أزمات العراق كجبال الجليد، ليست ما نراه على السطح فقط، بل لها جذور تمتد فى الأعماق، فالتظاهرات فى الأنبار ونينوى متواصلة رغم تشكيل لجنة للتفاوض مع الحكومة، ومقاطعة التحالف الكردستانى لجلسات البرلمان قائمة،وخلافات التيار الصدرى والقائمة العراقية مع المالكى مستمرة.. ووسط هذا الجو المحتقن بالأزمات جاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى للعراق فى محاولة للتهدئة، لكن الزيارة انتهت ولم تظهر لها نتائج، ويبدو أن توصيات كيرى للساسة العراقيين دخلت من أذن وخرجت من الأخرى. ورغم مرور عقد كامل على الغزو الأمريكى للعراق ووعود الديمقراطية والحرية والتنمية، فما وجده العراقيون يخالف هذه الوعود تمامًا، فبعد أن كان فى البلاد ديكتاتور واحد، اليوم لكل إقليم ديكتاتور صغير وبغداد حاضرة الرشيد مرتعًا للفساد، وصارت الرشوة العملة المهيمنة فى بغداد، ويعانى العراقيون يوميًا نقصًا كبيرًا فى الخدمات الأساسية كالكهرباء ومياه الشرب وارتفاع معدلات البطالة. فضلًا عن الأزمات السياسية كالمناطق المتنازع عليها بين العرب والأكراد فى الشمال وتقسيم عائدات النفط. هكذا، وبعد سنوات من احتكاره السلطة، تحذر الكتل السياسية على تنوع اتجاهاتها من أن الديكتاتورية عادت للعراق، ويمارسها نورى المالكى عمليًَا، ويحكم قبضته على نحو مليون جندى وشرطى، ويجمع فى يده ثلاث وزارات أمنية إلى جانب منصب القائد العام للقوات المسلحة، ورئيس جهاز المخابرات بالوكالة وغيرها من المناصب الأمنية كما يحكم قبضته على الوزارات الآخرى من خلال عشرات المستشارين. كما يربط الهيئات المستقلة بمجلس الوزراء وحصريًا بمكتبه الخاص. كل هذه الأزمات والممارسات تدفع العراق نحو الانفجار.. أحوال العراق أثارت قلق أمريكا فجاءت زيارة كيرى لبحث أحوال الشريك الاستراتيجى. زيارة كيرى وخلال زيارته التى لم يعلن عنها مسبقًا حث وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى الحكومة العراقية على التعامل بشكل أفضل مع تظاهرات العرب السنة التى انطلقت فى ديسمبر الماضى احتجاجًا على التهميش السياسى لهم. وحث كيرى المالكى على إعادة النظر فى قرار تأجيل انتخابات مجالس المحافظات فى نينوى والأنبار، والتى كان مقررًا لها أن تجرى فى 20 أبريل، وهو القرار الذى وصفه مسئول فى الخارجية الأمريكية بأنه «نكسة خطيرة». كما التقى كيرى رئيس البرلمان العراقى أسامة النجيفى، وقال مصدر مطلع إن كيرى حث النجيفى على التعاون مع المالكى وتأتى زيارة كيرى وسط معلومات تحدثت عن تراجع النفوذ الأمريكى فى العراق، بخاصة بعد عام على الانسحاب الأمريكى فى ديسمبر 2011، ومخاوف من تنامى نفوذ إيران. وكان كيرى قد بحث مع المالكى أهمية الحوار مع جميع مكونات المجتمع العراقى، ومع السنة من أجل التوصل إلى أفضل السبل للتصدى للتهديدات الإرهابية التى تقلق جميع العراقيين. وتعتبر زيارة كيرى الأولى منذ تسلمه منصبه، وجاءت بعد أيام من الذكرى العاشرة للغزو الأمريكى للعراق عام 2003. بيان السعدى وعلى صعيد التظاهرات فى الأنبار ونينوى المتواصلة منذ ديسمبر الماضى، شن المرجع الدينى السنى الشيخ عبد الملك السعدى هجومًا عنيفًا على الحكومة العراقية، واتهمها فى بيان بأنها نفذت «تفجيرات إجرامية فى بغداد وسائر مدن العراق الأخرى، بتخطيط من خارج العراق، مستهينة بالدم العراقى، ومتذرعة بأن ذلك من عمل - القاعدة - أو من جهات أخرى تكررت أسماؤها على مسامع العراقيين الذين أصبحو يشمئزون من هذا الصراع الهذيل والادعاء الكاذب». وأضاف السعدى أن حكومة بغداد اليوم تظلم العراقيين عامة، وتركز فى ظلمها على شرعية معينة من الشعب العراقى بكل أنواع الظلم، مشيرًا إلى أن الحكومة استحلت دماء العراقيين واستباحت أموالهم وأعراضهم بفكرها الطائفى الذى لم يشهد له تاريخ العراق مثيلًا. ودعا السعدى العراقيين جميعًا إلى «الالتحاق بساحات الاعتصام والمشاركة فيها، والثبات على الحقوق، وعدم التراجع عن الأهداف المشروعة، حتى يتحقق النصر، ويتم إنجاز الحقوق بصبر المعتصمين». لجنة للتفاوض من جهة أخرى أعلنت اللجان التنسيقية فى محافظة الأنبار عن استكمال تشكيل اللجنة الخاصة بالتفاوض مع الحكومة وبالتنسيق مع باقى المحافظات التى تشهد مظاهرات لأجل توحيد المواقف فى إطار لجنة واحدة تضم الجميع. وقال الشيخ غسان العيثاوى إنه قد تم الاتفاق على من يمثل اللجنة، ومن بين الأسماء التى تم الاتفاق عليها: د. أحمد عبدالملك السعدى والشيخ عدنان مشعل والشيخ سعيد اللافى المتحدث الرسمى باسم المتظاهرين. كما تم الاتفاق على أسماء عدد من رجال القانون والمثقفين، فضلًا عن كل من الشيخ أحمد أبو ريشة وحاتم السليمان. وأكد العيثاوى أن مهمة اللجنة هى التفاوض مع الحكومة، والانفتاح على اللجان فى المحافظات الأخرى. وكان المالكى قد أعلن ترحيبه بتشكيل وفد يمثل المتظاهرين لبدء المفاوضات مع الحكومة. وقال المالكى فى بيان « أنا مسرور بانتخاب المتظاهرين لأشخاص يمثلون أهلهم وينقلون مطالبهم». مقاطعة كردية ومع تواصل الأزمة السياسية فى العراق أكدت كتلة التحالف الكردستانى أن توجيهات صدرت من قيادة التحالف بعدم حضور جلسات البرلمان. وأضافت أن مشاورات القوى الكردية بشأن الأزمة مع بغداد بحاجة إلى مزيد من الوقت، مشيرة إلى أن نفوذ نورى المالكى السياسى أقل من السابق بسبب كثرة الخلافات. وخلال زيارة جون كيرى أجرى محادثة هاتفية مع مسعود بارزانى رئيس أقليم كردستان العراق، وسط مخاوف أمريكية من أن يؤدى خط أنابيب النفط من كردستان إلى تركيا إلى تقسيم العراق. وشدد كيرى على أهمية الحفاظ على وحدة العراق، وأن الجمهورية الكردية لن يكتب لها البقاء ماليًا دون دعم بغداد. وأكد النائب الكردى د. محمود عثمان على عدم وجود ضغط أمريكى على بارزانى لإنهاء المقاطعة. وأضاف عثمان أن أمريكا لم تعد مهتمة بالجانب الكردى ولا حتى بموافقة من الأزمة القائمة بين أربيل وبغداد. **وأخيرًا فالمشهد السياسى العراقى لا يبعث على التفاؤل، والخوف أن يؤدى الصراع بين المالكى وخصومه والشحن الطائفى الذى بلغ ذروته إلى كارثة جديدة، وكأن قدر العراق الانتقال من حرب إلى أخرى.