عندما يتحوّل الاحتفال بعيد الأضحى من مناسبة دينية عظمى.. تتزامن مع أداء فريضة الحج والمؤتمر الإسلامى العالمى السنوى فوق جبل عرفات.. عندما يتحوّل إلى مناسبة للصراع السياسى والحزبى على خلفية الشعائر الدينية بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد وعلى النحو الذى تبدّى بكل فجاجة فى صلاة العيد بالساحات والمساجد من أقصى مصر إلى أقصاها؛ فإن ذلك يعنى وبكل الأسف أن حالة الاستقطاب السياسى التى تخيّم على البلاد فى الأشهر الأخيرة تكون قد بلغت مبلغاً خطيراً.. يهدد بإسقاط الدولة. إن تلك المشاهد المؤسفة التى جرت فى المساجد وساحات الصلاة فى صبيحة يوم العيد قبل أسبوع من تبادل توزيع منشورات حزبية وتمزيق اللافتات الدعائية واتهامات وطنية ودينية بين أنصار مختلف الأحزاب والتيارات السياسية وخاصة بين أحزاب التيار الإسلامى وأحزاب التيار الشعبى والأحزاب الليبرالية الأخرى.. تلك المشاهد المؤسفة بدت سابقة لم تشهد مصر مثلها من قبل، بقدر ما بدت استغلالاً انتهازياً مشيناً ومسيئاً للعيد وللصلاة وخروجاً على التقاليد المصرية وانتهاكاً لمنظومة القيم والآداب العريقة والتى ترتكز على نبذ الخلافات الدنيوية والصراعات السياسية فى مثل هذه المناسبة الدينية العظمى. اللافت فى كل ما جرى أن حالة الاستقطاب السياسى الحاد والصراع الحزبى المستعر قد امتدت إلى أحزاب التيار الإسلامى ذاته حسبما حدث من مشادات كلامية وتبادل اتهامات وتوزيع منشورات بين جماعة الإخوان والتيار السلفى. المثير فى حالة الاستقطاب السياسى هذه.. التى بلغت ذروتها فى صلاة العيد، أنه بينما ترفض الأحزاب الليبرالية وأحزاب التيار الشعبى ما تسرب من مسوّدة مشروع الدستور باعتبارها تعبّر فقط عن جماعة الإخوان وذراعها السياسى حزب الحرية والعدالة وكذلك التيار السلفى، فإن الأحزاب السلفية من جانبها ترفض مشروع الدستور الذى تصفه بدستور الإخوان، باعتبار أنه لا يتضمن النص الصريح على تطبيق الشريعة الإسلامية.. أحكامها لا مبادئها.. تطبيقاً كاملاً. *** ومع الإقرار وفقاً لقواعد وأصول الديمقراطية بحق كل فصيل أو تيار سياسى أو حزبى فى الموافقة أو الرفض لما تسرّب من مشروع الدستور والذى لم يتم إقرار صياغته النهائية بعد، إلا أن ذلك المسلك من جانب الأحزاب والتيارات بتحويل المساجد وساحات الصلاة فى العيد إلى ساحات للصراع الحزبى والاحتراب السياسى والترويج للأفكار والرؤى الحزبية الخاصة سواء من جانب أحزاب تيار الإسلام السياسى.. الإخوانى والسلفى أو الأحزاب الأخرى.. إن ذلك المسلك بدا أيضاً وبكل المقاييس إساءة بالغة للمناسبة الدينية وللوطن ولكل المصريين. واقع الأمر.. إن الخطأ بل الخطيئة الوطنية طالت كل الأحزاب.. أحزاب تيار الإسلام السياسى والأحزاب الليبرالية الأخرى.. الجميع أخطأوا فى حق مصر وأساءوا استغلال مناسبة العيد وصلاته.. الذين يؤيدون مشروع الدستور والذين يرفضون.. الذين هاجموا أنصار الأحزاب الليبرالية والدكتور البرادعى.. والذين هتفوا فى ميدان التحرير ضد الرئيس.. والذين رفعوا الأحذية فى وجه الشيخ مظهر شاهين. *** أما ما جرى على المنابر فى خطبة صلاة العيد وبعد المشاجرات والمشادات التى سبقت الصلاة وما ورد فى خُطب أئمة كثير من المساجد والساحات المنتمين أو المؤيدين لتيار الإسلام السياسى.. فكان خروجاً على السياق الخطابى الإسلامى المألوف فى مناسبة عيد الأضحى، بقدر ما كان تصعيداً لوتيرة الصراع السياسى والحزبى. وإذا كانت مناسبة عيد الأضحى ووفقاً للمعلوم من الدين بالضرورة تفرض أن تتناول الخطبة فلسفة ودلالات الاحتفال بهذا العيد الذى يأتى غداة وقوف حجاج بيت الله الحرام بعرفات ومن ثم ضرورة الحديث عن هذه الفريضة باعتبارها الركن الخامس من أركان الإسلام؛ فإن إغفال الحديث عن تلك المعانى والتركيز على تطبيق الشريعة الإسلامية بدا أمراً متعمداً واستغلالاً سياسياً للمناسبة الدينية، ومن ثم فقد كان حديثاً فى غير موضعه. وكانت خطبة العيد فى المسجد الذى أدى فيه الرئيس محمد مرسى الصلاة.. نموذجاً واضحاً يؤكد هذا التوجه المتعمد، وكانت أيضاً نوعاً من الممالأة السياسية للرئيس الذى كان جالساً فى المسجد يستمع إلى الخطبة. *** الأمر الذى يدعو للقلق بل الفزع هو أن حالة الاستقطاب المتزايد فى المشهد السياسى والوطنى قد تجاوزت الصراع الحزبى بين أحزاب تيار الإسلام السياسى والأحزاب الأخرى إلى ما هو أخطر من ذلك بكثير حيث امتد الصراع والخلاف إلى ممارسة الشعائر ذاتها. ولقد كانت الاشتباكات التى شهدتها ساحة مسجد السلام بحى المساعيد بمدينة العريش أثناء صلاة العيد بين فريقين من المصلين مظهراً من مظاهر هذا الخلاف الخطير. عندما يصل الأمر إلى درجة أن يتبادل فريقان من المصلين الضرب واللكمات والركل بالأقدام داخل ذلك المسحد بسبب الخلاف حول صيغة تكبيرات العيد، فإننا نكون بصدد حالة انقسام دينى وبما يتجاوز الصراع السياسى الحزبى. غير أنه تجدر الإشارة فى نفس الوقت إلى محاولة المنتمين للتيار السلفى وجماعة الإخوان إلى فرض صيغة لتكبيرات صلاة العيد على جميع مساجد مصر وهى الصيغة التى يتمسكون بها فى مساجدهم بدعوى أنها الصيغة الشرعية.. هذه المحاولة للفرض تُعد مسلكاً غير مقبول، باعتبار أن الغالبية العظمى للمصريين قد توافقت واعتادت منذ مئات السنين على صيغة التكبيرات المطوّلة والمعروفة بتكبيرات النصر، وهى الصيغة المألوفة والتى باتت ولا تزال وستظل هى الصيغة المحبّبة والتى تجعل لصلاة العيد مذاقاً مصرياً خاصاً، فضلاً عن أنه من غير الجائز وصفها بأنها صيغة غير شرعية. *** إن إحساساً عاماً تولّد لدى عموم المصريين بأن وصول السلفيين والإخوان إلى الحكم سوف يشجعهم على فرض رؤيتهم الخاصة على الشعب المصرى كله حتى فى صيغة تكبيرات العيد! *** المفارقة المثيرة والمؤسفة أن الثورة على النظام الاستبدادى السابق نجحت بسبب توحّد كل المصريين على اختلاف وتباين اتجاهاتهم السياسية والحزبية بل الدينية أيضاً وحسبما تبدّى فى مشاهد أيام الثورة من تلاحم وطنى بين المسلمين والمسيحيين، بينما تسبب الصراع الحزبى والسياسى على السلطة فيما نشهده من استقطاب حاد يقود البلاد إلى الانقسام والتشرذم. *** المفارقة المثيرة والمؤسفة أيضاً هى أن ظاهرة التحرش الجنسى التى تصاعدت حدتها فى الأعياد فى السنوات الأخيرة قد تراجعت بشكل ملحوظ هذا العام بفعل قيام منظمات المجتمع المدنى ومجموعات شبابية بالتصدى لتلك الظاهرة، بينما تصاعدت ظاهرة التحرش السياسى والحزبى المستحدثة فى العيد هذا العام بسبب غيبة جهود حقيقية لجمع الصف ولم الشمل وإنقاذ الدولة المصرية من السقوط.?