رغم تأييد غالبية الناخبين البريطانيين لفرض ضوابط قانونية من أجل تنظيم قطاع الصحافة، فإن رئيس الوزراء ديفيد كاميرون اختار الانحياز لحرية الصحافة فى بريطانيا فى تعامله مع التوصيات التى خرجت بها لجنة التحقيق المعروفة ب (تحقيق ليفيسون) حول مدى التزام الصحافة البريطانية بالمعايير الأخلاقية، متسببا فى حدوث انقسام فى التحالف الحاكم بين حزب المحافظين بزعامته وشركائه الديمقراطيين الليبراليين بزعامة نيك كليج فى الوقت الذى انتهزت فيه المعارضة العمالية الفرصة لتحقيق مكاسب انتخابية. ودعا التقرير الذى أصدرته اللجنة أواخر الشهر الماضى، لتنظيم الميثاق الأخلاقى للصحافة البريطانية، إلى تأسيس هيئة رقابية مستقلة ذاتية التنظيم ومدعومة بالقانون لضمان الالتزام بقراراتها. وقال رئيس اللجنة القاضى ليفيسون: إن الصحافة البريطانية فشلت فى تنظيم نفسها بشكل صحيح وتسببت بجريها وراء القصص المثيرة فى تدمير حياة الكثير من الأشخاص الأبرياء على مدى عقود عديدة. وانتقد ليفيسون العلاقة القوية التى طورها السياسيون البريطانيون من كل الأحزاب مع مالكى وسائل الإعلام ورؤسائها التنفيذيين خلال العقدين الماضيين بهدف عدم التعرض لحملات تشوه صورتهم أمام الرأى العام، وهو ما لم يكن فى مصلحة المواطنين. وأوضح أن المقترحات الواردة فى تقريره المكون من 2000 صفحة من شأنها ضمان حماية حقوق الضحايا والأشخاص الذين يتقدمون بشكاوى ضد وسائل الإعلام. والمعروف أن الصحافة البريطانية تتمتع بحرية مطلقة ولا تخضع إلا للجنة الشكاوى الصحفية التى تتولى الفصل فى شكاوى المتظلمين وهى ذات تأثير ضعيف للغاية. وأمر كاميرون فى أواخر يوليو 2011، بفتح تحقيق ليفيسون فى أعقاب فضيحة التنصت على هواتف مشاهير ومواطنين من قبل صحيفة «نيوز أوف ذى وورلد» المملوكة لامبراطور الإعلام روبيرت مردوخ وأدت إلى إغلاقها بعد 168 عاما من بدء صدورها. واستمعت اللجنة إلى ضحايا عمليات التنصت وكبار المسئولين فى الصحف وأعضاء فى أجهزة أمنية وصحفيين ومسئولين سياسيين من بينهم رئيس الوزراء نفسه بسبب تورط أحد مساعديه السابقين فى القضية، وذلك بهدف الكشف عن الجهات المسئولة عن المخالفات والخروج بمقترحات لإجراء تعديلات على الميثاق الأخلاقى للعمل الصحفى فى بريطانيا. وتسببت توصية اللجنة بشأن الدعامة القانونية للهيئة التنظيمية الجديدة الموصى بتأسيسها فى حدوث انقسام بين القادة السياسيين، فرئيس الوزراء أعلن عن موقفه الرافض لأى أساس قانونى لتنظيم عمل الصحافة، وحذّر فى بيان أمام مجلس العموم البريطانى من مخاطر تجاوز الحدود فى الدعوات المطالبة بإصلاح وسائل الإعلام البريطانية على نحو يؤدى إلى تقييد حرية الصحافة. وأرجع بعض المراقبين موقف كاميرون إلى حرصه على الحفاظ على علاقته مع أصحاب الصحف أكثر من إيمانه بمبدأ حرية الصحافة. أما حليفه فى الحكومة الائتلافية نيك كليج زعيم حزب الديمقراطيين الليبراليين فقد أعلن عن رغبته فى تنفيذ كل ما جاء فى التقرير قائلا «إنها مسئوليتنا أمام ضحايا التنصت». وعلى نحو مماثل، جاء موقف المعارضة حيث قال زعيم حزب العمال إد ميليباند إن توصيات اللورد ليفيسون جاءت واقعية وفى الصميم ولهذا «فعلينا أن ننفذها بالكامل» مطالبا كاميرون بأن يلتزم بتطبيقها وهو ما فسره المراقبون برغبة ميليباند فى إضعاف الائتلاف الحاكم أكثر من إيمانه بحماية ضحايا الصحافة. وبالرغم من وجود خلافات بين الصحف البريطانية حول مدى استقلالية الهيئة المقبلة لمراقبة المهنة، فإنها أجمعت على معارضة وضع ضوابط قانونية للقطاع، وأشاد معظمها بمختلف توجهاتها السياسية بالموقف الذى اتخذه رئيس الوزراء فى البرلمان، فصحيفة «الصن»، التى لم تضيّع فى الفترة الأخيرة أية فرصة لانتقاد رئيس الوزراء المحافظ، امتدحت «شجاعة كاميرون»، فى حين وصفت «الديلى ميل» رئيس الوزراء بأنه شخص «محب للحرية» يسعى «لكسب مكانة رفيعة فى تاريخنا». أما «الديلى تليجراف» فقد أعربت عن إعجابها باختيار كاميرون لاتخاذ موقف بشأن قضية تعتبر مسألة مبدأ. وحتى صحيفة «الاندبندنت» المعروفة بحساسيتها ناحية الحزب المحافظ قالت إن «كاميرون كان محقا تماما». وأعربت «تايمز أوف لندن» عن إعجابها بشجاعته. وعبر المناصرون لحرية الصحافة فى بريطانيا وبالخارج عن قلقهم بشأن مقترحات ليفيسون، وقال جيول سيمون، المدير التنفيذى ل?«لجنة حماية الصحفيين» إن «تبنى أى تنظيم قانونى سوف يضعف الصحافة فى المملكة المتحدة ويعطى الشرعية للحكومات القمعية فى العالم التى تكمم صحفييها بواسطة هذه الضوابط». وفى المقابل، أظهر استطلاع للرأى أجراه معهد «يو جوف» أن 79% من البريطانيين البالغين سن التصويت يؤيدون استحداث هيئة لتنظيم قطاع الصحافة تتمتع بسلطات قانونية وتشريعية. وأشارت النتائج إلى أن 60% من المستجوبين يأملون فى أن يعمل كاميرون على تنفيذ جميع توصيات لجنة ليفيسون. كما انتقد ضحايا عمليات التنصت موقف رئيس الوزراء وأقدموا على جمع توقيع المواطنين على عريضة تطالب بتنفيذ توصيات ليفيسون بشكل كامل. وبين المؤيدين والمعارضين يواجه كاميرون، على حد قول صحيفة «الجارديان»، أحد أصعب التحديات السياسية منذ توليه السلطة فى 2010.