قبل عام وعندما كانت ليبيا تعيش حربا طاحنة لإسقاط نظام القذافى، كانت «بنى وليد» إحدى آخر القلاع التى ظلت موالية للقذافى حتى آخر لحظة، وحتى بعد سقوط النظام ظلت «بنى وليد» بعيدة عن السيطرة الحكومية وبقيت سلطتها رمزية أمام السيطرة الفعلية للميليشيات المسلحة. وبرزت «بنى وليد» باعتبارها المثال الأوضح على الصراعات المستمرة فى ليبيا. وتبرر الحكومة هجماتها الأخيرة على بنى وليد برغبتها فى وضع حد لفلول النظام السابق وإخضاع المدينة للسلطة المركزية. حادث عمران وكان خبر وفاة عمران شعبان فى أحد المستشفيات الفرنسية متأثرا بجراح تعرض لها أثناء اختطافه فى بنى وليد على أيدى ميليشيات كانت موالية للقذافى. عمران شعبان هو من عثر على القذافى فى ماسورة للصرف الصحى فى أكتوبر 2011 لتنتهى بذلك أسطورة القذافى، هذه الحادثة دفعت الحكومة فى طرابلس إلى توجيه أوامرها بشن الهجوم على بنى وليد. ومن جانب آخر يشكو سكان وأهالى المدينة من التمييز الذى يعانون منه بسبب موقفهم السابق من الحرب التى أسقطت القذافى معتبرين أن ما يحدث يندرج فى إطار المضايقات التى تتعرض لها قبيلة «ورفلة» وباقى الأطراف التى سندت القذافى قبل سقوطه. ويدعم هذا الشعور أن ممثلى المدينة الذين تم اختيارهم فى انتخابات المؤتمر الوطنى العام والتى أجريت فى يوليو الماضى طردا من المجلس بعد اتهامهما بموالاة النظام السابق. تاورجا فارغة ولا يقتصر الأمر على بنى وليد،بل تعانى مدن أخرى من تبعات حرب إسقاط القذافى، ومن تلك المدن تاورجا التى يتهم عناصر منها بارتكاب أفظع الجرائم فى مصراته وتدميرها بالكامل عندما كانت محاصرة من قبل نظام القذافى. وبعد سنة على سقوط النظام لا يستطيع سكان تاورجا العودة إلى مدينتهم، حيث اعتقل ثوار مصراتة العديد منهم وأرغموا الباقى على الانتقال إلى مناطق أخرى فى ليبيا. ورغم جهود المصالحة التى تقوم بها الحكومة لإنهاء خلافات الماضى، يصر سكان مصراتة على إبقاء تاورجا فارغة من أهلها وعدم عودتهم إليها، وهوالأمر الذى لم تجد الحكومة أمامه حلا سوى القبول بالأمر الواقع. وفى تفسيرها لاستمرار الاحتقان بين المناطق الليبية التى اعتبرت موالية للقذافى وتلك التى ثارت عليه منذ البداية ترى هيئات حقوقية أن غياب العقوبة على الجرائم الكثيرة التى ارتكبت وعدم تقديم المسئولين عن القتل والاغتصاب والتدمير الذى تعرضت له البلاد أثناء الحرب ضد النظام إلى العدالة هو المسئول عن الوضع الحالى. وتمثل الحادثتان اللتان وقعتا الأسبوع الماضى فى طرابلس وبنغازى حلقة من سلسلة من أحداث العنف التى أسقطت قتلى وجرحى وتسببت فى نزوح الآلاف. ويؤكد مراقبون أن الهجمات التى تقع بين الحين والآخر تعكس ضعف سلطة الحكومة على الميليشيات المسلحة التى تتنافس على السلطة، وتتفوق أحيانا على الجيش والشرطة فى العدد والسلاح، ويقدر عدد المجموعات المسلحة بنحو ألفى مجموعة تنتشر فى أنحاء ليبيا، ومنهم من انخرطوا بشكل رسمى فى وزارة الدفاع أو الداخلية، ومنهم من بقى خارج سيطرة الدولة. الحكومة الجديدة تمثل الاشتباكات بين الميليشيات الليبية واستمرار حالة الاستنفار بين عدد من القبائل تحديا كبيرا لحكومة الدكتور على زيدان. وقد أدت الحكومة التى تضم 30 وزيرا اليمين أمام المؤتمر الوطنى العام يوم الخميس الماضى، رغم الاحتجاجات على بعض الوزراء بسبب علاقاتهم مع نظام القذافى. وزيدان هو ثانى رئيس حكومة يعين منذ انتخابات المؤتمر الوطنى العام فى يوليو الماضى. والحكومة الجديدة مدة ولايتها سنة لتنظيم انتخابات جديدة على أساس دستور يجرى صياغته. وأوكل رئيس الوزراء الحقائب الأساسية مثل الخارجية والمالية والعدل والداخلية والدفاع إلى مستقلين، لكن حكومته تضم أيضا شخصيات تنتمى إلى الأحزاب الإسلامية والليبرالية الممثلة فى المؤتمر الوطنى العام- البرلمان. وعلى الرغم من شعور الليبيين بالسعادة لتخلصهم من ديكتاتورية القذافى التى استمرت اثنتين وأربعين سنة، فإنهم يخشون على المستقبل وينظرون إلى الأيام القادمة بقلق بسبب عدم الاستقرار، والشكوك فى قدرة المسئولين على فرض الأمن فى أنحاء ليبيا.