عقب ماراثون طويل وجولات متعددة من المفاوضات استمرت لسنين عدة بين الاتحاد الأوروبى وتركيا حول حصول الأخيرة على عضوية الاتحاد تخللها الكثير من الخلافات والانقسامات، جاء الربع الأخير من العام الجارى يحمل انفراجة جديدة فى المفاوضات بين الطرفين بعد إعلان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تجدد المفاوضات ودعم استمرارها حتى ولو كانت هناك قضايا رئيسية لم يتم الاتفاق عليها بعد، ومع ضرورة تقديم الطرفين لعدة تنازلات. ويعود التغير الملحوظ فى موقف عدد من أعضاء الاتحاد الاوروبى وعلى رأسهم المستشارة الألمانية ميركل التى كانت تفضل أن تظل دولة تركيا المسلمة مجرد شريك مميز للاتحاد الأوروبى وليست دولة كاملة العضوية به إلى الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى تضرب منطقة اليورو وتتحمل ألمانيا مسئولية مواجهتها بمفردها، فهى تبحث عن شريك فى المسئولية تقتسم معه تقديم المساعدات الاقتصادية للأعضاء المتعثرين كاليونان وأسبانيا وغيرهما. ويرجع خبراء سياسيون حالة الخوف التى تسيطر على غالبية أعضاء الاتحاد الاوروبى وفى مقدمتهم فرنسا إلى العدد الكبير لسكان تركيا والذى يقارب 80 مليون نسمة وهو ما يزيد على سكان فرنسا وسيزيد على سكان ألمانيا بحلول عام 2015 وفقا لأحدث الاحصائيات، علما بأن صنع القرار داخل منطقة اليورو يرتبط بشكل رئيسى بعدد سكان كل من دول الأعضاء، بينما يرجع البعض الرفض الأوروبى لتركيا إلى اختلافها جغرافيا وثقافيا وتاريخيا ودينيا عن أوروبا باعتبار أن 97% من مساحتها تقع خارج أوروبا فى منطقة آسيا الصغرى، وغالبية سكانها مسلمون بما يشكل خطر اجتياح 70 مليون مسلم بلدان الاتحاد الأوروبى ويزعزع الاستقرار السياسى والاقتصادى والأمنى فى أوروبا، ويسهل السيطرة التركية على المؤسسات الأوروبية، فتنال تركيا أكبر عدد من النواب فى البرلمان الأوروبى الذى يقوم على نسبة عدد السكان فى كل بلد. وكانت تركيا قد بدأت مساعيها للحصول على عضوية الاتحاد الاوروبى فى منتصف عام 1987، قبل أن تتقدم فى عام 1995 بطلب رسمى للانضمام إلى الاتحاد بعد تأسيسه على شكله الحالى عام 1992 عقب معاهدة ماسترخت إلا أن طلبها قوبل بتجاهل شديد ولم يتم الاعتراف بها كمرشح رسمى للعضوية الكاملة للاتحاد إلا عام 1999، بل لم تبدأ المفاوضات الرسمية إلا عام 2005 بمناقشة الشروط الواجب توافرها قبل الحصول على العضوية، وفى عام 2006 تم تجميد التفاوض على 8 شروط بعد رفض الحكومة التركية السماح لحركة النقل القبرصية اليونانية الدخول إلى أراضيها، أعقبها تجميد 19 شرطا آخر مع بداية عام 2007، ثم جاءت مشكلة تطبيع العلاقات التركية الأرمينية لتحكم بالفشل على ما تبقى من مفاوضات بين الجانبين والتى توقفت تماما عام 2010. وعلى الرغم مما حققته تركيا خلال العقد الأخير من اقتصاد متنام وكذلك ثقل سياسى ودور مؤثر على المستوى الإقليمى والأهم استقرار داخلى بانتهاء عصر الانقلابات العسكرية فإنها لا تزال تتمسك بالحلم الأوروبى لعدة أسباب أهمها أن النخب التركية ترى أن ذلك سيساعد على إجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية اللازمة، ونشر الديمقراطية، وحماية حقوق الإنسان، والحصول على السلع الرأسمالية من الاتحاد والتى تعتبر سلعا ضرورية للتنمية والتحديث الاقتصادى وتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة من الشركات الأوروبية على الأراضى التركية، والحصول على مساعدات أوروبية على الصعيد العسكرى. ومع ذلك وفى ظل كثرة الخلافات مع الاتحاد الاوروبى ومماطلته كشفت أحدث الدراسات واستطلاعات الرأى عن شعور الأتراك بالملل الشديد تجاه قضية العضوية، فالغالبية ترى أن مصلحة تركيا الاقتصادية فى تعاونها مع دول الشرق الأوسط وليست مع أوروبا، ولم يستبعد العديد من المحللين إصابة المسئولين الأتراك بنفس الشعور وهو ما ظهر واضحا من خلال تحذيرات رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان بأن الاتحاد الاوروبى سيخسر ما لم يمنح عضويته لتركيا قبل عام 2023 وهى المرة الأولى التى يضع فيها مسئول تركى موعدا محددا لإنهاء المفاوضات، كما لم يخف أردوغان سعيه لإنشاء منطقة الليرة فى حالة فشل دخول بلاده منطقة اليورو.