تلقيت اتصالات ورسائل كثيرة على مقال الأسبوع الماضى «ومن الحب ما قتل» والذى أشرت فيه لقصة الشاعر العربى عبد السلام بن رغبان والملقب ب «ديك الجن».. والذى لقب بعطيل العرب بسبب قتله لزوجته وصديقه وحرق جثتيهما وصنع منهما كأسين مختلفتين ليتجرع فيهما خمرا ممزوجا بالمرارة والعذاب.. بعد فعلته الشنعاء. وقد اكتشفت أن كثيرا من القراء عطشى لمثل هذه النوعية من المقالات التى تستحضر كنوز الشعر العربى القديم. وعودة لشاعرنا الكبير الذى لم يأخذ حقه من الشهرة التاريخية رغم جمال أشعاره وهناك من تغنى بها من كبار المطربين مثل ناظم الغزالى- العراق- وعبد الكريم الكابلى- السودان- ومنها أيضا ما تحول إلى مقولات تاريخية يستشهد بها البعض فى المناسبات.. مثل: دلائل الحب لا تخفى على أحد كحامل المسك لا يخلو من العبق ومثل أيضا: ستبدى لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأنباء من لم تزود وأيضا: تعترف النفس ببعض القوى فأمسك النفس ببعض الخداع ولكن مشكلة شاعرنا عبدالسلام بن رغبان..أنه كان مدمنا للخمر.. مبذرا.. وقد ورث عن أسرته أموالا كثيرة.. وتربى فى حضن جده وجدته لأبيه.. والتى وضعت فى نفسه بذرة الشك من النساء.. وفهمته ألا يأمن لأية امرأة.. وإن كانت زوجته! وكانت شدة إسرافه فى أموال العائلة سببا فى إثارة غضب أبناء عمه منه وطمعهم فيها وخوفهم من ضياعها.. فكادوا له كما فعل إخوة يوسف.. ومنهم الشاعر المعروف أبو الطيب المتنبى.. الذى اتهمه بالزندقة والفجور وأخذ يردد عنه ما قيل أنه من أشعاره: أأترك لذة الصهباء عمدا لما وعدوه من لبن وخمر هذا مع أن شاعرنا قال شعرا يكشف عن نفس غارقة فى الإيمان ومنه: الخلق ماضون والأيام تتبعهم تفنى ويبقى الإله الواحد الصمد وعندما علم شاعرنا بما يردده عنه ابن عمه أبو الطيب المتنبى هجاه بشعر قاس: يا عجبا من أبى الخبيث ومن سروجه.. فى البكائر الدثرة سبحان من يمسك السماء على الأرض وفيها أخلاقك القذرة المهم أن الخلاف بينهما انتهى بالخديعة.. والمؤامرة التى كانت نتيجتها قتله لصديقه وزوجته.. والتى قال فيها من قبل: يأبى فم شهد الضمير له قبل المذاق بأنه عذب كشهادتى لله خالصة قبل العيان.. بأنه رب وأيضا: والخال فى الخد إذ أشبهه وردة مسك على ثرى تبر وكذلك: عفّرت خدى فى الثرى طائعا وعزمت فيك على دخول النار! بل حتى بعدما قتلها.. أخذ يرثيها بأشعار تذيب الدمع الجسور ومنها: ما كان قتلها لأنى لم أكن أبكى إذا سقط الغبار عليها لكن ضننت على العيون بحسنها وأنفت من نظر الحسود إليها كما قال أيضا نادما متعذبا: قال ذو الجهل قد حملت ولا أعلم أنى حَلمت حتى جهلت لائم لى بجهله.. ولماذا أنا وحدى أحببت ثم قتلت؟ رحم الله شاعرنا الكبير «ديك الجن» الذى واراه التراب وبقى لنا شعره نستمتع به ونرويه فى الملمات والمناسبات.. *** هذه إحدى الرسائل التى جاءتنى فى بريدى الإليكترونى تعليقا على المقالات التى انشرها فى هذا الباب ليت أياما مضين تعود.. فإن عدن يوما إننى لسعيد! صديقى العزيز الأستاذ نجم تحية طيبة من عند الله مباركة تابعت ما كتبت وماتكتب على الصفحة الأخيرة « استراحة» لمجلة أكتوبر وقد عدت لتوى من رحلة استغرقت زهاء أسبوعين فى أحضان البحر الأحمر، حيث الطبيعة الخلابة وحيث تلتقى الجبال بالسحاب والعيون بالنجوم التى ترصع صفحة السماء بالليل حيث لاضجيج ولاعجيج يصدع رأسك ولادخان يعمى بصرك ولاصورة كئيبة تنكد عليك معيشتك، طبعا الهدوء الذى نعيشه فى الصحراء والجو الرائع الذى يعزف سيمفونية البحر وبعض الطيور العابرة وبعض الحشرات النادرة، تجعلك تعود الى الوراء عشرات الأعوام وهى فترة الصبا وعز الشباب وأيام كنا نقرض الشعر والنثر، ونقرأ شعر العرب فى العصور المختلفة مثل الجاهلية والعصر الأموى والعباسى وشعراء الأندلس وولادة بنت المستكفى وغيرها ممن كن موحيات للشعراء وقس على ذلك ليلى العامرية وعزة وبثينة وغيرهن ممن خلدهن الشعر والتاريخ بعد ذلك، ولكن الحياة تسير على وتيرة واحدة ولاتشعر بالسعادة إلا لماما وتحن إلى الماضى وتستدعى إحدى الصور الجميلة التى تعلق بالذاكرة فتقف عندها طويلا لاتبارحها وكأنك تود من الزمن أن يقف عند هذه النقطة فلايغادرها، فشكرا لك أيها الصديق العزيز أن استدعيت صور الماضى الجميل وجعلتنا نتذوق هذا الشعر وحلاوته وطلاوته وأصبحنا نشعر بأن هناك على الشاطئ الآخر لنهر الحياة من يبعث الينا برسائل تفيد أن الخير فى أمة سيدنا محمد الى قيام الساعة وأن الشعر والنثر الذى كتب له الخلود مئات السنين سوف لاينضب معينه ولاينتهى متذوقوه ببعد المسافة ولابتغير الطبيعة البشرية الى الأسوأ والى لقاء قريب.. د. سامى محمد مرسى- خبير فى علوم الأرض والبترول