تأمل هذا الرقم جيدًا.. إنه لا يمثل تاريخًا ولا هو حسبة لمال.. لكنه ببساطة عدد الأيام التى قطعناها منذ ثورة 25 يناير وحتى وقتنا هذا إنها حصيلة عامين بضرب 365×2.. باعتبارهما من السنوات البسيطة.. وإن كانت بكل المقاييس كبيسة وتعيسة أرأيت الذى كان يعيش فى ظلام ويحلم ببقعة ضوء.. فلما وجد بعض النار يلتمس بها دفئا ونورا.. احرق بها يديه عامدا. والذى يحاسب المجلس العسكرى الذى تولى زمام البلاد بعد «المتخلى» أو المخلوع.. عنده حق، والذى يحسبها فقط ضد الإخوان ويتهمهم باللوع واللف والدوران.. عنده حق.. والذى يجعل من الليلة كلها زكيبة يضعها على أكتاف مبارك ونظامه.. عنده حق.. والذى يشير فقط بأصابع الشك والريبة إلى الخارج عنده حق.. والذى يحمل المسئولية كاملة لشباب الثورة الذى توارى إلى الظل بعد أن سلمها نظيفة إلى العواجيز عنده حق..والذى يلوم الشعب المنتمى فى معظمه إلى حزب «الأريكة» أو الكنبة سابقا.. عنده حق. والذى يقول إن القوى السياسية بحثت عن المغانم على حساب مصلحة البلد عنده حق. ومن بعد ذلك كله لا يضع اسمه فى فاتورة اللوم والعتاب ليس له الحق أبدًا أن يوجه الاتهام إلى غيره.. لأننا جميعا نتحمل مسئولية ما جرى.. بل ما يجرى.. وما سيجرى. الإعلام الحكومى حاول أن يغير جلده ويخلع ثوب الدرويش الذى يتطوح فى حلقة سيدنا الحاكم.. والإعلام الخاص حاول أن يرفع حصيلة الإعلانات ولو تحولت برامجه وصحفه إلى صفائح من البنزين وعلب الكبريت.. وأن تعمل كل ليلة فى التوك توك شو.. برنامجا دائما عنوانه «من الحبة قبة» كلنا فى قفص الاتهام، وكلنا فى نفس الوقت ضحايا.. ربما لأفكار عتيقة سابقة التجهيز عششت فى الرؤوس والنفوس لا تقبل الجدل أو التحريك.. تغيرت الأيام والأحوال ونحن قابضون على أفكارنا البالية التى عفى عليها الزمان. وقد نكون ضحايا لمصالح خاصة رفعناها على صالح الوطن، ثم خرجنا إلى البرامج والصحف نغنى للبلاد ولمصر التى هى أمنا.. وما نحن بأولادها أبدًا. ولعبة الثورة بقدر ما فيها من طهارة وهدف نبيل.. إلا أن هناك من يستثمرها ويوظفها ويحاول السيطرة عليها لأهدافه.. وما كان أوباما الذى كان قبلها يتباهى فى مستهل ولايته الأولى وهنا من القاهرة بدور مصر مبارك فى المنطقة.. ما كان هذا الأوباما يطالب حليفه بأن يرحل الآن وفورًا.. حبًا فى شعب مصر.. لسواد عيونه.. لكنها ضرورة مرحلة فى المنطقة العربية كلها.. أطلقوا عليها مسمى «الربيع العربى» وأرادوا من ورائها إعادة تقسيم المنطقة بدليل أن كل بلد قامت فيه ثورة.. ظهرت فيه طوائف وفرق كانت كلها تقبع تحت راية الوطن الواحد.. أكراد.. أتراك.. شركس.. علوى.. درزى.. سنى.. شيعى.. قبطى.. نوبى.. بدوى.. صعيدى. بل الأمر بلغ ذروته عندما سمعنا وقرأنا عن رايات الانفصال والاستقلال ترتفع فى المحلة وبورسعيد والنوبة.. تطالب بأن تكون لها دولتها الخاصة، لأن الدولة الأم لم تعد على مقاسها أو مزاجها.. وقد حدثت التجربة أمامنا فى السودان المشطور.. وفى العراق التعيس الدموى الذى ينام على انفجار ويصحو على آخر.. لا تعرف ضاربه من مضروبه.. ولا قاتله من مقتوله.. الاحتلال الأمريكى البغيض يقبض على مقدراته سواء بالتواجد المباشر أو بالريموت كنترول عن بعد.. ونفس السيناريو نراه بصورة أخرى فى اليمن ويتكرر فى ليبيا وتونس.. ويحدث فى مصر.. لكن مازاد الأمر عندنا بشاعة وفظاعة.. هذا الانفلات الرهيب.. الذى يجعل من شلة الألتراس أولاد المدرجات.. عصابات تهدد بالتدمير والحرق والدم.. إذا لم تكن أحكام القضاء على هواها.. مع ملاحظة أن كل ألتراس يريدها عكس غيره.. والصحف تطاوعهم وتنفخ فى نيرانهم وتمنحهم المانشيتات الحمراء.. وهى أمور لا تحدث هكذا بحسن نية.. لكنها حسابات يا عم الحاج. أين ذهبت الثورة؟.. وأين الثائر الحقيقى من البلطجى فى ظل سجون لفظت أكابر مجرميها وساكنيها.. وشرطة فقدت هيبتها وسلاحها بفعل فاعل، وقد رأيت الباشا سيادة اللواء يداوى أحد الصيّع بعد أن كان هذا وأمثاله يسقط بنطلونه تلقائيا.. لرؤية أمين شرطة.. وأمامنا طوابير شهداء البوليس يتساقطون كل يوم فى مشاهد تدمى القلب والعين بكل حسرة وأسف. أين الثورة ؟ وهى التغيير.. والنظر إلى الأمام فى ثقة وإعادة ترتيب الأولويات إرادتنا فى أيدينا وعقولنا.. ومصر ليست كرة يتقاذفها الأمريكان والأوروبيون بأقدامهم نحو المرمى الإسرائيلى. أين الثورة ؟ وقد قامت لتضرب عنق الفساد.. وتأخذ بيد الاصلاح نحو مكانة تستحقها هذه البلاد التى وصفها المولى سبحانه وتعالى بأنها خزائن الأرض.. فهل رأيت كيف أصبحت الخزانة خاوية تمد يد التسول إلى صندوق يقال له دولى أو صناديق أخرى كلها أسماء ومسميات تثير فينا الشك والريبة.. ولكننا نرجوها ونتوسل إليها. ويقول خبراء الاقتصاد والمال: إن القروض والصكوك إن لم يتم توظيفها واستثمارها فى مشاريع للتنمية والإنتاج.. تدر العائد الذى يغطى فوائدها ويسددها وقبل كل هذا تفتح أبواب الرزق للعباد والبلاد.. فهى مصيبة وقيود تكبل الأيدى والإرادة. أين الثورة ؟ فى التعليم وهو قاطرة النمو والتطور والنهوض. أين الثورة ؟ فى عقول مبتكرة وخلاقة والأفكار الجديدة المتقدمة.. لنوابغ تزخر بهم بلادنا وأكثرهم عاطل عن العمل بعيد عن دائرة الضوء والاهتمام. أين الثورة ؟ يتبوئها الشباب مقاعد الصدارة والطليعة وهم بكارة الحماسة وذروة الاشتعال والطموح وشمس المستقبل. أين الثورة ؟ وقد حولناها إلى حلبة للملاكمة والمصارعة والتناحر.. والتلاسن والفوضى.. وقد غابت البرامج والخطط والرؤى.. إدارة تتكتم ما تفعله.. ونخبة تصرخ فى غضب رافضة لأغلب ما تجود به هذه الإدارة.. وشعب حائر ضاق بهذه الألعاب السياسية وقد اكتوى بنار الغلاء وقلة الحيلة والإحباط. أين الثورة ؟ بعد 730 يوما.. إنها فى ضمائرنا! أين ضمائرنا ؟