أكد الدكتور هشام الحفناوى خبير الإدارة الاستراتيجية الحديثة أنه يمكننا توفير أكثر من 100 مليار دولار خلال شهور قليلة عن طريق الإدارة الرشيدة لأصول الدولة، وتقليل فترة الإفراج الجمركي، وتقليل نسبة المخزون الراكد من المواد الأولية لدى شركات ومصانع القطاع العام والخاص، فضلاً عن تخفيض الفاقد من الطاقة وزيادة الإنتاجية وترشيد الدعم، ويقدم من خلال هذا الحوار روشتة مفصلة لكل هذه الحلول *ما هو المقصود ب «الحوكمة» أو الإدارة الاستراتيجية لموارد الدولة؟ ** هذا المصطلح المقصود به منظومة إدارية ناجحة فى إدارة الدول والشركات ظهرت على يد أساتذة من جامعة هارفارد الأمريكية عام 1980، وتطورت المنظومة حيث يطبقها الآن أغلب الدول الصاعدة و70% من أكبر ألف شركة عالمية وذلك بعدما شهده العالم من تطور خلال الفترة الأخيرة. وتطورت الطريقة بعد تنفيذها على يد نائب كلينتون آل جور بأمريكا فى الولايات والمدن المختلفة، وسميت المنظومة بالمتوازنة حيث توازن بين المؤشرات العاجلة والآنية والمؤشرات الداخلية والخارجية والمؤشرات المالية وغير المالية. وشبهت بقيادة الطائرة فيلزم وجود بوصلة ومؤشرات أداء للوقود والسرعة والارتفاع وغيرها لاتخاذ القرارات ووجود التغذية العكسية التى تمكننا من التجاوب مع أى قرار خاطئ. * وما هى أبرز الدول والشركات التى طبقت الإدارة الإستراتيجية؟ ** بدأ الكثير من الدول فى اتباعها خارج مصر مثل الإمارات والسعودية والأردن فى الشرق الأوسط والكثير من الدول خارجها مثل البرازيل وتركيا والهند وماليزيا وغيرها. بل إن أغلب هذه الدول والشركات كونت إدارات «الاستراتيجية والأداء» لهذا الغرض. وعلى سبيل المثال أكبر شركات بالإمارات والسعودية مثل سابك وأدنوك وإينوك ودوبال والإمارات وغيرها لديها إدارات للاستراتيجية والأداء. * وما الذى يمكن أن يعود علينا من تطبيق تلك المنظومة؟ ** هناك سبعة مكتسبات سريعة من ضمن هذه الاستراتيجية، يمكنها توفير 100 مليار دولار فى خلال أشهر قليلة، وعلى رأس هذه المكتسبات زيادة إنتاجية الشركات فى مصر من 40 % إلى أكثر من 100 % وهو ما يعنى توفير 60 مليار جنيه وهو نصف الإنتاج الصناعى خلال أشهر قليلة. * كيف؟! ** إدارة أصول المؤسسات (EAM) يؤدى إلى خفض نفقات التشغيل والتكاليف الرأسمالية فى الإحلال والتجديد، كما يجب تكوين نموذج ناجح فى كل قطاع صناعى (Vertical Sector) حتى يتم محاكاته فى بقية الشركات والهيئات، ولقد وجدنا فى 800 شركة مصرية أن النسبة المئوية لاستخدام الأصول (Asset Utilization) يصل من 20% إلى 30% فى أغلب الشركات بينما يصل من 85% إلى 90% فى الشركات العالمية، وهو ما يفسر الإنتاجية الضعيفة للمصانع المصرية وبالتالى ارتفاع أسعارها وعدم القدرة على المنافسة والجودة. وقد طورنا نموذجين للصناعات كثيفة العمالة مثل الغزل والنسيج والبلاستيك والإلكترونيات والثانى للصناعات كثيفة الأصول مثل الورق والكيماويات والحديد والصلب والكهرباء والبترول والغاز. ونفذنا عدة تجارب أكدت زيادة الإنتاجية من 40% إلى 100% فى أشهر قليلة. * وهل يتم تدريس هذه النظرية فى الإدارة بشكل أكاديمى؟ ** نعم.. فنظرًا للتأثير الهائل لهذه الطريقة قامت عدة جامعات عالمية بتقديم شهادات معتمدة فى هذه المنظومة ويقوم الدكتوران نورتون وكابلان بتقديم محاضرات سنوية بصورة دورية بدبى ولندن وهونج كونج وسنغافورة وعدة مدن بالولاياتالمتحدة ولدينا محاضرات كاملة لعام 2009 وعام 2010. كما قاما بتأسيس شركة (Palladium) كشركة استشارية لتنفيذ هذا النظام بالمنافسة مع الشركات العالمية. * وكيف يمكن تطبيق تلك النظرية فى الإدارة فى مصر؟ ** تعتمد هذه المنظومة كإدارة استراتيجية على الرسالة التى نريد تحقيقها، والرؤية (أين نريد مصر بعد 5 أو 10 سنوات وهى تحدد الفجوة بين الوضع الحالى والوضع المأمول) والخطة الاستراتيجية (التى تتكون من قيم دافعة، موزعة على 4 مناظير، والأهداف الاستراتيجية ثم بطاقة الأعمال المتوازنة التى تتكون من المناظير المالية والعملاء والعمليات الداخلية والتعلم والابتكار. ويرتبط كل منظور بالمنظور الأعلى من خلال سبب وتأثير، ويشمل كل منظور اختيار مؤشرات الأداء الرئيسية لقياس الأنشطة الحرجة والقيم الدافعة التى يظهر أمامها عدة مستويات هى المستوى الحالى والهدف والهدف التجاوزى والمستوى الحرج، ثم النتيجة وألوان المرور (الأخضر والأصفر والأحمر)، ثم المشروعات التى تهدف لتحسين أداء هذه المؤشرات الرئيسية. وهذه المشروعات التى تدعم الاستراتيجية هى المشروعات الوحيدة التى يتم اعتمادها ونوقف كل مشروع لا يتماشى مع الاستراتيجية. وعادة ما يكون 70% من المؤشرات أعلى من الهدف أى خضراء و20% من المؤشرات بين الهدف والمستوى الحرج أى صفراء بينما 10% من المؤشرات أقل من المستوى الحرج أى حمراء. وهنا يسهل التركيز على تلك المؤشرات الحمراء والصفراء وتحسين الأداء بهما. وتطبق دبى مثلاً نظاما متوازنا للثواب والعقاب فبجانب المكافآت فى حالة تحقيق تحسن بالأداء هناك الردع إذا حصلت إحدى إدارات الدولة أو الشركات على أحمر فيكون كإنذار وإذا تكرر بالعام التالى يتم تغيير الإدارة فورًا حتى لو كان أميرًا حسب تعليمات الشيخ محمد بن راشد! * وكيف نصل إلى مستوى الأداء المتميز؟ ** الأداء المتميز يتحقق بسهولة عن طريق عاملين هما: التركيز على مؤشرات الأداء الحرجة. والثانى: هو تصفيف الصفوف، وذلك باستخدام خرائط الاستراتيجية التى تجعل جميع العاملين شركاء فى تنفيذ وتخطيط الاستراتيجية؛ حيث يقوم الكل بالشد فى اتجاه واحد، ويبدو ذلك سهلا ولكن تطبيقه لا يكون سهلا فى الشركات أو الوزارات أو الإدارات، ولذلك فإدارة التغيير ضرورية؛ حيث توجد مقاومة لأى تغيير حتى لو كان للأفضل، والمبدأ الرئيسى الآخر الذى يرتبط بهذه المنظومة إنك لا تستطيع إدارة ما لا تستطيع قياسه. * وهل نحن فى حاجة إلى انتظار سنوات عديدة حتى نجنى ثمار الإدارة الاستراتيجية داخل أجهزة الدولة؟ ** أبداً.. فلا يعنى هذا النظام الإدارى المتكامل من تصفيف الاستراتيجية من خلال خطط استراتيجية أننا سننتظر الكثير من السنوات حتى نجنى ثمار هذه الطريقة مثل الأبحاث والتطوير التى تحتاج لعشر سنوات من العمل على مشاكل العمليات كحد أدنى حتى تظهر نتائج الأبحاث للمنتجات والأساليب، بل هناك ما يعرف بالإنجازات السريعة، التى تستطيع توفير بلايين الدولارات من خلال تطبيقها فى شركات وإدارات الدولة المختلفة خلال أشهر معدودة. وقد قامت بعض شركات البرمجيات العالمية مثلا بتصميم برامج كمبيوتر تساعد على سرعة تطبيق هذه الطريقة، كما قامت بأبحاث حول تحسن الأداء، وأكدت تحقيق نجاح هائل فى جميع الشركات بعد تطبيق النظام خلال عامين أو ثلاثة، وهناك أكثر من 50 شركة تقدم برامج معتمدة لتنفيذ النظام. كما تسابقت أكبر الشركات الاستشارية العالمية لتقديم تلك الحلول الإدارية بطرق مختلفة، نظرا لما رأوه من تحقيق إنجازات هائلة فى وقت قصير فى جميع القطاعات الحكومية والخدمية والصناعية والطبية والكهربائية والبنوك والمرافق والبترولية والفنادق بل غير الهادفة للربح. * ترى على عكس الشائع أن زيادة المخزون من السلع خطأ اقتصادى وليس ميزة.. لماذا؟ ** لأن المخزون لدى الشركات والمصانع من المواد الخام والمواد تامة الصنع وقطع الغيار يمثل مليارات الدولارات الملقاة على أرصفة الموانئ، وفى مخازن الشركات بينما نرى فى الهند وهونج كونج وسنغافورة واليابان كيف يقاس المخزون بالساعات وليس بالأيام والأسابيع، ويكفى أن نعلم أن فترة الإفراج الجمركى فى الهند تستغرق يوما واحداً وتقاس فى هونج كونج وسنغافورة بالساعات، بينما تستغرق فى مصر شهراً كاملاً، فى الوقت الذى قد يصل فيه المخزون الراكد من المواد الخام لدى بعض المصانع لنحو ستة أشهر، وهو إهدار غير مفهوم لرأس المال يكلفنا خسارة 4 مليارات سنوياً. فقيمة الواردات المصرية تصل لنحو 48 مليار دولار سنوياً وتُترك ما يقرب من شهر (8.5%) حتى يفرج عنها أى هناك 4 مليارات دولار على أرصفة الموانئ طوال العام رغم التحسن فى السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى مخزون شهرين بمخازن 30 ألف شركة وهيئة داخل مصر أى 8 مليارات دولار أى 12 مليار دولار وهو ما يعادل 72 مليار جنيه مصرى سنوياً. * وكيف يمكن أن نمنع أو على الأقل نخفض كل هذا الهدر؟ ** يمكن توفيرها فى أشهر قليلة عن طريق الإعلام ومناظرات لرجال الصناعة والموانئ والبنوك، وإدارة سلسلة التوريد (Supply Chain Management) وهذه توفر الملايين عند تطبيقها بصورة صحيحة، بالإضافة لوجود آلية للتحسين المستمر لاستخدامها بصورة مستمرة خاصة إذا اتبعنا نظماً للحوافز تربط الأجر والإنتاج. * وما رأيك فى مشكلة الدعم التى تحيرنا منذ سنوات طويلة جدا..هل لديك حلول لها؟ ** دعم الوقود فى مصر يتجاوز 100 مليار سنوياً، ويتم تهريب نصفه لغزة والسودان و60 مركبا تعبر القناة يومياً وربع الدعم يذهب لغير مستحقيه من أصحاب السيارات الفارهة فوق 2000 CC واليخوت والسيارات السياحية وكذلك البوتاجاز الذى يستخدم فى الفنادق والمطاعم وكمائن الطوب.. و30 مليارا للغذاء والدواء فى حين أن تخفيض الاستهلاك يوفر 60 مليار جنيه، كما أن إنشاء غرفة تحكم وتركيب جهاز الملاحة (GPS) بالسيارات السياحية والسفن والقطارات يمكننا من التحكم فى تهريب الدعم وحجم الكميات المفرغة بكل محطات الوقود ويمنع الحوادث. * وماذا عن زيادة الإنتاجية؟ ** وجود إطار منظومة بطاقات الأداء المتوازنة وحدها فى وجود التغذية العكسية سيزيد الإنتاجية بنسبة 40% على الأقل (الإدارة بالأهداف)، وهو ما يوفر مليارات الدولارات ويزرع الأمل فى وجود رؤية وشفافية ويمكننا من متابعة الأداء كل 3 شهور، كما أن استخدام الأداء المقارن (Benchmarking) وقصص النجاح للتغلب على مقاومة التغيير وغلق الفجوة الإنتاجية والتحفيز للوصول للتميز، وإدارة موارد الدولة بما فيها الوقت هو عامل مهم جداً فى هذا التوقيت. * وهل أنت مع تحويل الدعم العينى إلى نقدي؟ ** بالتأكيد.. فالدعم العينى يتسرب عن طريق مافيا التهريب إلى من لا يستحقونه، وتحويله إلى دعم نقدى معناه رفع الحد الأدنى للأجور إلى نحو 2000 جنيه، وهذا من شأنه إنعاش الاقتصاد المصرى كله، فكل خطوة كانت تخطوها الدولة نحو رفع الجمارك عن بعض السلع، كانت تؤدى إلى حركة نشطة بالسوق، والرسول الكريم نهى فى أحد أحاديثه عن تسعير السلع، والاقتصاد الإسلامى يقوم على العرض والطلب لأن هذه هى سنة الله فى الكون. ** ولماذا لم تعرض أفكارك وخطتك على المسئولين؟ ** لقد عرضتها على مسئولين كبار فى حزب الحرية والعدالة، ومن بينهم وزير التعليم العالى د. مصطفى مسعد، والذى وعدنى بتطبيقها فى وزارته، وحين طلبت منه توصيلها للرئيس محمد مرسى، قال «ممكن يفهمنى غلط..أنا مسئول عن الحتة بتاعتى فقط»!