قبل عام انسحبت القوات الأمريكية من العراق، ومازال الشعب العراقى يدفع الثمن لجريمة لم يرتكبها، ولأسلحة لم يمتلكها.. والكل يعرف أن الإدارات الأمريكية سابقًا وحاليًا لم تكن ضد الديكتاتورية بشكل مطلق، فهى دائمًا أرادت ديكتاتوريات تخضع لها وتأتمر بأمرها وتخدم مصالحها، وإن الطبقة السياسية التى تحكم العراق اليوم جاءت على دبابات الاحتلال الأمريكى، والذين التحقوا بها، كانوا كلهم أوصاروا متعاملين معه، فمعظمهم من خريجى مدرسة الاحتلال التى أسست للطائفية والمذهبية والعرقية. وكل الأزمات السياسية منذ تشكيل أول حكومة تحت الاحتلال برئاسة إبراهيم الجعفرى وحتى حكومة الشراكة الوطنية برئاسة نورى المالكى كانت نقاط الاتفاق والاختلاف بينهما تحدث بسبب اقتسام المغانم والمناصب طبقًا لنظام «المحاصصة» الطائفى - العرقى الذى سنته قوات الاحتلال، ومن ضمن هذه الأزمات قضية نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمى، ووزير المالية دافع العيساوى. وفى مقال للجارديان البريطانية قالت الصحيفة «إن رئيس الوزراء العراقى نورى المالكى فى طريقه ليصبح ديكتاتورًا مساويًا لصدام حسين، والولايات المتحدة لا تحرك ساكنًا لاعتراض هذا المسار». يريد المالكى السيطرة الكاملة على الحكم، ولكن على أى أسس، وأى منجزات تبرر له هذه السيطرة، لقد كانت سنوات المالكى فى الحكم منذ توليه فى 20 مايو 2006، بالنسبة لبلد ديمقراطى، كافية لترسله إلى المحاكمة استنادًا إلى أعماله، سياسيًا أو اقتصاديًا أو إنسانيًا، وفيما يخص الديمقراطية وحقوق الإنسان، فقد صدر تقرير الأممالمتحدة حول أوضاع حقوق الإنسان فى العراق للعام2011، جاء فيه «يشير بقلق بالغ إلى مسألة إقامة العدل وعدم احترام الإجراءات القانونية الواجبة فى العراق، حيث يستمر اعتقال الأفراد واحتجازهم دون توجيه اتهامات، ولا تزال هناك حالات إساءة معاملة وتعذيب بحق السجناء والمعتقلين فى جميع أنحاء العراق»، وينتقل تقرير الأممالمتحدة لمسألة أخرى متعلقة بالاقتصاد «استمر الفقر الواسع الانتشار، ونسبة البطالة المرتفعة، والركود الاقتصادى، والتدهور البيئى، وانعدام الخدمات الأساسية، أثرت فى قطاع كبير من المواطنين، وأدت إلى خروج المظاهرات الاحتجاجية فى عدة مدن، حيث لجأت القوى الأمنية إلى القوة بطريقة عنيفة»، أما ديون العراق الخارجية قبل الغزو عام 2003- رغم سنوات الحرب والحصار - فكانت 84 مليار دولار وفى عام 2011 أصبحت 142 مليار دولار. ومن الطبيعى ألا يستفيد العراقيون من ثرواتهم، لأن الفساد المنتشر لم يترك لهم منها شيئًا، وبحسب منظمة الشفافية الدولية فإن «الفساد الذى شهده العراق طوال السنوات السبع الماضية - حكم المالكى - لم يشهده التاريخ البشرى كله»!! فالاحتلال الأمريكى أسقط صدام ونصبّوا المالكى بدلًا منه فأوصل العراق لتلك الحالة المأساوية، وهاهم أولاء العراقيون وبعد أن فاض بهم الكيل فشهدت محافظة الأنبار ومحافظات أخرى ذات أغلبية سكنية مظاهرات حاشدة طالبت حكومة المالكى بإشراك السنة فى صناعة القرار السياسى فى البلاد، وإلغاء قانون الإرهاب وإطلاق سراح المعتقلات، كما تواصل الاعتصام فى الموصل بمحافظة نينوى، ومحافظة صلاح الدين، ويرفض أهالى الأنبار إنهاء اعتصامهم إلى حين تنفيذ الحكومة كل مطالبهم التى أدرجوها فى 14 نقطة وسلموها إلى وزير الدفاع سعدون الدليمى، وكان رئيس الوزراء نورى المالكى قد أكد أن بعض مطالب المتظاهرين مشروعة وأنه سيتابع تنفيذها بنفسه، وحذر من جر البلاد إلى «مالا تحمد عقباه من قبل المتطرفين وأصحاب النوايا الخبيسة». وعلى صعيد آخر حذر أسامة النجيفى رئيس البرلمان من مغبة تجاهل مطالب المتظاهرين وعدم الاستجابة لها من قبل الحكومة، واتهم النجيفى كتلًا برلمانية بعدم إقرار قانون العفو العام على الرغم من إنجازه.