بما أننا فى أيام أعياد.. و«لحمة» بلا حدود.. ما رأيك نترك السياسة بكل ما فيها من وجع قلب ونمسك سوياً طبلة ومزمارا.. لكى نتكلم على راحتنا.. ولكى تتسع الإجازة حول نظرية الفرفشة، خاصة أن تجار المزاج هدفهم فى النهاية كما يقولون إشاعة البهجة.. وعندما ضبطوا أحد تجار المخدرات ومعه نصف طن حشيش وسأله وكيل النيابة: إيه ده؟ قال التاجر: رسالة حب لشعب مصر من الدول الصديقة، وتاجر الكيف لا يمكن بحال من الأحوال أن يربح فى ظل انضباط أخلاقى.. حيث لا بد من التواصل مع وسائل الهلس الأخرى فى منظومة واحدة.. المُزز الحلوة.. ومشاريب منقوع البراطيش.. وبانجو محلى ومستورد للتخفيف على كاهل معدوم الدخل.. وكله فى حبك يهون. والآن ندخل فى الموضوع واربط حزام الأمان.. وسمعنى سلام التوبة. لأول وهلة تبدو عملية الربط مضحكة وربما ساذجة بين العوالم والعولمة، فهذه قناة فضائية اختارت لنفسها اسم «التت» ومادتها الوحيدة الرقص الشرقى مع أن غالبية من يظهرن فى فقراتها فيهن العربية والأوروبية.. إلى جانب المصريات.. ومن المهم أن نربط بين «التت» وقناة أخرى ليست عنها ببعيدة هى «دربكة» التى تقدم وصلات من «رذالة» تسموا زوراً وعدواناً بالغناء الشعبى المدعوم برقصة على الماشى، ولأننا رأينا من قبل على شاشة لبنانية مسابقة خاصة بالرقص كان يقوم بالتحكيم فيها الخبير المعجزة الدكتور بظاظا.. ومعه الأسطورة الست نجوى فؤاد.. وللأمانة كانت تجلس اللجنة الموقرة تنظر إلى المتسابقات بعيون فاحصة وماحصة ورأينا منافسة شرسة بين عربيات وأوروبيات، ومع ذلك لم نسأل أنفسنا ولو مرة واحدة: هل هز الوسط والصدر والأنف والحنجرة من الفنون التى يجب أن نفخر بها فى مصر على العرب والعجم؟.. أم أن نخجل منها ونختشى على دمنا وقد أعطت الأفلام المصرية وبعض المسلسلات انطباعا عاما لدى غالبية العرب بأن الست والبنت المصرية تولد من بطن أمها تمسك بالصاجات.. نعم الرقص هو تعبير إنسانى عن الفرحة وأحياناً عن الألم وهناك بلدان رقصاتها تكشف الكثير من ثقافتها.. فى تعبير حقيقى عن البيئة وما فيها... كما أنه فى الغالب يتسم بروح الجماعة.. مثل الرقص السودانى والبدوى والأفريقى والخليجى.. وقد يكون فرديا أو ثنائيا مثل رقصات التحطيب والرقص فوق الحصان فى صعيد مصر، بل إن الرقص فيما مضى كان يدخل أحياناً فى طقوس بعض الديانات.. عندما كان يتم اختيار «عروس البحر» وهى فتاة عذراء.. يضحى بها القدماء قربانا للآلهة من أجل الخصب والنماء.. وفى ذلك قال مؤرخ أغريقى إنها «تهتز» مثل راقصة الوقت الحالى ولأن المسألة فيها خصوبة لا بد لها من أنوثة وإغراء، ثم ظهرت مهنة «البغاء» فى بعض المعابد الوثنية كما قال سقراط فى بعض كتاباته.. ولذلك كانت تكشف معظم أجزاء جسدها، خاصة أسفل البطن.. ثم ظهر الرقص فى جنوب أسبانيا فى منطقة «قادش».. وكانت الراقصة تؤدى نمرتها أمام العامة ومن هنا انتقل الرقص إلى الجوارى فى الأندلس.. وكان الأمير يختار واحدة من الحريم عن طريق الرقص.. وحتى تفوز بتلك الليلة دون غيرها كانت تتعرى بأكثر مما تستطيع وتؤدى حركات هدفها الوحيد الإثارة.. وقد امتهنت الغجر هذه المهنة وكن يعرفن بالغوازى أو النوور وقد جاءت بعض الكتابات الفرنسية عن الرقص الشرقى الذى هو أقرب إلى «الاستربيز» أو رقصة التعرى الذى دخل بعد ذلك إلى علب الليل والملاهى.. ولما جاء الجيش الانجليزى محتلا.. سعت الغوازى أو العوالم أو الراقصات إلى الترفيه عنهم مقابل أجر.. وكان الرقص مرتبطاً بالدعارة.. والمفاجأة هنا أن السينما الأمريكية هى التى صممت بدلة الرقص وساهمت فى رسم صورته وسرعان ما تم تصديرها إلى الدول العربية، ومصر على وجه الخصوص ومعنى ذلك أن ما يسمى ببدلة الرقص اختراع أمريكى.. وهم أيضاً أصحاب نظرية ثقافة الاستهلاك وهو ما يكشفه «جووست سمايرز» فى كتابه «الفنون والآداب تحت ضغط العولمة» الذى ترجمه بامتياز طلعت الشايب (إصدار مكتبة الأسرة 2009).. حيث يقول: فى العولمة كل الأنشطة وربما العلاقات يمكن تحويلها إلى سلعة.. لأن ثقافة الاستهلاك هى أهم ساحة من ساحات الحرية، حيث يمكن لكل فرد أن يكون مستهلكا لأن الحرية الخاصة إجبارية ومن هنا كان الاهتمام بحرية الشذوذ وما يسمى بالجنس الآمن، والاهتمام المبالغ فيه بالرقص الشرقى حتى طالبت الراقصات بأكاديميات وجامعات يتم فيها تدريس هذا الفن.. بعد أن قامت مؤسسات أوروبية وأمريكية بالاحتفاء بهن بشكل مستفز.. وتساوت الكفة بين إحداهن وبين قادة سياسية كبرى سابقة فى برنامج تليفزيونى رغم أن بضاعتها الوحيدة الكلام الفارغ.. لأن العولمة أساس انطلاقها «الترفيه».. حتى لو تم ذلك بالتلصص على الخصوصيات فى الفراش والحمام.. وهو ما شاهدناه فى برنامج «الأخ الأكبر» الذى تم نسخه بعدة لغات وفى أكثر من دولة وقدمت لبنان النسخة العربية بعنوان «ستار أكاديمى» تحت شعار تنمية المواهب.. رغم ما حفل به البرنامج من فضائح لا تتفق مع قيم المجتمعات العربية، لكنها العولمة التى قدمت أيضاً من خلال لبنان أكثر البلدان العربية تحرراً.. مسابقة «هزى يا نواعم» وكان الاختيار فى محله.. ولإعطاء البعد العالمى رأينا راقصات من دول أوروبية عديدة.. فى إشارة للربط بين العوالم والعولمة.. وعلينا هنا أن نفرق بين راقصة فى ملهى.. تتلوى أمام سكارى لتجمع أقصى ما تستطيع بما تقدمه من إثارة.. وهذا يدخله الزبون لهدف بعينه.. ولا يرى فى الراقصة فنانة.. لكنها قطعة من اللحم.. تكتمل بها منظومة الأُنس والفرفشة ليس إلا.. ونفرق فى ذلك بين رقصة فى مناسبة سعيدة. وفى الأفراح المصرية تتحول الراقصة إلى شعار للبهجة والصهللة.. مثلها مثل زجاجات البيرة ودخان الحشيش ولا أحد ينظر إليها أبداً كفنانة وإلى ما تقدمه على أنه الفن الذى يجب احترامه.. لأنها بقدر ما تقدمه من إثارة يمطرونها ب «النقطة» ويتسابق المعازيم فى ذلك خاصة فى الأحياء الشعبية.. هناك أفراح بدأت تتخلى عن فكرة الربط بين الراقصة والفرح.. لأن نساء وبنات المعازيم يقمن بالواجب وها نحن قد وصلنا إلى إطلاق قناة خاصة بالرقص.. ومواكبة لها أخرى فيها رقص شرقى أيضاً مطعما بغناء هو أقرب إلى البزاءة والفعل الفاضح والفاحش.. وهى منظومة تستطيع أن ترصدها بسهولة على النايل سات وهى تضم قنوات الشات التى يلاغى فيها بلبل الخليج شقراء المغرب علنا.. ثم قنوات بيع الوهم لفحولة الرجال.. وخصوبة النساء.. وغيرها المخصصة لما يشبه القمار والرهان على سؤال تافه ومذيعة بلهاء لها صوت مزعج مثل بائع أنابيب البوتاجاز تنادى على المتفرج بسرعة الاتصال والفوز بالغنيمة كأنها فى صالة مزاد.. وصولا إلى قنوات الأفلام بأنواعها والمنوعات الأجنبية المترجمة المجانية وبلغ الأمر حد تجارة الدين، ولكنها العولمة كما قلنا وكل شىء فيها للبيع حتى القيم.. «العولمة» صورة من صور «التحرر» وإن كان يقال من باب التضليل إنها «حرية» والفارق كبير وعموما فى كل الأحوال هى نظرية فى الفرفشة.