمشهد السياسى وتوريطه فى الصراعات القائمة الآن؟! *** قبل وقوع حادث الاختطاف الجديد زادت دعاوى نزول الجيش المصرى إلى الشارع مرة أخرى. ليس خافيا حالة الاستقطاب الحاد والانقسام التى تفرض نفسها على المشهد السياسى.. وليس خافيا أن القوى السياسية المنقسمة على نفسها منقسمة أيضًا فيما يتعلق بدور الجيش فهناك من يرى أن الخطر الذى تواجهه البلاد يستدعى نزول الجيش وعودته للمشهد السياسى.. وهناك من يرى أن الجيش عليه الابتعاد تماما عن المشهد السياسى وعدم تدخله بأى حال من الأحوال. وإذا أردنا الإنصاف فإنه من واجب القوى السياسية المختلفة والمنقسمة أن تدرك أن الجيش ملك للشعب ومن ثم فإن مهمة الجيش الأساسية هى حماية هذا الشعب، ومن ثم حماية القوى السياسية المختلفة والمنقسمة باعتبارها جزءًا من الشعب.. ويقتضى ذلك أن يكون هناك اتفاق تام أو توافق عام على الحفاظ على الجيش بإبعاده عن الصراعات السياسية الدائرة.. لأن نزول الجيش وعودته للمشهد لا بد وأنه سيترتب عليه انحيازه لفريق على حساب فريق آخر وفى هذا خطر عظيم لا يهدد الجيش وحده بالانقسام، وإنما يهدد مصر كلها بالتدمير. يمكن أن نضيف لذلك كله أن نجاح الجيش فى تأدية واجبه أو قل رسالته المقدسة فى الحفاظ على أمن البلاد يقتضى الحفاظ على الجيش نفسه متحدا متماسكا.. ولا يمكن الحفاظ على الجيش متحدا متماسكا إذا أفسدته السياسة! وبعد ذلك كله وربما قبله لا نستطيع أن نتجاهل أن الجيش المصرى بطبيعته جيش غير انقلابى ومن ثم يكون من الصعب إن لم يكن مستحيلا إغراؤه بلعب هذا الدور. أضف لهذا كله أن الجيش يواجه تحديات جسيمة تقتضى أن يتخذ إجراءات حاسمة وقرارات صعبة وفى مقدمتها أن يتمسك بالبقاء بعيدا عن المشهد السياسى ولا ينزل الشارع مرة أخرى إلا فى حالة نشوب حرب أهلية - لا قدر الله - فهو فى هذه الحالة مطالب بالنزول لحماية أمن البلاد.. وليس باعتباره طرفا فى أى صراع سياسى. *** إذا كان مطلوبا من الجيش أن يبقى بعيدا عن الصراعات السياسية وأن ينأى بنفسه عن العودة للمشهد السياسى.. فإنه مطلوب أيضًا من كافة القوى السياسية بلا استثناء أن تبتعد عن الجيش.. وألا تحاول اللعب معه أو التلاعب به!