ليست مفاجأة أن تعرف أن كل الجهود التى تم بذلها بعد الثورة لاسترداد أموال مصر المنهوبة، والمهربة للخارج فشلت أو فى طريقها للفشل النهائى. وليست مفاجأة أن تسمع من رئيس المجموعة المصرية لاسترداد الأموال من الخارج أنه لم يسمع عن عودة ملايين الدولارات لمصر من جينيف عاصمة سويسرا أو غيرها من الدول الأجنبية، وليست مفاجأة أن نكتشف أن مؤسسات القضاء غير الطبيعى وتصرفات بعض الفصائل السياسية الحمقاء مثل حصار المحكمة الدستورية العليا عكست صورة سلبية للغاية عن منظومة القضاء المصرى وهو ما أثر بشدة على تعامل هذا الخارج مع ملف الأموال المصرية المهربة.. المفاجأة المؤلمة فى كل ماسبق أن تضيع على مصر هذه الثروة فى وقت هى أحوج ما تكون فيه لكل قرش لإنقاذ اقتصادها المنهار! ليست الأموال فقط هى ما تأثر بهذه التصرفات الرسمية وغير الرسمية، ولكن عودة الهاربين بالأموال أيضاً ربما لن تنجح مصر فى استعادتها؟. أيضاً.. هذا ما قاله د.حسام عيسى ل «أكتوبر» واصفاً: هذا العمل ب «الحماقة الكبرى». وأوضح أن الدول الأجنبية لا تعترف إلا بالأحكام القانونية القضائية التى تتم فى أجواء مناسبة دون ضغوط على المتهمين أو المقرات التى تتم فيها المحاكمات لافتاً إلى أن الحكومة الإسبانية أعلنت صراحة عقب محاصرة « المحكمة الدستورية، أنها لن تسلم حسين سالم لمصر، إلى جانب عدم الاعتراف بالأحكام التى تصدر من مصر بهذه الطريقة. وطالب الدكتور «عيسى» بضرورة إجراء محاكمات عادلة، إذا ما أردنا عودة تلك الأموال، لأن تلك البنوك الأجنبية لن تخضع لأى تأثير من أية دولة مشيراً إلى أن مصر تأخرت كثيرا وأصبحت المهمة شديدة الصعوبة، محملا المسئولية للسلطة الحالية لتقاعسها عن تشكيل لجنة عليا تتولى هذا الملف وتنسق الجهود المبذولة فيه من جانب جهات مختلفة. الأحكام النهائية من جانبه أوضح المستشار عادل عبدالباقى وزير التنمية الإدارية الأسبق ورئيس البنك العقارى المصرى العربى أن عودة الأموال المهربة لابد أن تكون من خلال صدور أحكام نهائية ضد الشخص المتهم بتهريب تلك الأموال، ويتم تقديم الطلب للقضاء فى الدولة الأجنبية الموجودة بها تلك الأموال لاعتماد حكم القضاء المصرى، وفى حالة ما إذا كان الحكم الصادر من القضاء المصرى غير بات أو نهائى، بمعنى أنه مازال قابلاً للاستئناف، أو الطعن أمام النقض، ففى هذه الحالة القضاء الأجنبى لا يصدر حكماً بالموافقة على رد تلك الأموال. أضاف المستشار عبد الباقى هناك شرط آخر لعودة تلك الأموال المهربة وهو أن يكون الحكم الصادر من القضاء المصرى فى قضايا جنائية وليست مدنية، أى أن الواقعة لابد أن تثبت فيها الجريمة وفقاً لقانون العقوبات المصرى، مشيراُ إلى أن عودة تلك الأموال مرهون بالتخطيط الجيد من الحكومة المصرية، عن طريق الطرق السياسية والدبلوماسية، حيث من الممكن أن يتم الاتفاق بين الحكومة المصرية والدولة الأجنبية بالتحفظ المؤقت على تلك الأموال لحين صدور الأحكام النهائية الباتة ضد هؤلاء المتهمين. أكثر تعقيداً وقال عبد الباقى: « ليس معنى ذلك أن الأمل فى عودة الأموال المهربة مفقود «ولكن نحن فى انتظار صدور الأحكام التى تتم بشأن وجود أموال مهربة للخارج»، لافتاً إلى أنه من الضرورى الاستعانة بمكاتب الاستشارات القانونية الموجودة بالدول التى اشتهرت بدخول ودائع وأموال ببنوكها، لتقوم تلك المكاتب بالبحث عن تلك الأموال المهربة فى دولهما، ومنها على سبيل المثال سويسرا، وتكون هذه المهمة مقابل أجر، منوهاً بضرورة أن تقوم الحكومة المصرية بسرعة بالتعاون مع تلك المكاتب من أجل المصلحة القومية حتى لا تتبخر وتختفى تلك الأموال أو على الأقل جزء منها. وأوضح عبد الباقى أن الإجراءات التى تتم فى تلك الدول تعتبر أكثر تعقيداً إذا كانت تلك الأموال قد استثمرت فى مشروعات وكيانات اقتصادية، أو أنشطة تجارية داخل هذه الدول، لافتاً إلى أن عودة تلك الأموال ليس أمراً مستحيلاً، ومن الممكن أن يطلب القضاء الأجنبى أن تحل الحكومة المصرية محل الشخص المتهم فى رأسمال الشركة التى سبق أن ساهم فيها أو اشتراها، أو حتى العقار الذى اشتراه، فيتم بيعه وتسييله حتى يمكن استرداد قيمته. أضاف: « الأمر لا يحتاج إلى تفاوض مع الدول الأجنبية، إنما يحتاج إلى ذكر نفس الإجراءات الخاصة بالاستثمارات أو المشروعات، أو العقارات فى نفس طلب الاتهام المقدم للدولة الأجنبية من أجل تسييل الأموال الموجودة لديها فى تلك المشروعات». أين أموال الريان والسعد؟! اتقف السفير جمال بيومى مساعد وزير الخارجية الأسبق ومهندس اتفاقية الشراكة المصرية – الأوروبية مع ما قالته المصادر السابقة، مضيفاً أنه لم يسمع عن أن الأموال عادت من الخارج سواء من جينيف أو من أية عاصمة أوروبية أخرى، لافتاً إلى أن خبرته الطويلة مع تلك الدول الأجنبية الضرورى أن تتم دراسة قوانين تلك الدول وإجراءاتها، إلى جانب محاولة تتبع تلك الأموال المهربة – وهو أمر بالغ الصعوبة-، وأضاف أن الدول الأجنبية لن تسمح بقبول أحكام جنائية صادرة عن محاكم غير طبيعية كالمحاكم العسكرية أو المحاكم التى تتم بضغوط سياسية أو بتهديد القضاة. استبعد السفير بيومى عودة أى أموال مهربة من الخارج: « ضارباً مثالاً لأموال الريان، وأشرف السعد وغيرهما ممن هربوا بأنفسهم وأموالهم، مشيراً إلى أن السعد مازال « يخرج لسانه لنا، بل يلقى على مصر التهم». المبالغة وحول المبالغة الشديدة فى الأموال المهربة، أوضح مهندس الشراكة المصرية الأوروبية أن ما نسمعه كل يوم من الكثيرين أصحاب الفتاوى أن تلك الأموال بلغت مليارات الدولارات، ومنذ فبراير 2011 حتى الآن نسمع أرقاماً خيالية تريليونات، ومليارات من الدولارات هرّبها النظام السابق لافتاً إلى أن الأرقام التى تعلنها مؤسسة فوربس العالمية سنوياً وغيرها تثير الكثير من الدهشة إذا ما علمنا أن أغنى رجل فى العالم لا يزيد ماله على 55 مليار جنيه، لافتاً إلى أنه عندما جاءت سيرة مبارك وعائلته قيل إنه هرّب 16 مليار دولار، ثم 70 مليار دولار، وإذا ما ضرب هذا الرقم فى 6،76 ج فيكون الناتج 4 تريليونات و73 مليار جنيه، إلى غير ذلك من الأرقام الخرافية، مضيفاً أن مبارك تلقى عقب حرب الخليج مبلغ 4.5 مليار دولار هذا المبلغ كان باسمه فقام بوضعه وديعة باسمه فى البنك المركزى، تضاعف هذا المبلغ من 1992 حتى الآن ووصل 9 مليارات دولار نتيجة لاستثماره فى مشروعات متعددة. وأكد السفير بيومى أن الحقيقة الأساسية لأموال مبارك وأسرته لا تزيد على 550 مليون فرنك فى سويسرا، ولن تتم عودته إلا بالإجراءات القانونية والتحقيقات المدنية السليمة، وتقديمها للدول الأجنبية. تقصير رسمى وأخيراً أكد محمود الوصيف المحامى أن هذا الملف يعانى من تقصير رسمى وحكومى، لافتاً إلى أن اللجنة القضائية التى شكلها المجلس العسكرى، حتى الآن لم تحقق أى إنجاز فى هذا الملف وهو ما يضيع حقوق الدولة المصرية ويمس هيبتها أمام الدول التى تلقت أموال الفساد الهاربة منها.