عندما تشيد كبرى الصحف الألمانية «فرانكفورتر الجماينة تسايتونج» بالدستور المصرى الجديد وتقول: إن مراحل إعداده اتسمت بشفافية قلما وجدت فى مراحل إعداد دساتير أخرى بالعالم.. وعندما تقول إن دستورنا الجديد قام بتقليص سلطات الرئيس بشكل غير مسبوق وزيادة الحقوق الأساسية للمواطنين.. عندما تقول صحيفة غربية شهيرة هذا فإنها لا تكذب ولا تجامل.. ولا تتجمل! و فى ذات الوقت فإن السيد البدوى رئيس حزب الوفد قال: «إن من صوّت ضد الدستور لم يقرأه أساساً ولكنه اتخذ هذا الموقف كرهاً للإخوان»، مشيراً إلى أنهم سيحصلون على أغلبية المقاعد فى البرلمان القادم.. وإن قلت عن البرلمان السابق. وأضاف البدوى: لو أن هناك حواراً جاداً فى الوقت الحالى يساهم فى إزالة الاحتقان فإن من يمتنع عنه يخون الأمانة». حقيقة يجب أن نحيِّى رئيس حزب الوفد على هذا التصريح الموضوعى المتوازن الذى يكشف عدة حقائق مهمة: * أنه رجل سياسى محترف يجيد قواعد اللعبة الديمقراطية.. فرغم رفض حزبه للدستور صراحة وبكل قوة وقسوة أحياناً.. فإنه بعد إعلان النتيجة النهائية وإقراره بصورة رسمية.. أصبح الدستور أمراً واقعاً يجب أن يقبل به الجميع وأن يتم بناء كافة مؤسسات وأجهزة الدولة انطلاقاً من مبادئه وأسسه ونصوصه، لذا يجب الانتقال من مقعد الرفض المطلق للدستور إلى واقع التعامل الإيجابى معه. * لعل دعوة رئيس حزب الوفد للحوار الجاد تمثل نموذجاً آخر للعمل السياسى البراجماتى، فلا يمكن لأى سياسى أن يحقق أهدافه دون حوار وتواصل مع كافة القوى.. خاصة مؤسسة الرئاسة والأحزاب المختلفة ومنظمات المجتمع المدنى.. هذا هو المدخل الصحيح لعلاج الأزمة الكبرى التى تواجهها مصر حالياً. * وقراءة رئيس حزب الوفد لقوة الإخوان المسلمين فى البرلمان القادم تعكس رؤية عميقة.. ولكن البعض قد يختلف معه قليلاً فى حجم المقاعد التى سيحصلون عليها (صعوداً أو هبوطاً)..فضلاً عن أن الوقت مبكر جداً لتحديد الحجم النسبى للقوى السياسية المختلفة فى البرلمان القادم.. وأتوقع أن يشهد مفاجآت عديدة.. وتركيبات سياسية جديدة!.. وبالمقابل.. فإن السيد عمرو موسى قدَّم مبادرة أخرى لحل الأزمة الراهنة تقوم على ستة محاور لعل أبرزها الاتفاق على هدنة سياسية مع جبهة الإنقاذ الوطنى وعودة الجميع إلى أعمالهم وإعادة تشغيل المصانع المتوقفة ووقف كافة الإضرابات عن العمل والمطالبات خلال فترة حكومة الطوارئ (المقترحة لمدة عام برئاسة رئيس الجمهورية). هذه المبادرة التى أطلقها الدبلوماسى المخضرم عمرو موسى تصب فى ذات الاتجاه الذى دعا إليه السيد البدوى - وكلاهما ينتمى لتيار سياسى واحد - هذا الاتجاه هو التهدئة والعمل على تحقيق الحد الأدنى من التوافق السياسى والاجتماعى خلال هذه المرحلة الحرجة. وأعتقد أنه بعد إقرار الدستور يجب أن يدرك الجميع أن واقعاً جديداً قد نشأ.. وأن يعملوا على تطوير أحزابهم ومؤسساتهم المدنية والسياسية والاستعداد للمعارك القادمة: انتخابات البرلمان ثم الشورى ثم المحليات، هذا هو سبيل الديمقراطية. فقد جرّب هؤلاء كل الوسائل.. لبلوغ أهدافهم.. ولكنهم لم يوفقوا.. وعليهم الاعتراف بحقيقة الأمر وبحجمهم على الأرض.. وبحجم منافسيهم أيضاً. ولعل دعوة عمرو موسى لعودة الجميع إلى العمل والإنتاج ووقف كل الإضرابات والمطالبات الفئوية توضح مدى إدراكه لخطورة الأوضاع الاقتصادية.. والسياسية أيضاً، وإن كان مدخل علاج هذه الأزمة الكبرى سياسياً بالأساس.. فالساسة المختلفون والإخوة الأعداء - أصدقاء الأمس - مسئولون عن هذا الواقع المتردى.. دون استثناء، الكل أخطأ ويتحمل مسئولية الأخطاء التى وقعت كما أكد رئيس الجمهورية فى كلمته للأمة، وهذه شجاعة وواقعية ورؤية ثاقبة تحسب لمحمد مرسى، فهو يضع نفسه ضمن من أخطأوا.. ولم يستثن جماعته أو حزبه وتياره السياسى من تحمّل مسئولية ما حدث من تجاوزات وأخطاء. ولكن المهم أن نبدأ العمل الجاد لتدارك هذه الأخطاء فوراً.. فلا يوجد وقت نضيعه.. ولا جهد ولا مال ندخره، بل إننا مطالبون بالإسراع بالعمل والعمل المضاعف بأقصى ما نستطيع، ولنعتبرها معركة مصير.. سوف ننتصر فيها بمشيئة الله. وفى ذات الوقت فإننا ندعو كافة الساسة المحترفين والمحترمين للاقتداء بدعوتى موسى والبدوى.. وأن يدركوا أن السياسة تعنى تبادل مواقع اللعبة.. فاليوم هم فى المعارضة.. وبالأمس كان بعضهم فى السلطة.. وغداً قد يعودون إليها، هذه هى قواعد الديمقراطية.. بل إنها سُنّة الحياة.. كما وضعها خالق الحياة والموت. وفى ذات الوقت أدعوا شباب الثورة لبدء صفحة جديدة وأن يُكوّنوا تشكيلاً سياسياً قوياً مستقلاً قادراً على خوض الانتخابات القادمة بكل مراحلها.. وأن يتعلموا من الآخرين.. حتى ممن يختلفون معهم، وليس عيباً أن أتعلم من خصمى.. رغم أننا أبناء بلد واحد.. وأشقاء وأحباء.. رغم كل ما حدث وسوف يحدث!! * * * ولعلنا تابعنا بعض الادعاءات والشائعات التى انطلقت تحذرنا من احتمال إفلاس مصر خلال أيام!! ولعل من أطلقوا هذه الشائعات هم المفلسون فعلاً! كما أننا نرى الإفلاس فى النماذج التالية: ** المقاطعون للحوار الوطنى على طول الخط.. ودون مبرر واقعى أو منطق سياسى، بل إن المقاطعة تضر هؤلاء بمقاييس المصالح والمنافع المتبادلة.. وتضر المصالح العليا للوطن أيضاً، فإذا كان هؤلاء حريصين على مصر ومستقبلها.. بل مستقبل أبنائهم فعليهم المشاركة فى كل جهد بنّاء لإنقاذ سفينة الوطن، وليعلموا أن المقاطعة تضر الوطن.. كما تضر صحتهم «السياسية»! ** المضللون السياسيون والإعلاميون.. يدخلون ضمن دائرة الإفلاس المزعومة!! فقد انكشف هؤلاء.. على الهواء.. بدءاً من الزعم بأن قاضى إحدى لجان الاستفتاء هو «منجد».. وانتهاء بدعوة إحدى السنيورات لخيرت الشاطر بتولى رئاسة الحكومة!! ولست أدرى أين حُمرة الخجل لدى هؤلاء الإعلاميين.. وأولئك الساسة الذين يضللون الشعب وينكشفون أمامه.. ومع ذلك يستمرون فى الكذب والغش والخداع. لقد آن الأوان لأن يعزف البسطاء عن مشاهدة هؤلاء.. ومتابعة هؤلاء الساسة المضللين.. أفيقوا أيها الإعلاميون المضللون. لقد سقطتم سقوطاً مدوياً.. مرات عديدة.. بدءاً من استفتاء مارس 2011.. وانتهاء باستفتاء ديسمبر 2012، فى كل مرة يدَّعون أن «لا» هى الأغلبية.. ثم تهوى «نعم» على رؤوسهم مثل الصواعق الماحقة!! ** من يستقوى بالخارج ويسافر إلى إسرائيل ويمتدحها ويطالب العم سام وأذنابه بالتدخل فى شئوننا.. هذا هو المفلس فعلاً.. وعليه وأمثاله أن يدرك أن الزمن ليس زمنهم.. وأن أوانهم قد ولَّى.. فإما أن ينخرطوا فى إطار العمل السياسى المحترف ويقبلوا خيار الشعب.. وإما أن ينزووا فى ركن ركين! ** الداعون للعنف ليسوا مفلسين فقط.. بل إنهم مجرمون يجب أن يقدموا للمحاكمة ودون إبطاء، لقد تخطى هؤلاء كل الحدود والخطوط الحمراء ومارسوا أسوأ أنواع البلطجة السياسية، فلا حوار ولا مهادنة مع هؤلاء.. وهنا نقترح إصدار تشريع يجرِّم العنف والداعين إليه وأن تتم محاكمتهم أمام محاكم ثورية خاصة. ** المعطلون للإنتاج ومن يقطعون الطرق وخطوط السكك الحديدية من أبرز أمثلة الإفلاس الأخلاقى والسياسى والسلوكى، فقد آن الأوان لأن تدور عجلة العمل.. حتى يحصل هؤلاء على مطالبهم الفئوية.. بل حتى يحصلوا على مرتباتهم وحقوقهم الأساسية، فكيف أطالب بمزايا وامتيازات خاصة وأنا ممتنع عن العمل وأصنع المشاكل؟! من أين يأتى الدخل أصلاً وأنا لا أعمل؟! وهناك نوع أخير من المفلسين.. لعله أقلهم ضرراً.. ألا وهو هؤلاء المتكاسلون المتباطئون فى العمل! نعم إنهم يذهبون إلى مقار أعمالهم.. ولكنهم لا يعملون.. بل يحصلون على المزايا والامتيازات. وربما يكون هذا النوع هو الإفلاس الأكثر خبثاً!! لأنه لا يعطل العمل.. وفى ذات الوقت لا يعمل بكامل طاقته.. ولا يتقن عمله! لقد تحدث كثيرون عن إفلاس مصر.. ولكنهم لا يدركون أن أرض الكنانة حقيقة كونية ربانية.. محفوظة بأمر الله وكرمه.. وبشعبها الطيب الأصيل.. بهؤلاء البسطاء الذين يصونون «المحروسة» فى قلوبهم وعيونهم!