فال جلال الدين الرومى شاعر الصوفية فى القرن الثالث عشر:(إما أن تبدو كما أنت، أو كن كما تبدو)، لكن ما الذى كان من الممكن أن يقوله ابن الرومى فى جماعة تركية دينية نافذة بين الأتراك، وهى الحركة المعروفة باسم «حركة فتح الله جولين» والتى تأسست فى بداية السبعينيات على يد إمام سابق فى الدولة التركية، وتتمتع بسمعة طيبة خارج تركيا بين القليلين الذين سمعوا عنها. فمن خلال اعتمادهم على أفكار غربية مبسطة حول الصوفية باعتبارها الإسلام المتسامح، أثبت زعماء تلك الحركة مهارة فائقة فى التسويق للجماعة كبديل معتدل، فبعد يوم واحد من هجمات 11 سبتمبر 2001 نشر جولين إعلانًا من صفحتين فى صحيفة «نيويورك تايمز» يقول فيه إن الإرهابى لا يمكن أن يكون مسلمًا كما لا يمكن أن يصبح المسلم الحق إرهابيًا. وكان جولين من أوائل المدافعين عن الحوار بين الأديان فالتقى ببابا الفاتيكان الأسبق يوحنا بولس الثانى، كما التقى بالعديد من حاخامات اليهود فى العديد من المناسبات. وقد ولد محمد فتح جولين فى 27 إبريل 1941 فى قرية تركية صغيرة تسمى «كوروجك»، وكان والده «رامز أفندى» مشهودًا له بالعلم والأدب والدين، ووالدته «رفيعة خانم» معروفة بتدينها الشديد وقامت بتعليم القرآن لابنها محمد وهو فى الرابعة من عمره. وتمتلك حركته الآن المئات من المدارس سواء داخل تركيا أو خارجها فى 110 دولة، وتقدم هذه المدارس التى يمولها ويدرس فيها أتباعه تعليمًا باللغة الانجليزية يتبع المنهج الرسمى للدولة التركية، وتنتشر هذه المدارس فى كل دول العالم تقريبا بما فيها مصر (مدرسة صلاح الدين)، كما تنتشر فى تركيا تحت اسم (Fateh Koleje)، كما تمتلك الحركة صحفًا ومجلات ومحطة تليفزيونية خاصة بها، وفى النصف الثانى من شهر مايو من كل عام، يأتى مئات الأطفال من تلك المدارس إلى تركيا للمشاركة فيما يسمونه بالأوليمبياد التركى. ولفتح الله جولين أكثر من 60 كتابًا أغلبها حول التسامح والتعليم والتصوف فى الإسلام، وقد حصل على العديد من الجوائز. وعلى الرغم من أنه لا يعيش فى تركيا الآن ويقيم فى منفاه الاختيارى بالولايات المتحدة إلا أنه لا يوجد سبب علنى رسمى لمغادرته تركيا، لكن متاعبه مع السلطات التركية بدأت فى عام 1999 عندما تحدث فى التليفزيون التركى واعتبر البعض كلامه انتقادًا ضمنيًا لمؤسسات الدولة التركية، وبعد مرور هذه الأزمة ظهرت أزمة لقطة الفيديو الشهيرة التى بثت على اليوتيوب وظهر فيها فتح الله جولين وهو يقول لعدد من أنصاره إنه سيتحرك ببطء من أجل تغيير طبيعة النظام التركى من نظام علمانى إلى نظام إسلامى، كما تحدث عن نشر الثقافة التركية فى أوزبكستان مما أثار موجة غضب فى الجيش التركى وباقى المؤسسات العلمانية فى البلاد. ومن ناحيته أكد جولين أنه تم التلاعب بكلماته وأن حركته تقف على مسافة واحدة من كل الحكومات التركية المتعاقبة، ولا ترمى للوصول إلى أى منصب وكذلك الحال فى تعاملها مع الحكومات الأجنبية، ومع ذلك يعتقد بعض المحللين أن مسئولين أمريكيين ساندوا حركته بوصفها قوة معتدلة فى مناطق مثل الأجزاء التركية داخل آسيا الوسطى، حيث أرسل جولين مئات المدرسين المتطوعين بعد تفكك الاتحاد السوفيتى. وفى الفترة الأخيرة، أثار جولين غضب البعض فى تركيا بسبب تصريحاته فى أعقاب العدوان الإسرائيلى على السفينة مرمرة ومقتل تسعة من الأتراك، فقد ألقى باللوم على منظمى الرحلة، موضحًا أنه كان يتعين عليهم الحصول مسبقًا على موافقة إسرائيل بدلًا من «تحدى السلطة»، وقال فى رسالة له عبر البريد الالكترونى (إن الدولة الأسوأ والحكومة الأسوأ أفضل بكثير من حالة انهيار الدولة والفوضى).