لقد درج الحسن البصرى [ 21 - 110ه 642 - 728 م] فى بيت النبوة، إذ كانت أمه «خيرة» مولاة لأم سلمة، زوج رسول الله ? ولقد سمعته أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها - يقرأ فقالت: «من هذا الذى يشبه كلامه كلام الأنبياء»؟!. وفى عهد بنى أمية كان الحسن البصرى خصما عنيدا للحجاج بن يوسف الثقفى [40 - 95ه 660 - 714 م] ولجور بنى أمية وبنى مروان.. كما كان إمام المدرسة الفكرية التى تخرج فيها عدد كبير من الأئمة الذين قادوا تيارات الفكر وأشعلوا العديد من الثورات. وعندما تولى عمر بن عبد العزيز [61 - 101ه 681 - 720م] الخلافة، استدعى الحسن البصرى ليكون مشيره وناصحه.. وأطلق عليه لقب «سيد التابعين» بينما قال عن الحجاج: «لوجاءت كل أمة بمنافقيها، وجئنا بالحجاج بن يوسف لفضلناهم». ولقد طلب عمر بن عبد العزيز من الحسن البصرى أن يكتب له صفات الإمام العادل الذى سيظله الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله.. فكتب إليه رسالة كانت - ولا تزال - من عيون الفقه الدستورى الذى يوقظ العقول ويرقق القلوب. وفى هذه الرسالة يتقدم اسم إمام العلم على اسم أمير المؤمنين.. فتقرأ فيها - بين ما نقرأ - «من الحسن بن أبى الحسن إلى عمر بن عبد العزيز، أمير المؤمنين. اعلم - يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام لكل مائل وقصد كل جائر وصلاح كل فاسد وقوة كل ضعيف ونصفة كل مظلوم ومطمئن كل ملهوف والإمام العادل يا أمير المؤمنين - كالراعى الشفيق على إبله، الرقيق بها، الذى يرتاد لها أطيب المراعى، ويزودها عن مواقع الهلكة، ويحميها من السباع، ويكنها من أذى الحر والقر. والإمام العادل.. يا أمير المؤمنين - كالأب الحامى على ولده، يسعى لهم صغارا ويعلمهم كبارا، يكتسب لهم فى حياته، ويدخر لهم بعد مماته. والإمام العادل - يا أمير المؤمنين - كالأم الشفيقة البرة الرقيقة بولدها، حملته كرها، ووضعته كرها، وربته طفلا، تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، ترضعه تارة وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته، وتغتم بشكايته. والإمام العادل - يا أمير المؤمنين - وصى اليتامى، وخازن المساكين، يربى صغيرهم، ويمون كبيرهم. والإمام العادل - يا أمير المؤمنين - كالقلب بين الجوارح، تصلح الجوارح بصلاحه، وتفسد بفساده. والإمام العادل - يا أمير المؤمنين - هو القائم بين الله وعباده، يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد إلى الله ويقودهم. فلا تكن - يا أمير المؤمنين - فيما ملئك الله - عز وجل - كعبد ائتمنه سيده، واستحفظه ماله وعياله،فبدد المال وشرد العيال، فأفقر أهله وفرق ماله. وأعلم - يا أمير المؤمنين- أن الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش، فكيف إذا أتاها من يليها؟! وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم؟! وأذكر - يا أمير المؤمنين - الموت وما بعده، وقلة أشياعك عنده، وأنصارك عليه، فتزود له ولما بعده من الفزع الأكبر». تلك سطور من رسالة سيد التابعين إلى خامس الخلفاء الراشدين، فى صفات الإمام العادل: الأب الشفيق والأم الرقيقة.. القلب بين الجوارح الناظر فى شئون الخلق بشريعة الله.. والراعى لهم برعاية الله.