خلف تلك النظرة الفاشية العدائية التى أورثها إياها الأب اليمينى المتطرف (جان لوبان) تختفى كل ملامح أنوثتها ويستيقظ العنصر الكامن والمتسرب من عنصريات خلفتها حرب عالمية زرعت (الشوفينية) البغيضة بدماء ضحاياها.. فكان الحصاد المر الذى استقر طعمه فى جوف المهاجرين قاطنى مناطق الجنوب دون ذنب جنوه اللهم إلا جناية معاناتهم من (الجوع والفقر والمرض) تلك الثلاثية المجرمة خلفتها سنوات الاستعمار العجاف الذى استحل خلالها دماءهم وأرواحهم متناسيين عن عمد سقوطهم فى الدفاع عن فرنسا خلال الحرب العالمية، والتى شيدت من أجل تكريمهم أول مسجد فى أوروبا منذ قرن من الزمان ليكون رمزًا لاعتراف فرنسا بفضلهم وبطولتهم. فالسيدة مارين لوبان زعيمة حزب «الجبهة الوطنية» اليمينى المتطرف لم تقرأ التاريخ جيدًا ولم تتوقف يومًا عن إصدار تصريحاتها النارية والتى شبهت فيها المسلمين فى أدائهم لصلاة الجماعة بالنازيين والتى بسببها طالب مسلمو فرنسا القضاء الفرنسى بمخاطبة البرلمان الأوروبى لرفع الحصانة النيابية عنها. استهدفت مارين بذلك تذكير الشعب الفرنسى بحقبة الاحتلال النازى لبلادهم والتى عانوا خلالها من الذل والاغتصاب والظلم، وقد أسفرت سياسة مارين العنصرية عن تزايد الأصوات المؤيدة لها والتى تعدت نسبة 17,9% فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة مشيرة بذلك لتغير واضح فى الدبلوماسية الفرنسية والتى كانت ترفض فى السابق التوظيف السياسى للعقائد الدينية وتطالب باحترام حرية الأديان. فقد نجحت مارين وخلال فترة وجيزة فيما فشل فيه والدها مؤسس حزب الجبهة الوطنية اليمينى المتطرف الذى كان يدعو منذ أوائل السبعينيات لما أسماه نقاء فرنسا ويعارض الهجرة والاتحاد الأوروبى والإسلام، وتحاول مارين استمالة المزيد من الناخبين بإقناعهم بأن ارتفاع معدلات البطالة والفقر يرجع سببه إلى الاتحاد الأوروبى والمهاجرين الذين يشكل المسلمون عددًا كبيرًا منهم ومن أقوالها « لقد أخطأت فرنسا عندما حاولت دمج المهاجرين بدلًا من ترحيلهم مرة أخرى» وقد أثارت هذه التصريحات ضجة دفعت الأحزاب المنافسة لمزيد من التشدد لملاحقة شعبية حزب مارين الذى يتوقع أن يكون الحزب الأول فى الانتخابات الرئاسية القادمة. مارين التى درست المحاماة لم تعمل بها إلا لسنوات معدودة لتتفرغ لعملها السياسى، وقد طلقت مرتين ولديها 3 أبناء، وتتحدث عن حياتها قائلة إن طفولتها كانت بائسة فهى أصغر شقيقاتها الثلاث لأب يعمل بالمعارضة، وإنها قد تعرضت هى وأخواتها للتجاهل و الازدراء من الجميع بسبب آراء والدها وأفكاره، وتقول أيضًا إنها رغم تجنبها العمل بالسياسة طوال حياتها فإن السياسة فيروس لا تشفى منه أبدًا، وإن الطريقة الوحيدة للشفاء منه هو أن تتجاوب معه فقد ولدت وتربت وسط السياسة وقد حاولت مرارًا أن تكون لها حياتها الخاصة ولكنها فى النهاية وجدت أنها الأمر الوحيد الذى جذبها، وتضيف قائله إنها قررت حمل الراية عن والدها الذى اعتزل العمل السياسى لتتولى زعامة الحزب. وفى النهاية يجب أن نتذكر أن الفرنسيين يعشقون التميز ويقدرون اختلاف المذاقات ويتمنون التفرد والخصوصية ولأنهم لا يشعرون بوجود (أولاند) على مقعده الرئاسى ويفتقدون حروف فرنسا وسط مانشيتات الصحف العالمية ولا يسعدهم حيادهم الإعلامى لذا فربما يختارون مستقبلًا «ابنة لوبان» ذات الطعم الحاد و المذاق الحار.