دخلت سوريا منطقة الخطر الأكبر مع بدايات الحرب الأهلية والطائفية من خلال استهداف المناطق السُنية وتوسيع دائرة مناطق الشيعة وحمايتها ووصول المدد إليها عبر حزب الله فى لبنان والمدعومة من إيران وكلها أوراق ضاغطة لإشعال الحرب الطائفية التى يخطط لها لهدم الدولة السورية وليس لإسقاط نظام الأسد.وتعد الحرب الطائفية فى سوريا السيناريو الأسوأ على الإطلاق، وفيه تدخل البلاد فى حرب أهلية طويلة تؤدى لتفكك المجتمع وانهيار الدولة، وتهيمن الفوضى، فيما ينتهى نظام الأسد دون انتصار للمعارضة، ويحمل هذا فى طياته خطر استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل النظام أو الجماعات المسلحة. وبالطبع قد يدفع إسرائيل أو واشنطن للتدخل لمنع استخدام هذه الأسلحة أو تدميرها، وهو ما سيزيد من أمد الصراع وتكلفته، إضافة إلى ما سبق فسيؤدى مثل هذا الصراع إلى خلق حالة حرب بالوكالة، حيث ستسعى تركيا وإيران والدول العربية إلى دعم وكلاء لها فى الاستيلاء على أكبر قدر من الأرض. وستؤدى خسارة إيران للنظام الحليف لها إلى اتجاهها لزيادة نفوذها فى لبنان، وزيادة دعمها لحزب الله. وسيدفع هذا الانقسام، تحت وطأة الحرب الأهلية الطائفية، الأقليات من الدروز والمسيحيين والعلويين إلى التمركز فى المناطق التى يسيطر عليها بقايا النظام، خوفًا من الأعمال الانتقامية التى قد تمارسها الميليشيات السنية. وفى هذه الظروف، قد يتجه أكراد سوريا إلى إعلان استقلالهم، أو توحدهم مع الحركة الكردية الانفصالية فى تركيا، أو توحدهم مع أكراد العراق، وهو ما سيشكل ازعاجًا لتركيا، وتوترًا فى علاقتها مع العراق. وفى هذا السيناريو، ستتفاقم أزمة اللاجئين، وستشكل عبئا على الجوار السورى، خاصة الأردن. يأتى ذلك بينما تتساقط أوراق الرئيس السورى بشار الأسد الواحدة بعد الأخرى، وعلى مسافات زمنية متباعدة لتأخذ رياح الربيع العربى هناك منحنيات شتى يتوقع أن تعصف فى نهاية الأمر بالنظام الذى لا يزال يتمتع بقدر نسبى من الصمود فى مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية. ويلعب نظام بشار على أوتار عدة تبدأ من مخاطر الجوار الجغرافى مع إسرائيل، والتهديد بحرب إقليمية شاملة، وتنتهى بورقة الحرب الطائفية التى تهدد أيضا بحرق المنطقة، وربما تقسيم سوريا نفسها ليكون للطائفة العلوية التى ينتمى لها بشار دولة فيها. لهذا يعد الوضع الطائفى الأبرز فى ربيع سوريا عن باقى الثورات العربية بشكل قد يفتح الباب لحرب أهلية لن يستطيع فيها الغرب التدخل بشكل مباشر، حيث تترك المعركة المفتوحة حتى ينتصر هذا الفصيل أو ذاك. واستكمالا للمشهد تبدو أيضاً تيارات إسلامية ترى فى الأمر جهادا مطلوبا ضد ما تسميه «الأقلية الشيعية الكافرة» التى تحكم أغلبية الشعب السوري، هذه التيارات تستطيع توفير مساعدات مالية وبشرية للقيام بعمليات نوعية ضد الجيش الموالى لبشار، الذى حرص منذ البداية كما حرص أبوه حافظ الأسد على إبقاء قيادات الجيش السورى فى أيدى الطائفة العلوية التى ينتمى لها، بينما وزع بقية الطوائف على مواقع أقل أهمية بالمؤسسة العسكرية، وهو الأمر الذى يفسر التأخر النسبى للانشقاقات. ومن هذا المنطلق يقود القتال ضد الشيعة فى سوريا - حسبما يأمل الأمريكيون - إلى حرب من نوع آخر ضد النظام الإيرانى الحليف الأكبر للأسد، وهنا تجد الولاياتالمتحدة من العرب والمسلمين من ينوب عنها فى مجابهة طهران، وتمثل سوريا مسرحا مناسبا لذلك فى ضوء صعوبة التدخل العسكرى المباشر نظرا لقربها من إسرائيل. وتتكون التركيبة السكانية لسوريا من عرب وأكراد وشركس وأرمن وتركمان وشيشان وغيرهم، أما من ناحية الأديان والطوائف فتوجد أغلبية مسلمة من السنّة والعلويين والشيعة، والأغلبية هم السنّة، ويوجد مسيحيون ودروز وأقلية يهودية. وبحسب الأرقام المتوافرة، فإن سوريا، التى يقطنها نحو 20 مليون نسمة، فيها: 70% من السُنة (العرب)، 8% إلى 9 % من العلويين (العرب)، نحو 10% من السُنة، (الأكراد)، 8% من المسيحيين العرب الأرثوذكس فى الدرجة الأولى)، 2% إلى 3% من الدروز (العرب)، وأقل من 1% من السنّة (الشركس)، وأقل من 1% من أقليات أخرى كاليزيدية والإسماعيلية، فضلا عن بضعة آلاف من اليهود. وقد حرص نظام حزب البعث على فرض العلمانية خلال حكمه لسوريا لأكثر من 40 عاما، وعلى ألا تكون هناك أى إشارة لأى تمايز دينى أو عرقى، وذلك على الرغم من اعتبار سوريا دولة ذات طابع إسلامى. وقد أكدت التصريحات الأخيرة لقائد الجيش الحر على مجموعة من الثوابت لعل من أهمها أن الثورة وأهدافها أبعد ما تكون عن الطائفية وأنها تشمل كافة طبقات وطوائف الشعب السورى وأنهم فى الجيش الحر يؤكدون على أن هدفهم الأسمى حماية التظاهرات السلمية، كما أكد على عدم التدخل فى السياسة عقب انهيار النظام وأنهم سيتركون ذلك لأهل السياسة ويتفرغون لدورهم فى الدفاع عن الوطن. فى نفس الوقت هناك مخاوف من اندلاع حرب أهلية اعتمادًا على انحياز العلويين لبشار مع ورود أنباء عن حشد بشار للسلاح وللأنصار فى مناطق العلويين لتنفيذ هجمات من هناك فى حال سقوط دمشق وعلى الرغم من أن بعض العلويين أعلنوا تبرئتهم من بشار، لكن لا شك أن هناك أصحاب مصالح وأجندات طائفية، ومع ذلك فإن السيناريو المنتظر بعد سقوط بشار قد لا يكون شرسا كما تتحدث سيناريوهات المستقبل لأن السُنة يشكلون غالبية فى سوريا ومن الطبيعى أن يسيطروا على مقاليد الحكم دون اضطهاد لإحدى الطوائف رغم ما عانوه طوال سنوات حكم النصيريين ليس فقط لأن ذلك من العدل الذى يدعو دينهم إليه ولكن لأن ذلك ما سيكفل استمرار وحدة الدولة واستقرارها، كما أنه لاخوف من اختلافات المعارضة الفكرية فهى متفقة جميعها على الهدف الأساسى وهو إسقاط النظام وبعد ذلك وكما حدث فى بقية دول الربيع العربى يختار الشعب من يمثله عن طريق انتخابات حرة، ومن هنا ينبغى الحذر من محاولات النظام لتفجير الخلافات بين المعارضة فهى الورقة الأخيرة فى يده وسوف يراهن عليها قبل سقوطه الوشيك بقوة ولعل محاولاته استقطاب جماعة الإخوان وعرض بعض المناصب الوزارية عليها يدل على ذلك ومن المتوقع أن تشهد المرحلة القادمة المزيد من العروض والمزيد من محاولات شق الصف. إن نظام الأسد لم يحارب السُنة ويقمعهم فقط فى سوريا ولكن أيضًا فى لبنان التى ظل صاحب الكلمة العليا فيها لسنوات طويلة، وعندما شعر بأن البساط سيسحب من تحت أقدامه أشعل حرب الاغتيالات لإجبار السنة على الخضوع له والرضا بسيطرة حزب الله على مقاليد الأمور، ونحن نشهد اليوم عمليات عسكرية مكثفة لحزب الله لحماية المناطق الشيعية فى دمشق ومنع سقوطها، لكن الأسابيع المقبلة قد تنقلنا إلى صيف شديد القسوة على أهل الشام.